رد: الاخبار الاقتصادية ليوم الثلاثاء 06/05/1431 هـ 20 أبريل 2010 م
أسعار الصرف وإصلاحات صندوق النقد
خوسيه أنطونيو أوكامبو
لقد أتى التعافي الاقتصادي الحالي مصحوباً بمظهرين مثيرين للانزعاج الشديد: الطبيعة الكاسدة للتجارة الدولية والإحياء المبكر للخلل في ميزان المدفوعات العالمي. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة إلى أن حجم التجارة الدولية في عام 2010 سيظل عند مستوى أدنى من الذروة التي بلغها في عام 2008 بنسبة 7 في المائة إلى 8 في المائة، في حين تسعى أغلبية بلدان العالم، بما في ذلك البلدان الصناعية، إلى تعزيز حساباتها الجارية.
وإذا صدقنا توقعات صندوق النقد الدولي، فإن هذا يعني أن مجموع ما كدَّسه الاقتصاد العالمي من فوائض في الحساب الجاري سيزيد بنحو تريليون دولار أثناء الفترة من 2009 إلى 2012! وهذا بطبيعة الحال أمر مستحيل، حيث إن الفوائض والعجز لا بد أن يتعادلا على مستوى العالم. وهذا يعكس ببساطة قوة الركود (أو الانكماش) المتمثلة في الطلب العالمي الضعيف الذي يخيم على الاقتصاد العالمي.
وفي ظل هذه الظروف فإن نموذج النمو القائم على التصدير الذي تتبناه القوى الاقتصادية الكبرى يهدد الاقتصاد العالمي. وهذا يصدق على الصين، وألمانيا (كما ظلت وزير المالية الفرنسية كريستين لاجارد تُذَكِّر البلدان المجاورة باستمرار)، واليابان، والولايات المتحدة.
والواقع أن البلدان التي تحتفظ بفوائض ضخمة تضطر إلى تبني سياسات توسعية ورفع قيمة عملاتها. وبشكل أكثر عموماً فإن الأسواق الناشئة الكبرى ما دامت تعتزم الاستمرار في قيادة التعافي العالمي فيتعين عليها أن تقلص من فائض الحساب الجاري لديها، بل وقد يكون لزاماً عليها أن تحقق عجزا في حسابها الجاري حتى تساعد غيرها من البلدان، من خلال زيادة وارداتها، في نشر الفوائد المترتبة على النمو لديها إلى مختلف أنحاء العالم.
لكن في حين يعني هذا ضمناً أن عملات الأسواق الناشئة لا بد أن تصبح أقوى، فإن الأضرار المترتبة على رفع قيمة العملات على نحو غير منظم قد تكون أعظم من الفوائد. وتحضرني هنا مقولة أمريكية تحذر من إلقاء الطفل الوليد (النمو الاقتصادي) من النافذة مع ماء الاستحمام (رفع أسعار الصرف).
ولنتأمل هنا حالة الصين، صاحبة أضخم حصة من التجارة العالمية بين الأسواق الناشئة. إن الزيادة الحقيقية في قيمة الرنمينبي (عملة الصين) أمر ضروري من أجل انتعاش اقتصادي عالمي متوازن، ولكن الزيادة غير المنظمة في قيمته قد تؤثر إلى حد خطير على النمو الاقتصادي في الصين من خلال تعطيل صناعاتها التصديرية، وهو ما قد يولد آثاراً سلبية ضخمة على شرق آسيا بالكامل.
إن الصين تحتاج إلى إعادة هيكلة داخلية كبرى للتحول من الصادرات والاستثمارات، القطاعين اللذين شكلا المحرك الرئيسي لدفع النمو طوال العقود الماضية، إلى الاستهلاك الشخصي والحكومي (في التعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي). ولكن إعادة الهيكلة ستميل إلى الحد من الطلب على الواردات وليس زيادته، حيث إن الصادرات والاستثمار أكثر اعتماداً على الواردات من الاستهلاك المحلي.
فضلاً عن ذلك فإن الارتفاع الحاد في قيمة عملة الصين قد يهدد بالانكماش المحلي والأزمة المالية. ولا شك أن السلطات الصينية تضع ذلك التفسير لجذور العلة اليابانية نصب عينيها أثناء سعيها إلى تجنب الزيادة السريعة لقيمة العملة الصينية.
