الأزمة المصرفية في منطقة اليورو باقية دون حل
فولفجانج مونشو
بعد عامين من سقوط بنك ليمان براذرز واتفاق الحكومات الأوروبية على عملية إنقاذ ضخمة للبنوك، ما زال القطاع المصرفي في منطقة اليورو هشاً. فكما رأينا في الأسابيع الأخيرة، القطاع المصرفي الإيرلندي غير مليء، وهناك أسئلة بشأن قدرة الدولة الإيرلندية على امتصاص تلك الخسائر. وفي الأسبوع الماضي أثار يورجين ستارك، المسؤول عن قسم السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي، أسئلة حول ملاءة القطاع المصرفي الألماني.
وأينما نظرت تجد أن عامين مضيا ولم يتم حل أي شيء. كان هناك قدر كبير من النشاط ـــ عمليات إنقاذ وبنوك متعثرة ـــ لكن من دون أي حل. وكان واضحاً على الدوام أن أسلوب الانتظار والمشاهدة هذا ستكون له نتائج عكسية في النهاية. ولعل ذلك بدأ يحدث بالفعل. بعد انهيار ''ليمان'' تبنت المؤسسة الأوروبية استراتيجية مزدوجة ـــ إذا أردت أن تدعوها كذلك. ففي المدى القصير ألقت بالأموال على المشكلة من خلال ضمانات القروض وتقديم السيولة بسخاء، وبلغ ذلك ذروته في تقديم تسهيلات إنقاذ ضخمة للدول ذات السيادة.
أما استراتيجية المدى الطويل فتمثلت بالدعاء بحدوث تعاف قوي على شكل حرف V. وطالما وضعت افتراضات متفائلة بما فيه الكفاية بشأن نمو الدخل في المستقبل، فإنك تستطيع سداد أي مبلغ من الدين. فإذا افترضت أن اليونان بعد الإصلاحات ستتحول بمعجزة إلى نمر إيجابي، أو إذا تمكنت إيرلندا من توليد فقاعة أخرى في أسعار المساكن، فلن يكون معدل المديونية الحالي مشكلة كبيرة.
الأمر كله يعتمد على افتراضاتك بشأن النمو.
لقد بدا في الصيف كما لو أن هذه الاستراتيجية ستنجح لأن البيانات الاقتصادية جاءت أفضل مما كان متوقعاً. لقد كان ذلك آنئذ. وكما رأينا في الأسبوع الماضي، فقد منيت هذه الاستراتيجية بفشل ذريع في إيرلندا.
لقد قللت الحكومة الإيرلندية كثيراً من شأن حجم المشكلة في قطاعها المصرفي. ووفقاً لحساباتي السريعة، تكلفة إنقاذ القطاع المالي ربما تتجاوز 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، هذا إذا وضعت افتراضات واقعية بشأن عمليات شطب الديون المعدمة وطبقت منحنى محافظاً للنمو الاقتصادي في المستقبل. إننا نعرف من التاريخ الاقتصادي أن البلدان تدخل في مراحل طويلة من الركود بعد تعرضها لأزمة مالية.
وقد عانت إيرلندا من أزمة شديدة. وفي ضوء ما نعرفه، فإن الافتراض السليم الذي يمكن وضعه بالنسبة إلى إيرلندا ـــ واليونان ـــ هو أنه لن يكون هناك قدر كبير من النمو الاسمي في السنوات الخمس المقبلة. إذا وضعت هذا الافتراض، أدركت أن من شبه المؤكد أن اليونان لن تكون في مركز يمكنها من سداد ديونها. وفي حين أن وضع إيرلندا أفضل قليلاً، فإن هناك شكوكاً مبررة بشأن ملاءة البلد في المدى الطويل. إن إيرلندا واليونان ليسا البلدين الوحيدين في منطقة اليورو الواقعين في مشاكل كامنة. فالبرتغال واقعة في مأزق مشابه لمأزق إيرلندا.
وإذا لم تجد إسبانيا طريقة لتحقيق زيادة مستدامة في الإنتاجية، فقد ينفجر الوضع فيها كذلك.
وربما لا تكون بلجيكا على شاشة الرادار بالنسبة لكثير من المستثمرين، لكن الأزمة السياسية التي يمر بها البلد تثير عدداً من الأسئلة المزعجة بشأن ملاءته الأساسية المسلم بها حتى الآن. إنك لست في حاجة لوضع توقعات نمو كئيبة كي تتوصل إلى تقييم متشائم للملاءة الأساسية.
من المحتمل ألا تتعرض منطقة اليورو لركود مزدوج. ومع ذلك، فإن تباطؤاً اقتصادياً عالمياً مستداماً، وهو ما يمكن أن نكون قد شاهدنا بدايته للتو، هو كل ما يلزم لإخراج استراتيجية عدم فعل أي شيء عن مسارها. وفي غياب نمو قوي لن يكون القطاع المصرفي الأوروبي قادراً على توليد الأرباح الزائدة التي تقوم الحاجة إليها من أجل شطب الأصول المعدمة.
ما زالت ألمانيا بشكل خاص تحت وهم أنها تستطيع أن تولد نمواً قوياً ومستداماً لفترة طويلة. لقد كانت البيانات الأخيرة مثيرة للإعجاب، لكن البيانات الاقتصادية تميل إلى التذبذب. وأجد من الصعب الاعتقاد بأن الأداء الذي تحقق في الآونة الأخيرة قابل للاستمرار، رغم أنني أتوقع بالفعل أن يتفوق أداء ألمانيا على متوسط أداء منطقة اليورو بسبب انخفاض سعر الصرف الحقيقي.
إن الدولة الألمانية ليست في خطر فيما يتعلق بالملاءة، لكن عافية قطاعها المصرفي حساسة تجاه مختلف الافتراضات الخاصة بالنمو. وأعتبر القطاع المصرفي الألماني، إذا أخذ ككل، معسراً إذا طبقت التعريف الأكثر صرامة لرأس المال ـــ رأس المال المساهم به والأرباح المستبقاة.
ومن المفترض أن تولي قواعد الكفاية الرأسمالية الجديدة لمعاهدة بازل الثالثة عنايتها لمشكلة الفئات المراوغة لرأس المال الأساسي. وقد كتبتُ هذا قبل إبرام اتفاقية يوم الأحد في مدينة بازل.
ورغم أنه تم التوصل إلى اتفاقية، فإن تنفيذ أية لوائح سيستغرق سنوات. وخلال هذه الفترة لن يكون هناك أي حل للأزمة. في إيرلندا، يمكن أن يتألف علاج المشكلة من تأميم البنوك الإيرلندية وإلغاء حملة سنداتها من خلال تحويل السندات إلى أسهم. وفي ألمانيا يمكن أن يتألف الإصلاح من إعادة رسملة القطاع المصرفي ـــ وهي طريقة مهذبة للتعبير عن إغلاق، أو دمج كثير من بنوك الجملة وبنوك الادخار. لقد كان ستارك مصيباً تماماً. فالنظام لم يعد يعمل. بعد مضي عامين على انهيار بنك ليمان، ما زالت هشاشة القطاع المصرفي الأوروبي مشكلة.
وإنني أراهن على أننا سنظل نتحدث عنها لمدة خمسة أعوام. وهذا بدوره يعني أن الأزمة المالية ستستمر وتتواصل، على الأقل في منطقة اليورو.