الإطاحة بالمديرين التنفيذيين والتحقيق مع الموظفين
إدارة قروض واحدة تجرُّ بنكين إسلاميين إلى خسائر متتالية
77 مليون دولار خسائر البنك السنغافوري في 2009، فيما سجل بيت التمويل الكويتي في ماليزيا خسائر بلغت 63 مليون رنجيت ماليزي عن الربع الأول المنتهي في مارس.
محمد الخنيفر من الرياض
كشفت بيانات مالية لـ "الاقتصادية" كيف أسهمت إدارة واحدة لبنكين إسلاميين (تحتضنهما القارة الآسيوية وتعود ملكيتهما لخليجيين) في جرّ البنكين لتسجيل خسائر مالية متتالية، ماسحة بذلك الأرباح التي حققتها الإدارات الأخرى للبنك.
وكان القاسم المشترك بينهما هو إطاحة المساهمين بالمدير التنفيذي للبنك، فضلا عن التحقيق مع الموظفين المسؤولين عن تقديم هذه القروض، وكذلك تخصيص موارد مالية لتدريبهم على إدارة المخاطر.
فقد نفى البنك الإسلامي الآسيوي الذي يمتلك بعض الشركات والعائلات السعودية والخليجية حصصا فيه، صحة ما أوردته وسائل الإعلام العالمية من أن البنك يخطط للخروج من نشاط الإقراض بشكل "كامل" بعد أن أسهم العملاء الخليجيون في تكبيد البنك السنغافوري خسائر قدرها 77.1 مليون دولار في عام 2009، وذلك عقب قيام البنك بإجراء مخصصات للديون المتعثرة التي قد يصعب تحصيلها من عملائه العرب.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
كشفت بيانات مالية لـ''الاقتصادية'' كيف أسهمت إدارة واحدة لبنكين إسلاميين (تحتضنهما القارة الآسيوية وتعود ملكيتهما لخليجيين) ووكيف أسهم المصرفيون المسؤولون عن تقديم القروض الإسلامية للشركات في جرّ البنكين لتسجيل خسائر مالية متتالية، ماسحة بذلك الأرباح التي حققتها الإدارات الأخرى للبنك. وكان القاسم المشترك بينهما هو إطاحة المساهمين بالمدير التنفيذي للبنك، فضلا عن التحقيق مع الموظفين المسؤولين عن تقديم هذه القروض، وكذلك تخصيص موارد مالية لتدريبهم على إدارة المخاطر.
فقد نفى البنك الإسلامي الآسيوي الذي يمتلك بعض الشركات من العائلات السعودية والخليجية حصصا فيه، صحة ما أوردته وسائل الإعلام العالمية من أن البنك يخطط للخروج من نشاط الإقراض بشكل ''كامل'' بعد أن أسهم العملاء الخليجيون في تكبيد البنك السنغافوري خسائر قدرها 77.1 مليون دولار في عام 2009، وذلك عقب قيام البنك بإجراء مخصصات للديون المتعثرة التي قد يصعب تحصيلها من عملائه العرب. وألمحت المتحدثة في تصريحها لـ ''الاقتصادية'' أن خروجهم من محفظة الإقراض سيكون ''جزئيا''، مشددة في الوقت نفسه على أن خطوط الإقراض للشركات الخليجية ستكون على أساس ''اختياري''. وغالبا ما تقصد البنوك بعبارة تمويل على أساس ''اختياري'' أن عملية الإقراض ستكون مقتصرة على الشركات التي تتميز بمتانة ائتمانية عالية وخطورة أقل، مع تقديم الشركة نفسها ضمانات للبنك على شكل أصول لها.
في حين سجل البنك الثاني وهو بيت التمويل الكويتي (في ماليزيا) خسارة صافية قدرها 63.3 مليون رنجيت ماليزي عن الربع الأول المنتهى في 31 آذار (مارس)، مقابل ربح صاف قدره 17.7 مليون رنجيت في الربع الأول من عام 2009، وذلك بسبب تجنيب البنك مخصصات مالية للقروض التي تأكد تعثرها.
إدارة واحدة تفلس
بنكا بأكمله!
قدمت أزمة الائتمان العالمية للصناعة عديدا من المفارقات حول كيفية قيام إدارة واحدة لبنك ما بجعل البنك نفسه يغوص في دائرة الخسائر ومن ثم إعلان إفلاسه أو ترميمه. وخير مثال على ذلك، مصرفيو المشتقات الذين عملوا لدى بنك ليمان براذرز، حيث دفع البنك ثمن عدم تنويعه لموارده المالية وجعلها متركزة على تقديم المشتقات، إلا أن البنك لم يستطع ضمان هذه المشتقات بعد أن تعثرت الأطراف الأخرى. والشيء نفسه من شركة AIG ومنتج عقود التأمين على السندات ضد التعثر CDS، والحال نفسه مع إدارة الرهن العقاري مع بنك نورثون روك البريطاني.