وعلى هذا فإن السيناريو الوحيد المرغوب فيه يتلخص في اقتصاد صيني يعمل على نقل حوافزه إلى بقية العالم من خلال رفع معدلات الاستيراد بدعم من النمو الاقتصادي السريع (أو بعبارة أخرى تأثير الدخل على الطلب من الواردات)، وليس من خلال رفع سعر الصرف (تأثير البديل). وهذا يتطلب الحفاظ على النمو السريع، وفي الوقت نفسه تنفيذ عملية إعادة الهيكلة الداخلية الكبرى التي لا بد أن تكون تدريجية، والتي يتوافق معها على نحو أفضل كثيراً رفع قيمة العملة بسلاسة وتدريجياً.
ولنتأمل الآن الوضع في الأسواق الناشئة الرئيسية الأخرى. هنا سنجد أن عملية رفع قيمة العملات قد بدأت بالفعل، مدفوعة بتدفقات رأس المال الهائلة منذ الربع الثاني من عام 2009، وفي بعض الأحيان نستطيع أن نقول إن هذه العملية ذهبت إلى أبعد مما ينبغي (كما هي الحال في البرازيل على سبيل المثال).
لا شك أن هذه البلدان تستطيع مقاومة الضغوط التي تدفع عملاتها إلى الارتفاع من خلال تكديس احتياطيات النقد الأجنبي، كما حدث قبل الأزمة المالية العالمية. وكانت النتيجة متناقضة بطبيعة الحال: فالأموال الخاصة التي تتدفق إلى هذه البلدان يُعاد تدويرها في سندات خزانة الولايات المتحدة عن طريق الاستثمار في الاحتياطيات المتراكمة. لكن لماذا يتعين على البنوك المركزية في الأسواق الناشئة أن تتولى هذا النوع الغريب من الوساطة المالية، التي تفرض تكاليف كبيرة، في حين أن العائد على الأموال الخاصة أعلى من العائد على الاحتياطيات؟
المغزى الضمني هنا هو أن الاعتماد على الحركة الحرة لرؤوس الأموال بهدف رفع سعر الصرف وحث العجز في الحساب الجاري قد يسفر عن ظهور عدد لا يحصى من المشاكل، بما في ذلك تباطؤ النمو الاقتصادي والتهديد بنشوء فقاعات الأصول والأزمات المالية. وعلى هذا فمن الأهمية بمكان أن نتبع سبيلاً أكثر تنظيماً في حث العجز في الحساب الجاري من دون المخاطرة بتعطيل نمو الأسواق الناشئة.
وأحد الحلول (الذي يؤيده البعض بالفعل، وأنا منهم، والذي تم تبنيه إلى حد ما في بضعة بلدان) يكمن في التوسع في فرض التنظيمات على حسابات رأس المال. لكن من المدهش رغم ذلك أن هذه المسألة كانت غائبة تماماً عن المناقشات العالمية الحالية بشأن الإصلاح المالي. ومن حسن الحظ أن صندوق النقد الدولي فتح باب مناقشة هذه القضية في بحث صادر عنه أخيرا.
وعلى القدر نفسه من الأهمية، هناك سيناريو عالمي مرغوب ربما يتلخص في مبادرة أغلب البلدان النامية إلى حث العجز في حساباتها الجارية. لكن هذا يتطلب إصلاحات كبرى للنظام المالي العالمي من أجل الحد من المخاطر التي تولدت عن مثل هذا العجز في الماضي، والتي انعكست في الأزمات المالية الكبرى التي ضربت بلدان العالم النامي.
لقد مهدت هذه الأزمات السابقة الطريق لنشوء شكل من أشكال «تأمين الذات» بين البلدان النامية من خلال تكديس الاحتياطيات. ولقد ساعد هذا العديد من هذه البلدان في تحمل العاصفة الأخيرة والنجاة منها، ولكنه ساهم أيضاً في نشوء الخلل في توازن المدفوعات العالمي.
إن إصلاحات صندوق النقد الدولي الأخيرة ليست أكثر من خطوة نحو محاولة خلق أدوات مالية أفضل لمساعدة هذه البلدان. ومن الضروري بشكل خاص أن يتم إنشاء أدوات تمويل جديرة بالثقة على نطاق واسع لمساعدة البلدان النامية في وقت الأزمات، وذلك من خلال المزج بين إصدار حقوق السحب الخاصة بهدف مواجهة التقلبات وبين عمليات التمويل الطارئة من دون فرض شروط مرهقة.
خاص بـ «الاقتصادية»
|