[صقر قريش]

الوطن : الجمعه 16 جمادى الأولى 1431هـ العدد 3500
رسائل إلى المحرر
نحتاج إلى بيئة تعليمية سليمة قبل تطوير المناهج
(لم يعد سراً أن المعرفة بجميع أوجهها ومستوياتها تُمثل حجر الزاوية والضمانة الحقيقية لنجاح المشاريع التنموية الشاملة والمستدامة لكل الأمم التي تنشد التطور والتقدم. ويبدو أن ثمة إجماعا يُثار منذ زمن بعيد في الدوائر العلمية والاقتصادية والسياسية، إضافة إلى المؤسسات التعليمية، حول الحاجة الماسة لتطوير وإصلاح التعليم العام في هذا الوطن العزيز، الذي يستحق أن يكون في مصاف الدول المتقدمة والمتطورة، يُشارك بفاعلية في نماء وازدهار ورخاء العالم، بما يمتلكه من ثراء بشري وتاريخي وحضاري). هكذا كتب فاضل العماني في مقاله يوم الأحد بالعدد 3495 من "الوطن"، تحدث في هذا المقال عن مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم ولمّح إلى الفشل العنكبوتي في وزارة التربية والتعليم الذي امتد ليشمل كل المهام التي تعلقت بها. الكاتب هنا كغيره اعتقد أن المناهج هي البوابة الأولى والأهم لتطوير البيئة التعليمية في هذا الوطن، وكرأي شخصي فتطوير المنهج وإن كان جزءا أساسيا من عملية النهضة التعليمية إلا أنه لن يجدي ما دامت البيئة المدرسية تسلب الطالب أبسط حقوقه، فهي بيئة متوترة لن يتقبل الطالب فيها أية فائدة سنحاول أن نوصلها إليه. نهضة التعليم تعتمد على عدد كبير من القضايا، كالمباني والمناهج والكفاءة التي يجب أن يحوزها المعلم إضافة إلى إعطائه كامل حقوقه ليؤدي واجبه بارتياح وزيادة صلاحية إدارة المدرسة في الطريقة التعليمية وإزالة الرقابة التقليدية الشديدة من الموجهين على أدق التفاصيل المظهرية في المدارس والحصص المنهجية و...إلخ ؛ ثم الأهم من هذا كله توضيح القوانين والقرارات التي تضبط بيئة المدرسة و تضمن لكل مواطن سلامة ابنه النفسية من التعدي عليه لفظيا أو جسديا و كسر ثقته أو إغلاق منافذ التفكير في عقله. نعم ، نحن نتفق على أن المناهج ركيزة أساسية لن نتقدم خطوة واحدة نحو مستقبل علمي مشرق لو لم نطوّرها بحيث توسّع عقول الطلبة وتحثهم على التفكير والبحث ثم الاستنتاج بدلا من اتباع الأسلوبين التقليديين (الفهم والحفظ على الجاهز)، لكني واثقة من أن هناك ما هو أهم من المنهج وأهم حتى من تنمية عقل الطالب ومن كل النواحي التي تكلمنا عنها طوال السنوات الماضية..
فقط لو استطعنا أن نفهم الهدف الرئيسي من وجود "التربية والتعليم" وأن نستوعب لماذا تدفع الدولة هذه الميزانيات الباهظة على التعليم، سنفهم بالتالي أن الطالب هو المحور الأهم في العملية التعليمية كاملة، وأن الاهتمام بالمناهج والمباني وبالمعلم نفسه ما هو إلا طريق للاهتمام بالطالب..
إلا أن المناهج والمباني وكفاءة المعلم والمبالغ المرصودة لتطوير العملية التعليمية وبناء جيل ناهض يجب أن يرافقها معرفة للطريقة الصحيحة في التعامل مع الطلبة، وما الذي سنجنيه أصلا إن استطعنا أن نوجد مادة علمية جيدة وسط سطور الكتب المنهجية وأن نبني معامل علمية بكفاءة عالية إن كنّا لم ننجح بعد بالاعتراف بالحقوق الإنسانية البسيطة التي يحوزها الطالب. الواقع هو أننا إلى اليوم نتجاهل المشكلة الأولى والأهم في مدارسنا وهي أن البيئة التي تحتضن الطالب طوال 12 عاما بيئة غير تربوية لا تضمن للطالب أبسط حقوقه الإنسانية!
بيئة تمارس التسلط والنبذ الفكري، يتشبث المعلمون فيها بسلطة غير مستحقة تتيح لهم تسيير الطلبة كيفما شاؤوا وتكميم أفواههم حين لا تروقهم الآراء التي تنطقها ، وفوق هذا كله فرض قوانين اختراعية وتطبيقها ومعاقبة المتعدي عليها والتعدي اللفظي وربما الجسدي على الطالب دون أن يجد الطالب جدارا يستند عليه فيحمي ظهره من تسلط ضعاف النفوس من المعلمين!
اتركوا لنا منهجا سلبيا خاليا من أية معلومة مفيدة ، واتركوا المبنى متهالكا وعلى وشك الانهيار، واضمنوا لي أن يعود لي طفلي واثقا معتادا على طرح آرائه، يملك حق اختيارها، واضمنوا لي قبل هذا كله أن ينشأ بعيدا عن الملوثات السمعية والألفاظ النابية والإهانات التي تطاله. أريد ويريد أي ولي أمر أن يترك ابنه عند بوابة المدرسة مطمئنا على أنه قد سلّم ابنه لأياد أمينة لا تعبث بشخصيته ولا تقلل من شأنه ولا تعتدي عليه بأي شكل.. فباستطاعتي أن أعلّم ابني وأرفع من حصيلته الثقافية في المنزل لكني لن أستطيع أن أمحو الآثار السلبية التي يطبعها المعلم على شخصيته! ببساطة نريد بيئة تحترم الطالب، ونريد التفاتة من المعنيين إلى حقوق الطلبة التي تنتهك كل يوم!
حنان أحمد