عرض مشاركة واحدة
قديم 08-17-2010   رقم المشاركة : ( 7 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي Re: الاخبار الاقتصادية ليوم الثلاثاء 07/09/1431 هـ 17 أغسطس 2010 م

التاريخ المالي ودروسه المضللة



بول سيبرايت
إذا كان التاريخ يعاقب أولئك الذين يفشلون في التعلم منه، فإن التاريخ المالي يضفي على عقابه صبغة سادية ـــ وهو أيضاً يعاقب أولئك الذين يتعلمون منه بقدر أعظم مما ينبغي من الحماس. فقد عكست الأزمات المالية نقاط الضعف التي تعيب الأجهزة التنظيمية التي تأسست على الدروس المستفادة من الأزمات السابقة, وأزمة اليوم ليست استثناءً, ولن تكون الأزمة المقبلة استثناء.
لقد تأسس نظام القواعد المالية التنظيمية في مرحلة ما بعد الحرب على ثلاثة دروس مفترضة من أزمة ثلاثينيات القرن الـ 30. فقد تصورناً أولاً أن السبب الرئيس وراء فشل البنوك هو إصابة المودعين بالذعر، وليس أن السبب الرئيس وراء إصابة المودعين بالذعر هو أن البنوك كانت معرضة لخطر الفشل.
ومثل وجهة النظر القائلة إن محاولة الفرار من الأسود تستفز إصرارها على التهامك، فهناك مسحة من الصدق في وجهة النظر القائلة إن البنوك تفشل لأن المودعين يصابون بالذعر, لكنها مسحة ضئيلة، وإنه لمن الحماقة وقِلة الفطنة أن ننصح المودع المتوسط غير المؤمن عليه بالاعتماد عليها, فالحق أن نشوء عديد من نوبات الذعر يرجع إلى أسباب وجيهة. حتى في ثلاثينيات القرن الـ 20، كان فشل أغلبية البنوك راجعاً إلى سوء الإدارة ومزاولة أنشطة غير مشروعة، كما هي الحال اليوم.
وثانيا، تصورنا أن المودعين الميالين إلى الاستسلام للذعر هم دوماً من بين صغار المودعين ـــ الأسر والشركات الصغيرة ـــ وليس المؤسسات الكبيرة أو المستثمرين المحترفين. والآن أصبحنا ندرك أنها هذا التصور خاطئ، لكن لم يكن هناك أي سبب وجيه يجعلنا نصدقه.
فإذا كانت الشركات والمؤسسات الكبرى (والبنوك الأخرى) لديها ودائع تعتقد أنها قادرة على المطالبة بها في غضون فترة قصيرة، وإذا كانت تدرك أن مثل هذه الودائع من غير الممكن أن تُسحَب في الوقت نفسه، فإن مجرد الشك في احتمال فشل البنك يمنحها سبباً وجيهاً للاندفاع إلى الخروج كما فعلت الأسر. وإذا كان فشل البنوك يعكس عادة وجود مشكلات أساسية حقيقية، فمن المتوقع أن يتحرك المستثمرون المحترفون الحساسون بسرعة إذا استشعروا أقل نفحة من الذعر في الهواء.
لقد سجل الإقراض بين البنوك، وكذلك ودائع الشركات والمؤسسات الضخمة، زيادة مذهلة في السنوات التي سبقت الأزمة. ويصدق هذا بشكل خاص على أسواق إعادة الشراء، التي تقدم الخدمات الموازية للمستثمرين المحترفين ـــ البنوك والمؤسسات الضخمة ـــ التي توفرها الودائع المصرفية العادية للأفراد والشركات الصغيرة.
قبل الإصلاحات المالية التي تم تبنيها منذ الأزمة، كان النظام المصرفي ''الظلي'' يعمل خارج القواعد التنظيمية التي تم تطبيقها على البنوك التقليدية المستقبلة للودائع. والواقع أن العمل المصرفي الظلي ما كان ليشهد مثل هذا النمو السريع لو لم يكن النظام مصمماً بما يتفق مع الدروس الظاهرية المستفادة من أزمة الثلاثينيات. لكن فشل نظام الظل بعد انهيار ''ليمان براذرز'' لم يكن أقل عكساً لتكالب المودعين لاسترداد ودائعهم لمجرد مشاركة المستثمرين المحترفين في الأمر. ففي هذه الحالة، وعلى النقيض مما حدث في الثلاثينيات، توقفت البنوك عن الثقة ببعضها بعضا قبل أن يدرك بقيتنا أن الوقت قد حان للكف عن الثقة بالبنوك.