استقالة التنفيذيين
قبل ثلاث سنوات، أطلقت مجموعة دي. بي. إس القابضة و22 مستثمرا من العائلات الخليجية الثرية بنكا إسلاميا جديدا تحت اسم البنك الإسلامي الآسيوي ''آي. بي آسيا'' ومقره سنغافورة.
وقال مسؤولو البنك في ذلك الوقت إن تنوع المساهمين في البنك وقوة تأثيرهم ستوفر عديدا من الفرص للبنك للاستفادة من شبكة علاقاتهم في دول الخليج. ولا يستغرب أن تكون تلك العلاقات التجارية قد لعبت دورا في قضية القروض المتعثرة لعملاء قد يكونون على علاقة وثيقة مع المساهمين الأساسيين.
وكان مصدر قد أخبر وكالة ''رويترز'' في وقت سابق أن مجموعة DBS تخطط، كما أن البنك لم يعين بدلاء للموظفين الذين تركوا العمل، بمن فيهم الرئيس التنفيذي السابق فنس كوك الذي ترك العمل في كانون الأول (ديسمبر). وتركت استقالته عديدا من علامات الاستفهام في ذلك الوقت، إلا أن بعض المصادر ربطت عملية الاستقالة بقضية القروض الخليجية المتعثرة. والحال نفسه مع سلمان يونس، الذي استقال من بيت التمويل الكويتي في مبررات لم يتم ذكرها. وبحسب الأعراف المصرفية، فإن البنوك التي لا تلتزم بالشفافية، تفضل احترام تاريخ من تقلد إدارتها لسنوات عدة، وذلك عبر عدم ذكر الأسباب الجوهرية للاستقالة، إلا أن عملية الاستغراب تنتهي عندما يعلن البنك بعدها بثلاثة أشهر تحقيقه خسائر مالية من جراء الإدارة السابقة.
تقليص الموظفين
تقوم مجموعة DBS التي تعد أكبر بنك للتسليف في منطقة جنوب شرق آسيا بتقليص البنك الإسلامي التابع لها في سنغافورة في دلالة أخرى على الصعوبات التي تواجهها جهود سنغافورة، والرامية لتشجيع الصيرفة الإسلامية هناك.
فقد قام البنك الإسلامي الآسيوي الذي تملك فيه مجموعة DBS حصة تزيد قليلاً على 50 في المائة بنقل عشرة من موظفيه البالغ عددهم 65 شخصاً إلى مجموعة DBS، وأعاد توزيع آخرين منهم وأسند لهم أدواراً جديدة في البنك الإسلامي.
وأضافت الناطقة رداً على استفسارات صحيفة ''الاقتصادية'': ''سيستمر البنك الإسلامي الآسيوي في التركيز على العمليات المصرفية الشاملة، ولكن مع إعطاء الأولوية في التركيز على أنشطة المصرفية الاستثمارية والاستثمار في شركات الأسهم الخاصة''. ''وما زلنا ملتزمين لمنطقتي آسيا والشرق الأوسط، وذلك عبر جعل بنكنا بمنزلة الجسر الخاص بجذب التدفقات النقدية بين الشرق الأوسط و الخليج.
لقد تباطأ انطلاق المصرفية الإسلامية في سنغافورة رغم الدعم الذي قدمه البنك المركزي، ورغم سمعة الدولة كمركز للمصرفية في آسيا.
ومن شأن ازدهار صناعة التمويل الإسلامي أن يكمل مركز سنغافورة كمركز إقليمي للصيرفة، وأن يمكنها من طرق باب المستثمرين الخليجيين الذين لا يستثمر أكثرهم إلا في الأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
التضحية بوكالة التصنيف
وبينما نجحت الشركة الأم في الكويت من العودة إلى الربحية، لا يزال البنك التابع لها بيت التمويل الكويتي (في ماليزيا) يقبع تحت دائرة الأضواء من بين جميع البنوك الأجنبية التي تعمل في عاصمة الصرافة الإسلامية.
حيث قرر بيت التمويل الكويتي (الماليزي) إيقاف خدمات التصنيف التي تقدمها له وكالة رام للتصنيف الائتماني، الأمر الذي جعل مراقبي هذه الصناعة يتكهنون بشأن الدوافع التي حدت بالبنك إلى اتخاذ مثل هذا القرار. وغالبا ما تقوم المؤسسات المالية، التي تتدنى جدارتها الائتمانية، بإيقاف التعامل مع مؤسسات التصنيف كي لا تنحرج مع عملائها التي تطمح بإدارة استثماراتهم. وصرح لصحيفة ''ذا ستار'' محلل يعمل في دار للوساطة يدعمها أحد البنوك المحلية الماليزية بأن أحد أسباب قرار بيت التمويل الكويتي يمكن إرجاعه إلى عدم رضاه عن الطريقة التي تم تصنيفه بها. وقال: ''من ناحية أخرى، يمكن أن يعني القرار أن بيت التمويل الكويتي يريد أن يعيد ترتيب أوضاعه وحل بعض المسائل قبل أن يتم تصنيفه مرة أخرى''.
