الذهب يحوم قرب مستوياته القياسية عند 1253 دولاراً للأوقية
موسم الأعاصير وارتفاع البطالة وضعف أداء الاقتصاد العالمي تعيد النفط إلى مستوى 74 دولاراً
افتتاح أسعار ناميكس ليوم أمس
الرياض – عقيل العنزي
تناغمت عدد من العوامل الاقتصادية والمناخية أمس الجمعة لتزيد من الضغوط على مسار أسعار النفط وتجبر أسعار الوقود الاحفوري على تسجيل ثالث تراجع أسبوعي في أربعة أسابيع لتعيدها إلى مستوى 74 دولارا للبرميل لخام ناميكس القياسي، رغم أن مشاعر التفاؤل كانت تلف المتعاملين بتجارة عقود النفط بأن تنتعش الأسعار لتصل إلى مستويات 80 دولارا للبرميل خلال الربع الثالث من هذا العام.
فقد أدى تشكل عدد من الأعاصير التي تتأهب لضرب مناطق في الولايات المتحدة الأمريكية لتشل من حركة السفر وربما تفضي إلى تعطل المصافي وتراجع الطلب على الوقود في عطلة يوم العمال نتيجة إلى الإحجام عن السفر وتقليل الحركة المرورية تفاديا للأضرار، إلى هبوط خام ناميكس في مستهل التعاملات الصباحية إلى 74.89 دولارا للبرميل.
وبما أن إعصار "ايرل" لا يمر في مسار على منشآت إنتاج النفط الخام في خليج المكسيك فقد رأى المحللون أن إنتاج الخام سيفوق حاجة المصافي وبالتالي سيكون هناك فائض في النفط الخام ما يدفع أسعار الخام إلى الانخفاض، غير أن ارتفاع المواد البترولية المكررة قد يشهد ارتفاعا في غضون الأيام القليلة القادمة في حالة توقف بعض المصافي.
وأذكى ارتفاع معدلات البطالة بنسبة 1.5% خلال شهر أغسطس الماضي المخاوف من عودة الاقتصاد العالمي إلى الركود وتفاقم المشكلة الصحية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي اثر الأزمة المالية التي تعصف بأركانه منذ عام 2008م، وعلى الرغم من تنامي أداء القطاع الصناعي في الولايات المتحدة والصين بنسبة ضئيلة خلال الأسبوع الماضي إلا أنه لم يصاحبه تحسن في أداء القطاعات الأخرى.
وظلت معدلات البطالة وحركة بيع العقارات والمساكن في الدول الكبرى هي المؤشر الذي يستدل به على مدى انتعاش الاقتصاد العالمي والمحرك الحقيقي لأسواق الأسهم وأسعار السلع الأساسية، وطفق المستثمرون في عقود النفط يستندون على هذا المؤشر في صفقاتهم فيما يلجأون إلى المتاجرة بالذهب في كثير من الأحيان كملاذ آمن عند تذبذب الأسعار للاحتماء من الخسائر التي قد يتعرضون لها نتيجة إلى تأرجح الأسعار المستقبلية للنفط. وجاء تقهقر الطلب على النفط من الأسواق الآسيوية وخاصة من الصين واليابان خلال الشهر الماضي كداعم للمسار النازل الذي سلكته أسعار النفط منذ عدة أسابيع مع أن كثيرا من المراقبين يرون أن هذا المسار قد ينعكس ابتداء من الأسبوع القادم ليتخذ المسار الصاعد، بيد أنه من غير المتوقع أن يتخطى النفط مستوى 80 دولارا حتى نهاية العام الحالي في حالة استمر أداء الاقتصاد العالمي في التذبذب.
بقاء النفط في مستويات ما بين 70 – 80 دولارا للبرميل يبعث الارتياح لدى الدول المنتجة للنفط لا سيما دول الأوبك التي ترى بأن هذه المعدلات السعرية تحقق لها الربحية وتدعم نمو الاقتصاد العالمي حيث أنها لا تضر بالدول المستهلكة التي تعتقد بأنها شريك لها بالتنمية ودون انتعاش مرافقها الصناعية فان تجارة النفط لن تتنامى ولن تتوسع الصناعات البترولية والبتروكيماوية.
ودفع تراجع أسعار البترول خلال الأسابيع الماضية المستثمرين إلى المتاجرة بالذهب الذي يسجل تناميا في أسعاره حتى بلغ رقما قياسيا عند 1271 دولارا للأوقية وظل يحوم عند هذا المعدل السعري متعززا بالإقبال الذي يشهده من المستثمرين اللائذين به من تذبذب أسعار النفط.
لا أحد يطالب بخفض إنتاج البترول (لكن لا ضرر ولا ضرار)
د. أنور أبو العلا*
يجب أن نعرف الفرق بين المطالبة بخفض انتاج البترول من أجل رفع سعر البترول فوق سعر توازن سوق البترول (وهذا - على حد علمي - لم يطالب به أحد) وبين المطالبة بزيادة انتاج البترول من اجل خفض سعر البترول الى اقل من سعر توازن سوق البترول (وهذا هو الذي يطالب به الذين لم يستوعبوا مفهوم النضوب) بحجة أن خفض السعر سيعيق - أو سيصرف نظر - العالم من تطوير مصادر الطاقة البديلة فيزداد الطلب على البترول وبالتالي سيجد أبناؤنا من يشتري منهم البترول.
هذه الفكرة التي تطالب بزيادة انتاج البترول حتى لا يسعى العالم الى تطوير البدائل ويستغني عن البترول فكرة قاصرة لأنها تتصور أن المفكرين (أو الخبراء المستشارين لدى متخذي القرار) في العالم مغفلون ولا يعرفون أن البترول مصدر ناضب وأن زيادة انتاج البترول تؤدي الى اقتراب ساعة نضوب البترول وهذا يحرّضهم على التوصية بالاسراع في تبني سياسات ايجاد البدايل.
الذي يرعب العقلاء والمفكرين والمخطّطين الاستراتيجيين - في شتى أنحاء العالم - ليس ارتفاع أسعار البترول بقدر ما يرعبهم أن يعجز العرض (لأسباب جيولوجية فوق ارادة الانسان) عن تلبية الطلب المتزايد على البترول. ولذا يطالبون بايجاد بدايل للبترول - قبل حدوث الطّامّة - و لن يتخلوا عن المطالبة بتطوير البدايل حتى لو وزعت اوبك بترولها بالمجان.
من ناحية ثانية - خبّروني بربكم - كيف نخشى ان يأتي يوم لن يجد ابناؤنا من يشتري منهم البترول اذا نحن استنزفناه الآن ولم نترك لهم بترولا تحت الأرض يبيعونه في المستقبل (أليس هذا أعجب العجايب). انها حكاية - وربّي - أشبه بحكاية الزوجة الطماعة التي أصرّت على زوجها النيّاتي (بلاش نقول مغفل) أن يذبح الدجاجة الوحيدة التي تبيض لهما ذهبا حتى تحصل هي على كل الذهب (أو الكنز) الموجود في بطن الدجاجة دفعة واحدة بحجة أن اليابان ستخترع ريبوتا (أي دجاجة بديلة) تبيض بيضا من الذهب فيستغني العالم عن شراء بيض دجاجتهما ولايجد ابناؤهما من يشتري منهم البيض.
الخوف على البترول ليس من استغناء العالم عن البترول ولكن الخوف من جهل - وجشع - الجيل الحالي في اشباع نزواته بتبديد نصيب الأجيال القادمة واختراع المبرّرات التي تبيح له الاستيلاء على نصيبهم من ثروة ناضبة. أليس منتهى التناقض أن يقول البعض بحسن نية بالنص "أن الاحتفاظ بالنفط للأجيال القادمة يتطلب الحفاظ على الطلب عليه" في الوقت الذي ينادي بزيادة الانتاج لمجرد الحيلولة دون ارتفاع الأسعار فما فائدة بقاء الطلب على البترول اذا جفّت الآبار ولم نترك لأبنائنا شيئا يبيعونه.
البترول هو معجزة العصر الحديث. فهو بالنسبة للمستهلكين بمثابة الروح لحضارتهم، وبالنسبة للمنتجين بمثابة رغيف العيش الذي يعيشون عليه. فكلاهما - سواء من المستهلكين أو المنتجين - لايستطيعون الاستغناء عن البترول. ولكن المشكلة أن البترول مورد ناضب فكل برميل يخرج من تحت الأرض سيفقده العالم الى الأبد ولا يمكن رجوعه اليها. ولذا فان ترشيد استخدام البترول والمحافظة عليه وتطوير البدائل تدريجيا في صالحهما معا ويتطلب التعاون بينهما ومساعدة كل منهما الآخر.
جميع المنتجين الكبار (على رأسهم المملكة) وجميع المستهلكين الكبار (امريكا واروبا والصين واليابان) يعرفون أن التعاون بين المنتجين والمستهلكين تفرضه مصالحهم المشتركة وأن سلامة الاقتصاد العالمي ورفاهية الانسان يتطلب عدم تسبب طرف في ضرر الطرف الاخر وأكثر مايتجلى هذا المبدأ الانساني النبيل هو انشاء أمانة منتدى الطاقة الدولي في الرياض عام 2000 بجهود شخصية وبعد نظر خادم الحرمين الشريفين.
الخلاصة بالتأكيد أن سلامة وازدهار ونمو اقتصاديات الدول المستهلكة هو في صالح الدول المنتجة ولكن ماذنب الدول المنتجة وماذا تستطيع أن تفعل اذا كان توازن سوق البترول يتطلب رفع الأسعار وأنه ليس لديها مايكفي لتلبية الطلب المتزايد على البترول.
عمود الأسبوع القادم - إن شاء الله - سيكون بعنوان: العوامل الجيولوجية تحدّد إنتاج البترول وليس الإنسان.
* رئيس مركز اقتصاديات البترول
" مركز غير هادف للربح"