يتساءل كثير من الناس عن معنى "زواج المسيار" من حيث طبيعته وماهيته، والحكم الشرعي حوله، إذ يحدث في بعض المجتمعات أن تطلب الفتاة من الرجل، أن يتزوجها، لكن من دون أن يتحمل أعباء وتكاليف الزواج، فتتنازل بذلك عن بعض حقوقها مثل المهر أو النفقة أو السكنى أو عنها جميعاً، مقابل قدوم الزوج إلى بيت الزوجة لقضاء الوطر، تحت طلب الزوجة، وفي بيت أهلها غالباً، وقد تعد المرأة الرجل إن تم الزواج بالنفقة عليه، ولا يضير المرأة في مثل هذا الزواج إن كان الرجل متزوجاً قبلها من أخرى، ولديه أبناء. هذا الزواج الذي يكون بلا مهر ولا نفقة ولا سكنى، أو بلا واحدة منها على الأقل، ما حكمه في شرع محمد صلى الله عليه وسلم؟
أولاً: ماهية زواج المسيار. هو زواج شرعي مكتمل الأركان والشروط موثق بالمحكمة الشرعية، تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها أو عنها جميعاً، مثل: المهر أو النفقة أو السكنى.
ويلاحظ أن هذا الزواج شرعي بكل معنى الكلمة، فالولي للفتاة موجود، وكذا شهود العدل حضور، وهذا مطابق لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"، وهو إضافة إلى ذلك موثق في المحكمة الشرعية، وأما مسألة تنازل الزوجة عن بعض حقوقها، فهو يرجع لمسألة أن من حق الإنسان أن يتنازل عما يملك، من دون كراهية وضغط.
وقبل بيان الحكم الشرعي لزواج المسيار، لا بد من تناول دوافعه وما يميزه عن غيره من أنواع الزواج.
ثانياً: الدوافع الرئيسية لزواج المسيار. أهمها:
1- دخول الفتاة مرحلة العنوسة، فالفتاة بعد سن العنوسة لا تمانع في الزواج من رجل متزوج ولديه أطفال، وذلك لأنها ترغب بالولد.
2- ثراء بعض فئات المجتمع، وبخاصة حين تتمتع بعض الفتيات بهذا الثراء، ما يجعل الزواج بها مرغوباً، ويدفعها من ثم لطلب الزواج ممن تراه أهلاً لها من الرجال، بنفسها، إن خافت أن يفوتها قطاره، من دون أن تستشعر حرجاً في ذلك.
ثالثاً: الفروقات بين زواج المسيار وغيره من أنواع الزواج:
1- الزواج العرفي: هناك صورتان للزواج العرفي في مجتمعاتنا العربية، إحداهما مباحة صحيحة، والأخرى ممنوعة محرمة. أما المباحة فهي أن يقع الزواج بوجود الولي والشهود، لكن لا يوثق بالمحكمة الشرعية. فالحقوق هنا محفوظة بسبب وجود الولي، واستفاضة الشهود، لقوله صلى الله عليه وسلم "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل". ولأن اشتراط الولي إن لم يكن واجباً فهو مستحب مرغوب فيه. فيما أن الصورة الممنوعة تتمثل في أن يتفق الشاب والفتاة على الارتباط ببعضهما، من دون وجود الولي أو الشهود، وطبعاً لا يوثق هذا الزواج في المحكمة الشرعية، وغالباً ما يقع هذا الزواج نتيجة جهل الفتاة وقلة الوازع الديني عند الطرفين، وانصراف الأهل عن المراقبة غير المباشرة، ما يدفع الشاب للتصرف كأنه ذئب بشري، همّه أن يفترس ضحيته في أسرع وقت، بورقة خارجية سرعان ما يمزقها بعد قضاء الوطر، فهي غير معترف بها قانونياً، ما يجعل حقوق الفتاة تذهب أدراج الرياح، فلا يكون عندها زوج ولا إثبات نسب للأطفال إن وجدوا.
2- الزواج بنية الطلاق: وهو زواج شرعي تام الأركان والشروط، موثق بالمحكمة الشرعية، لكن الزوج يضمر فيه (وهي مسألة قلبية غير ظاهرة) طلاق زوجته بعد مدة معينة، من دون علمها، إذ لو كانت تعلم، لما قبلت الزواج. هذا الزواج محرم شرعاً على الزوج، ولا إثم فيه على الزوجة أبداً لعدم علمها. على أن من الممكن أن تكون النية مضمرة من قبل الزوجة أيضاً.
3- زواج المتعة: وفيه يتزوج الرجل من المرأة لمدة معينة، مقابل مبلغ محدد مسبقاً، وهذا حكمه التحريم، لأنه مخالف لمقاصد الزواج بالتأقيت، فعقد الزواج لا يجوز فيه التأقيت أبداً، فيكون هذا الزواج بمثابة زنا مقنع.
لقد حرم الشرع الإسلامي كل ما يلحق ضرراً بالذكر أو الأنثى أو حتى بالطفل الذي لم يولد بعد، لأن الهدف من الحكم الشرعي هو إقامة الحياة السوية للبشر من دون تكلف أو عسر، ومن ذلك تحريمه الزواج العرفي والزواج بنية الطلاق وزواج المتعة، لأنها جميعا حيلة لممارسة الحرام، تمنع الاستقرار الأسري المطلوب، ولا تتيح بالتناسل الطبيعي.
أما حكم زواج المسيار، فهو أن بعض الفقهاء منعوه، لكن الأكثرية قالوا بجوازه، ولكن بشروط منها:
1- أن لا يكون المسيار هو الزواج الأول للرجل، كي لا يُتخذ طريقاً للزنا.
2- أن تكون الفتاة دخلت سن العنوسة، أما ما قبل ذلك فلا يجوز.
3- أن يوثق الزواج في المحكمة الشرعية، وبحضور الولي والشاهدين.
هذا والله اعلم