رد: الملف الصحفي للتربية الأربعاء 22-04-1431هـ
الجزيرة : الاربعاء 22 ربيع الثاني 1431 العدد 13705
الأنشطة الطلابية حماية من الأفكار الهدامة!
يوسف بن يعقوب أباحسين
عندما ننظر للعملية التعليمية في الشرق أو الغرب نجد أن الأنشطة الطلابية دائما ما تكون رديفا للمناهج العلمية المدرسية؛ فهي تعزز فَهْم المواد الدراسية، وتضيف الجانب العملي والمهارة الذهنية للطالب اللذين لا تغطيهما المناهج المعاصرة مهما بلغت من الحجم؛ فالمقرر الدراسي هو اجتهاد لتكريس مفاهيم أساسية في العلوم وفهمها، لكنه لا يمكن أن يغطي الأنشطة التي تخدم تلك المناهج بصورها المأمولة؛ فالطالب حبيس الفصل سرعان ما تنفتح نفسيته وينطلق عندما يذهب للمختبر أو يؤخذ في رحلة علمية مدرسية لزيارة مصنع أو دراسة بيئة.. هذا الانشراح هو مدخل لقبول المعلومة بشكل سليم؛ لأنها لمست حواس أكثر، إضافة إلى التفاعل النفسي الأكثر جاذبية؛ فالطالب الذي يتعرف على نباتات البيئة في رحلة خلوية وعلى صخورها وعلى التضاريس البيئية لمنطقته يرى بعينيه ويلمس بيديه ويتعلم دروسا كثيرة في الدراسة الميدانية. وعندما ننظر إلى حاجتنا إلى الأنشطة نجد أننا بحاجة أكثر من غيرنا لتعزيز تلك المفاهيم، كما أننا رغم الدعم الذي توفره حكومة خادم الحرمين الشريفين لوزارة التربية وما تخصصه الوزارة لبرامج النشاط الطلابي من مبالغ كبيرة لم نفعِّلها بالشكل المطلوب لأسباب عدة يجب أن نقف عندها ونتأمل الآتي: أولاً: إن آليات تنفيذ النشاط في الميدان بين المد والجزر؛ نظراً إلى تباين المتفاعلين تجاه النشاط أو نظرتهم المحدودة في كون النشاط مضيعة للوقت، وآخرون ينظرون للنشاط على أنه محل الشك بسبب بعض الأخطاء من فئة قليلة. ثانياً: إنَّ تنمية الطلاب لا يمكن أن تتم ما لم نتعرف على هوايات الطلاب ومن ثمّ نقوم بتعزيزها بتوفير البرامج والخامات المناسبة وتأهيل المعلم ليقوم بدوره بالشكل المناسب. ثالثاً: إنَّ المناخ الدراسي داخل المدرسة مهم للغاية في الإقبال على النشاط؛ فتوفير المكان الجيد التهوية والمجهز عامل مساعد للإقبال على النشاط. رابعاً: إن المعلم المشغول بـ24 حصة ويقابل عددا كبيرا من الطلاب ليس لديه الوقت الكافي للتمييز بين الطلاب وسبر ميولهم واحتوائهم وإعداد الأنشطة الملائمة. خامساً: إشراك الطالب في نوع النشاط مهم، وليس فرض الأنشطة عليه؛ فالطالب الذي يجد المجال في أن يمارس هوايته سيساعد ذلك كثيراً في تنمية هواياته وتطويرها. سادساً: لا بد أن نفهم جميعاً أن النشاط يجب أن يكون للجميع وليس لفئة دون أخرى؛ فحرمان الطالب من ممارسة النشاط خطأ يجب أن نتحمله؛ لأننا لم نمنحه الفرصة في أن يكتشف ذاته وينمي شخصيته. سابعاً: إن الأنشطة بعضها عام يناسب الجميع، وبعضها خاص؛ فالأنشطة الخاصة المقصود بها أنشطة يميل إليها الطالب فطرياً مثل اهتمام الطالب بمجال الروبوت الآلي أو مجال البيئة أو الإلكترونيات.. أما الأنشطة العامة فهي الأنشطة التي يجب أن يهتم بها الجميع مثل الصحة والرياضة والقراءة والثقافة العامة وبعض المهارات اليدوية والإسعافات الأساسية التي لا يستغني عنها أي إنسان في حياته اليومية. ثامناً: إن التركيز على المسابقات المركزية التي تستغرق جهوداً كبيرة في الإعداد من قِبل المسؤولين في الوزارة والإدارات تشغل كثيراً عن متابعة الميدان بشكل عملي؛ فالمطلوب هو وصول النشاط للطالب بشكل ملموس، وهذا يتحقق من خلال برامج مستمرة داخل المدرسة ليس لها علاقة بصدور برنامج مركزي من الإدارات؛ فالنشاط يجب أن يكون مستمرا، وبمرور الوقت يتخرج الطالب من مرحلة إلى مرحلة ولم يمارس نشاطه وهوايته بالشكل المأمول، ويصل إلى مرحلة يتوقف عندها في تطوير ذاته بسبب العقبات التي يجدها، ويصل إلى المرحلة الجامعية لا يدري أين يتجه وأي تخصص يختار!! وإذا أردنا أن نفعّل النشاط ونصل به إلى قلوب أبنائنا الطلاب فيجب أن نعالج الوقفات السابقة ونتخذ خطوات مدروسة، لعل أهمها: 1) تأهيل المعلم لكيفية تنفيذ النشاط من خلال دورة إثرائية يحصل عليها. 2) تخصيص وقت كاف لممارسة النشاط داخل المدرسة؛ فحصة النشاط وحدها غير مفعلة وغير كافية، وكذلك الفسح؛ فالفسحة هي متنفس للطالب لتناول وجبته واللعب مع زملائه وليس للنشاط؛ فلا بد أن يكون هناك وقت كاف ومناسب. 3) تدعيم الأنشطة اليومية بميزانية مناسبة سهلة الصرف من قِبل مدير المدرسة والمعلم لتوفير ما تحتاج إليه الأنشطة. 4) التخطيط للنشاط منذ بداية الفصل والبُعد عن الارتجالية. 5) توفير برامج ذات جاذبية ومنفعة للطلاب تغريهم بالانتماء لها. 6) توفير معلم يشرف على الأنشطة يتابع وينسق بين المعلمين والطلاب ويحتفظ بسجل خاص يسير مع الطالب حتى تخرجه، يوضح مدى دعم هواية الطالب خلال مراحل التعليم. 7) تشجيع المعلمين المبدعين ووضع الحوافز لهم. 8) اقتراح أنشطة يمكن تنفيذها في المنزل وبإشراف المدرسة.وأخيراً نقول: إن ترك الطالب ضحية الفراغ القاتل وإفراغ وقته أمام الإنترنت والألعاب الإلكترونية ساعات طويلة لهو هدر للوقت وتشكيل الشخصية الانطوائية والسمنة والتعرض للأمراض والدخول في دهاليز غير مأمونة.. ومن هنا فإن النشاط هو بالتأكيد حماية للفكر وإشغاله بما هو مفيد ويصد الإنسان عن الأفكار الهدامة التي يقود إليها الفراغ العاطفي والذهني والعزلة عن المجتمع، كما لا ننسى أن النشاط يخرج الطالب إلى المجتمع بسلوك سوي، ويجعله نافعاً لنفسه وأهله ومجتمعه، وينعكس على أمته.
|