أما الدرس المضلل الثالث فهو أننا إذا تمكنا فقط من الحفاظ على الثقة بالنظام المالي (وبالتالي النظام الاقتصادي بالكامل)، فقد يكون بوسعنا أن نثق بقدرة النظام ذاته على البقاء والازدهار. ولقد أدى هذا إلى حالة من الانزعاج الحقيقي بين المشرعين كلما لاح أي تهديد للثقة في الأفق (كما حدث حين انفجرت فقاعة الإنترنت في نهاية التسعينيات). بيد أن فقاعة الإنترنت لم تكن تمثل تهديداً للنظام المصرفي، بل كان تهديدها موجهاً للطلب الكلي. لكن قِلة من الناس وجدوا في أنفسهم الجرأة الكافية لطرح أسئلة صعبة حين استعادت الثقة قوتها مرة أخرى، كما حدث حين تضخمت فقاعة الإسكان على أنقاض أسهم التكنولوجيا المنهارة. والواقع أن الفكرة القائلة إن ما قد يصلح لتعزيز الثقة ربما يؤدي إلى تهديد النظام المصرفي كانت أغرب من أن تكون قابلة للتصديق. وكان الدرس المستخلص أن تدابير بناء الثقة نجحت في تفادي الانهيار عام 2000، هو على وجه التحديد الدرس الذي كان ينبغي للنظام المالي أن يستخلصه.
لكن لماذا استهوتنا جميعاً فكرة مفادها أننا قادرون على جعل أنفسنا أكثر ثراء بشكل جماعي من خلال بيع كل منا للآخرين أوراقا مالية ومساكن مبالغ في تقدير قيمتها؟ لا بد أننا كنا نعاني طيشا جماعيا، لكن هذا ليس بالتفسير الوافي. إذ يتعين علينا أن نعرف لماذا تتمكن بعض أشكال الطيش الجماعي من إحكام قبضتها علينا أكثر من غيرها.
يأتي أحد الدلائل المقنعة في هذا السياق من بحث في علم الأعصاب يفسر لنا لماذا يستحيل على المرء أن يدغدغ نفسه. إذ يبدو أن الدغدغة تنتج عن استثارة أحاسيس غير متوقعة على مناطق معينة من البشرة. ولأن مخ الشخص الذي يحاول دغدغة نفسه يتوقع الأحاسيس التي ستحدثها أصابعه ـــ وهي العملية التي تتم داخل المخيخ ـــ فإن هذه الأحاسيس تصبح غير قادرة على إحداث الدغدغة.
لكن المرء يستطيع رغم ذلك أن ينجح في دغدغة نفسه باستخدام وسيط ـــ على سبيل المثال ـــ آلة تترجم حركات أصابعك إلى أحاسيس على البشرة بطريقة غير مباشرة بالقدر الكافي لجعل المخيخ عاجزاً عن توقعها. ورغم أن الجزء الواعي من مخك يعرف أن إحساس الدغدغة آت منك وأنه ليس غير متوقع ''حقاً'' فإن المخيخ لا يدرك ذلك، وبالتالي تنجح عملية الدغدغة.
إن دغدغتك نفسك أمر عديم الجدوى، تماماً كمحاولتك جعل نفسك أكثر ثراءً من خلال تحرير شيك لنفسك ـــ أو ببيع بيتك لنفسك بضعف سعره الحالي في السوق. ولن يكون الأمر أفضل كثيراً إذا تبادلت أنت وأحد أصدقائك الشيكات أو باع كل منكما للآخر بيته.
ولقد نجحنا لبضعة أعوام في الالتفاف حول ذلك الجزء من أدمغتنا الذي ينبئنا بأننا لا نستطيع أن ندغدغ أنفسنا لاكتساب قدر أعظم من الثروة. ولعل المواطنين العاديين كانوا يدركون دوماً أنهم حين يبيعون المساكن سعياً إلى تحقيق مكاسب حقيقية، فإنهم في نهاية المطاف كانوا يربحون على حساب أشخاص آخرين. وكان خبراء الاقتصاد وحدهم ـــ الذين استوعبوا دروس الأزمة السابقة ـــ هم الذين سقطوا في فخ تصور مفاده أن لا أحد قد يخسر.
ويبدو أن المشرعين اليوم يعتقدون بناء على دروس الثلاثينيات أن خلق الثقة يختلف على نحو ما عن خلق الأسباب الوجيهة الدافعة إلى الثقة. وكانت ''اختبارات الإجهاد'' التي أخضِعَت لها البنوك الأوروبية أخيرا مصممة بوضوح كإجراء لبناء الثقة وليس للاستكشاف الحقيقي لنقاط الضعف الشاملة المحتملة ــــ العجز عن وضع احتمال تخلف اليونان عن سداد ديونها السيادية في الحسبان ـــ على سبيل المثال.
وهذا بالطبع أشبه باختبار كفاءة طفايات الحريق في منزلك في التعامل مع لصوص المنازل. فالنتائج الإيجابية لن تقنع إلا هؤلاء الذين استوعبوا دروس الثلاثينيات ــ ثم فشلوا في نسيان هذه الدروس.
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس