لقد كان المسلمون في نشأتهم الأولى في طور من البداوة لا يملكون شيئا مما يملكه
المتحضرون من حولهم من أسباب الحضارة المادية أو من العلوم . وكان لزاما عليهم إذا
أرادوا الحضارة المادية والعلم أن يأخذوا أسبابهما من الدولتين ( العريقتين ) عن يميين
وشمال فارس والروم . وقد صنعوا ذلك بالفعل .. ولكنهم لم يحنوا رءوسهم أبدا , ولم يشعروا
بالانبهار. كانوا هم الأعلين , لأنهم كانو هم المؤمنين !
كانوا في حاجة شديدة لتعلم علوم الكفار والوثنيين من حولهم , ولكن هذه الحاجة الشديدة لم
تشعرهم بالصغار تجاههم , ولا بأنهم دونهم , بل كانوا يعرفون - ويشعرون - أن العزة لهم ,
لأن العزة لله و لرسوله و للمؤمنين , و ليس للكفار و الوثنيين شيء من العزة ولو ملكوا كل
علوم الأرض , وكل خزائن الأرض ! وحين أخذوا ممن حولهم فقد كان سلوكهم المستعلي
بالإيمان واضحا في طريقة الأخذ..
وكان أوضح ما يكون في خصلتين رئيسيتين :
الأولى : أن أرواحهم لم تهزم قط أمام أعدائهم تحت ضغط الحاجة إلى الأخذ منهم .
والثانية : أنهم لم ينقلوا كل شيء وجدوه عند أعدائهم . بل كانو ينقلون على بصيرة ..
واقعنا المعاصر لمحمد قطب ..