رب ضارة نافعة
الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع
قبل أن أبدأ الكتابة عن موضوع الإطلالة على المجتمع أحب أن أمهد له بأبيات شعرية، ترديدها نشيد وطني:
أحدها قول الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
والثاني قول الآخر:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقي صولة المستأسد الضاري
والثالث قول الشاعر:
جزى الله الشدائد كل خير
عرفت بها عدوي من صديقي
وأبلغ من ذلك كله قول الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).
فتنة الحوثيين وما أدراك ما فتنة الحوثيين، هذه الفتنة الصادرة من فئة خارجة عن دين الله مبغضة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سالكة مسلك الخوارج في صدر الإسلام ممن استباحوا دماء وأموال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. خرجوا على معاقل الإسلام بين عشية وضحاها مُغررَين من فئات الضلال والغواية، ومغررِين بفئات كانت آمنة مطمئنة فانقلب أمنها اضطراباً وحياتها قتلاً وفتكاً وتشريداً. خرجوا على ولايتهم وظنوا أنهم قادرون على تجاوز حدود بلادهم إلى حدود جيرانهم فباؤوا بالخيبة والهزيمة والبوار والانتكاس إلى معاقلهم بعد أن تحولت إلى فناء ودمار. إنني لا أريد أن أزيد على ما قلت حمداً لله على نصره وتأييده وشماتة بأعداء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم.
إنني لا أريد الشماتة بهؤلاء الحوثيين بقدر ما أريد حمد الله وشكره على ما أفرزته هذه الفتنة من إيجابيات عادت على بلادنا بالخير الكثير والنفع الجلل ومن ذلك ما يلي:
أولاً: إتاحة الفرصة لجنودنا الأشاوس بمختلف رتبهم العسكرية في تقديم قدراتهم الدفاعية والهجومية وفي إعطاء العدو صورة لهيبة بلادنا وأنها تحت حماية الله ثم حماية جيشها الباسل.
ثانياً: استخدام أسلحة كانت في مستودعات تخزينها عرضة للغبار والصدأ فنُفِض عنها ذلك، وثبت بها للعدو سوء ظنه.
ثالثاً: ظهور قائدين تميزا في نجاحهما فيما أسنده ولي الأمر إليهما، أحدهما فيما يتعلق بحماية الأمن الداخلي وهو سمو الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز والثاني فيما يتعلق بالقيادة العسكرية للدفاع عن حدودنا وهو سمو الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز وهما شابان من نسل أصيل نعتز بهما وبما تميزا به.
رابعاً: ذكر لي منذ يومين فضيلة رئيس المحكمة العامة في جازان أن هذه الفتنة - فتنة الحوثيين - بعد دحرها نقصت القضايا الجنائية في المحاكم قرابة ثمانين في المئة ٨٠٪ وزاد استتباب الأمن في المنطقة زيادة ملحوظة.
خامساً: أدرك المواطنون المحتاجون إلى رعاية الدولة وحمايتها أنهم تحت ولاية رحيمة قادرة على حمايتهم من حيث الأمن الأمني والأمن الغذائي والأمن الصحي والأمن التعليمي والأمن الدعوي فظهر هذا في مراكز الايواء في أحد المسارحة حيث يأوي هذا المركز ما لا يقل عن ثلاثة آلاف أسرة تقوم الدولة بإعاشتهم وصرف مصروفات جيبية لكل رب أسرة بما لا يقل عن ألفي ريال وقد يصل لخمسة آلاف ريال شهرياً وحتى ينتهي أمر الحاجة إلى إيوائهم، وهم من كانوا على الحدود بين المملكة واليمن.
سادساً: أظهر نسورنا الأشاوس قدرة متميزة في استخدام الأسلحة الجوية مما جعل المراقبين يعطون لليهود معلومات تحذيرية لتعطيل إتمام صفقة بيع أسلحة عسكرية تم الاتفاق عليها بين المملكة وبعض دول الغرب.
سابعاً: تم الحصول على نتيجة قاعدة (أدب الفهد يستأدب الأسد)، فقد أظهرت هذه الحركة المباركة قوة المملكة وأنها مما يجب على العدو أن يحسب لها ألف حساب وحساب. وسلبيات هذه الفتنة - والحمد لله - لا تتجاوز مصيبتنا في من استشهد من جنودنا ونعتبرها إيجابية لأن الله تعالى يقول: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله) فهم يدافعون عن بلادهم وعن موطن دينهم وقد استشهدوا في سبيل ذلك، تقبل الله منهم جهادهم وشملهم بفضله ورحمته وأعد لهم ما أعده للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وفي الختام أهنئ مليكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين على هذه الإيجابيات العائدة على بلادنا بالخير والنفع العام، فرب ضارة نافعة. والله المستعان.