معادلة السكن هل يحلها قرار مجلس الوزراء: قرض من دون أرض؟
م. حمد اللحيدان
في الأسبوع الماضي أقرّ مجلس الوزراء بعض القرارات المهمة التي تخص صندوق التنمية العقاري, وكنت قد تناولت في المقال السابق الحديث عن الصندوق, وبينت أنه لا بد من أن تكون هناك مراجعة وتقييم للصندوق وقروضه حتى يستفيد المواطن منها بالشكل الذي يحصل معه على سكن له ولعائلته. قد كان من أهم تلك القرارات عدم اشتراط إرفاق صك الأرض حال تقديم الأوراق للصندوق لاستكمال إجراءات القرض المقدم للسكن، ما يعني أن القرار سيمكن الأفراد من الحصول على القرض دون الحاجة إلى ما كان يتم في أطراف المدن من شراء صوري للأراضي وإصدار صكوك تنتهي بعد التقديم على الصندوق.
لكن هل يمكن لنا أن نتعرف على المعادلة التي تنتظر الأفراد حال تقديمهم أوراقهم للصندوق لأن ذلك يمكننا من أن نتعرف على ما يمكن أن يحدثه هذا القرار من أثر. إن قيمة القرض هي تساوي 300 ألف ريال (ولعلنا نؤجل النقاش عن كفايتها أو عدم كفايتها إلى آخر المقال). وضع العائلة حال التقديم: في الغالب أنها تكون من فردين: الزوج والزوجة. وبعد القرار: لا حاجة إلى أرض. وفي مثل هذه الحالة تصبح المعادلة سهلة الحل وقد يتمكن الكثير من الحصول على السكن ولو يكون شقة سكنية بدلا من إقراض مبلغ آخر للأرض والبناء على مساحة أكبر وبشكل منفصل.
لكن المعادلة هي ليست كذلك قط, إذ إن القرض يأتي بعد أكثر من عقدين من الزمن, ما يعني أن العائلة التي تمكنت من الحصول على القرض لا يناسبها ألبتة شقة سكنية صغيرة، لذا تود لو أن يكون سكنها في مسكن منفصل ويتسع أفراد العائلة, وبيت العمر, كما يقال، إذ هي الآن أكثر من خمسة أفراد إذا ما حسبنا معدل الأسرة السعودية وربما تنتظر زواج الأبناء والبنات، لذا فإن المعادلة تحتاج إلى أن تتدخل معها الهيئة العامة للإسكان التي عهد إليها حل تلك المشكلة, وذلك من ناحيتين:
الأولى: المدة الزمنية التي ينتظر فيها الأفراد للحصول على مسكن, وهي مدة طويلة جدا تمتد أكثر من 20 سنة فكيف يمكن للهيئة أن تردم هذه الهوة وتجعل التقديم لا يتجاوز أشهرا بدل تلك السنوات الطوال؟ ولو حسبنا معدل الإيجار هذه المدة لوجدنا أنها أكثر من 400 ألف ريال, وهو أكثر من مبلغ القرض 300 ألف ريال، الذي سيحصل عليه, ما يحدث معه خلل في معادلة المسكن ــ كما أسلفت ــ إذ لو حصل الأفراد الذين تزوجوا للتو على هذا المبلغ لربما كان حلا سريعا لنسبة كبيرة من المتقدمين على الصندوق وكانت مبالغ الإيجارات بالنسبة لهم رصيدا إضافيا وربما تتفتق عن ذلك ومعها حلول لو أضيف إليها هذا المبلغ للقرض.
والناحية الأخرى أن ننظر إلى التجارب التي تتم هنا وهناك لحل هذه المعادلة التي أرقت القيادة العليا وأتعبت الناس في البناء في أحياء تفتقر إلى أرصفة وتصريف سيول وصرف صحي وخدمات هاتف وكهرباء وتباع بأغلى الأثمان, وتلك الخدمات تأتي تباعا لتجعل من الأحياء حقل تجارب كل يوم يتم حفر الشارع من شركة ومؤسسة تأسف أن أزعجت السكان ويستمر هذا العمل طوال 20 سنة، وهو شيء مشاهد في كل أحيائنا الجديدة، مع أن هناك تجارب انتفت منها كل هذه المشكلات كتجربة حي الجزيرة في الرياض, الذي تم تطويره من قبل وزارة الأشغال العامة والإسكان سابقا وإعطاء الأفراد تلك الأراضي المطورة للبناء عليها وحسم قيمة زهيدة من القرض تقدر بـ 50 ألف ريال, وهي تجربة يمكن أن تتكرر في أطراف المدن وتعطي الأفراد إمكانية بناء مسكن بشكل سريع, وإن كان الخيار الأفضل هو إنشاء مساكن على غرار الإسكان الذي تم في المدن الرئيسية وتوزيعها على المتقدمين للقروض السكنية.
إن المعادلة التي تواجه الأفراد اليوم معادلة في غاية الصعوبة مع ارتفاع أسعار مواد البناء وأيضا ارتفاع أجور العمالة, أما الذي جعل السكن في بعض الأحيان أقرب منه للمستحيل هو ما يحدث حاليا من ارتفاع أسعار الأراضي بالشكل الذي يجعل الأفراد مع خروج قروضهم يتوقفون عاجزين عن أن يفعلوا شيئا. فالقرض الذي يقول عقد الصندوق إنه لبناء (فيلا) بـ300 ألف ريال لا يكفي لبناء العظم فإذا ما وجدت الأرض تبدأ معاناة البناء في أن يكون السكن ممتدا لأكثر من ثلاث سنوات وبعد انتظار لمدة 20 سنة, وهو أطول معدل لبناء المساكن، حيث إن بناء المسكن المنفصل في أوروبا لا يتجاوز أشهرا قليلة, وهو بناء بسيط ليس كما يتطلبه الصندوق بناء خرسانيا, ولذا فإن هيئة الإسكان يمكن لها أن توجد حلولا للأرض والقرض ونظام البناء لجعل معادلة السكن معادلة من الدرجة الأولى وسهلة الحل يحلها كل طالب قرض.
من يحل قضية «السعودة» يستطيع حل قضية «السكن»!
خالد أبا الخيل
ربما لم تصدر معالجات حكومية متتالية لقضايا تهم المجتمع السعودي، كمعالجة قضيتي (السعودة) و(الإسكان) .. فالأولى شهدت لأكثر من عقدين عديدا من القرارات الداعمة لتوظيف السعوديين، وعمل لحل هذه القضية الكثير، وأنشئ لأجل هذا (الهم) عشرات المجالس والصناديق واللجان والإدارات، ونشأ الخلاف بين التجار ووزارة العمل، واتسعت دائرة الاتهامات بين الجهات كافة، وأشبع هذا الملف (الشائك) تحليلا وطرحا ورؤية في مختلف المنتديات والملتقيات ووسائل الإعلام، وفي كل مرة نقول وصلنا ولكننا ـــ وفقا للإحصاءات الرسمية ـــ ما زلنا عند النقطة نفسها .. ومنذ ذلك الحين وإلى الآن ونحن نبحث عن الحل!.
أمامنا الآن قضية مماثلة من حيث الأهمية والجدل و(القصة) .. وربما الأطراف، فقضية السكن تتصدر حاليا القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وهي حديث الجميع، وتشهد حراكا رسميا وشعبيا واسعا، ويسعى (الكل) إلى حلها بمن فيهم الذين يملكون المساكن ولم يستأجروا أبدا، تماما مثل أولئك الذين يتعاطفون مع العاطلين في قضية (السعودة) وهم يعملون.
هذا العام صدر عدد كبير من الأنظمة التي تعالج أزمة السكن، منها: قرار ضبط بيع الوحدات السكنية والتجارية والمكتبية والخدمية والصناعية، التأكيد على حظر مزاولة نشاط بيع أي وحدات عقارية على الخريطة، قرار دعم صندوق التنمية العقارية بمخصصات كبيرة، قرار ربط المنح التي توزعها وزارة الشؤون البلدية والقروية ببرنامج سكني يضمن حصول المواطنين على مساكن، تخصيص أراض للهيئة العامة للإسكان في المدن المختلفة لبناء وحدات سكنية مناسبة وتوزيعها على المواطنين بحسب الضوابط والإجراءات التي تضعها هيئة الإسكان، وقرار حصر مخططات المنح الحكومية لتوفير الخدمات الأساسية فيها (الطرق، المياه، الصرف الصحي، الكهرباء، والاتصالات على مستوى مناطق المملكة).
وأخيرا .. قرار إلغاء شرط تملك الأرض عند التقديم لطلب قرض من صندوق التنمية العقارية وتوحيد قيمة القرض في جميع المناطق، وفتح نافذة لدخول القطاع المصرفي في التمويل العقاري من خلال آلية كلف بها صندوق التنمية العقارية.
ورغم هذه القرارات التي من المفترض أن تدعم تملك السعوديين للمساكن وتلجم الأسعار، إلا أن أسعار العقار في المملكة تشهد ارتفاعات متتالية غير مبالية بالقرارات التي تصدر لتوسيع قاعدة السكن، وهو ما يعني مزيدا من الارتفاع في أسعار المنتجات العقارية.
الذي نخشاه أن (الخصم) قوي ويجهض كل محاولات إعادة الأسعار إلى طبيعتها، ما يعني أن الحلول المتخذة لن تجد نفعا وعلينا بحلول أكثر (قوة)، مثل فرض رسوم على الأراضي البيضاء، فـ "السعودة" لم تحقق أهدافها لأنها وجدت من (يلتف) على قراراتها .. ولو وجد قرار (عميق) لانحلت قضيتا "السعودة" و"السكن"..!