والسؤال الذي يراود كثيراً من الناس هو: ''ما الذي يجري في بيت التمويل الكويتي؟''، الذي يعد برسملته البالغة 650 مليون دولار أمريكي (ما يعادل 2.13 مليار رنجيت ماليزي) أضخم بنك إسلامي في ماليزيا من حيث رأس المال.
وفي العام الماضي، ألغى بيت التمويل الكويتي استثمارين في مجال التمويل العقاري – هما عملية الشراء الكامل لمبنى تون رزاق بمبلغ 237 مليون رنجيت من مجموعة ماه سنج والاستحواذ الكامل على منارا من شركة YNH العقارية بمبلغ 920 مليون رنجيت، حيث يبدو أن البنك يمر بفترة عصيبة.
وقال مدير إدارة تصنيف المؤسسات المالية في وكالة التصنيف الماليزية، أنانداكومار جيجاراساسنجام: ''حتى لو أصيبت عملياته الماليزية بالضعف، فإن من المرجح أن تستمر الشركة الأم في دعمه. ''وأشار إلى أن الشركة الأم ضخت مبلغ 150 مليون دولار أمريكي في بيت التمويل الكويتي كرأسمال إضافي في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي. وقال أيضاً: ''إن هذا يؤكد عدم تراجع مستوى الدعم المقدم من الشركة الأم لبيت التمويل الكويتي''.
ويبدو أن عدوى المتاعب المالية الخاصة بأنموذج الصيرفة الاستثمارية بدأت تنتقل من الخليج لتصيب بنوكا آسيوية تعود ملكيتها لمستثمري منطقة الخليج العربي.
وفي وقت سابق من هذا الشهر ذكر أن بيت التمويل الكويتي يخطط لتنمية نشاط التجزئة لديه لتشكل نصف موجوداته بحلول عام 2015، وذلك من 4 في المائة فقط حالياً.
ويبحث البنك الاستثماري الذي كان يركز بصورة رئيسة على خدمات المصرفية الاستثمارية (مثل تقديم الخدمات المصرفية للشركات) عن مصادر دخل أكثر استقراراً، كما ذكر على لسان مدير إدارة خدمات التجزئة والخدمات الاستهلاكية المصرفية، عطار صالح. وتتوافق تلك التوجهات مع النمط العام في الخليج من قبل البنوك الاستثمارية التي تطرقت له ''الاقتصادية'' في تقرير سابق موسع لها.
فمن المتعارف عليه أن بنوك التجزئة تعتمد على ودائع عملائها لتمويل محفظة قروضها والاستفادة من الفائدة التي تجنيها من هذه العمليات كربح صاف لها. وعلى العكس من ذلك، يعتمد نموذج الصيرفة الاستثمارية على سوق الجملة Wholesale Market لتمويل عملياته، إلا أن هذه السوق تعتمد على عمليات تجارية مع البنوك وليس الأفراد، ما يعني أن هذه البنوك الاستثمارية معرضة لضغط في سيولتها، مقارنة ببنوك التجزئة.
وبسبب ذلك، تحاول بعض البنوك الاستثمارية في الخليج إنشاء بنوك تجزئة تابعة لها من أجل تخفيض ضغط السيولة، حيث يمكن للبيوت الاستثمارية أن تحول نفسها إلى بنوك للتجزئة تمتلك موارد مستقرة للتمويل، من خلال ودائع العملاء مثلاً يعمل بنك إثمار في الوقت الحالي بصورة نشطة ليحول نفسه إلى أحد بنوك التجزئة من اندماجه مع بنك شامل، وهو بنك التجزئة الإسلامي المملوك له بالكامل. لكن هذه السبيل مفتوحة فقط أمام البنوك التي تسهم في ملكية بنوك التجزئة، على اعتبار أن البنوك الأخرى لا يرجح لها أن تجمع الأموال اللازمة لعمليات الاستحواذ أو إنشاء بنوك تجزئة جديدة في سوق تنافسية.وقال في حينها جون ساندويك، مستشار إدارة الأصول والثروات الإسلامية في شركة John A Sandwickإن المصرفية الاستثمارية الإسلامية ستتعلم بشكل قاس درس إدارة مخاطرها، حيث يقول: ''الفن الحقيقي للأعمال المصرفية هو إدارة المخاطر. وتشتمل إدارة المخاطر على فهم جميع السيناريوهات، والاستعداد لها، ومن الواضح أن البنوك الاستثمارية الإسلامية الكبيرة أُخِذت على حين غرة، بعد أن جف منها المال، في وقت لم تعد تجد فيه مكاناً لاقتراض أموال إضافية''.