صدمة «الكاشير» .. لن أُشغّل امرأة
م. حسين حسن أبوداود
لقد صدمت بفتوى مجلس هيئة كبار العلماء بخصوص ''الكاشيرات'' في الأماكن العامة، حيث تزامنت مع مشكلة سعودة حلقات تحفيظ القرآن في منطقة مكة المكرمة. كنا نتمنى من كبار العلماء أن يكون لهم دور فاعل في مشاركة شريحة كبيرة من المجتمع في المنطقة همومهم في تحفيظ أبنائهم كتاب الله. كنت أتوقع نصيحة وإرشاد بعض كبار علمائنا للشباب والشابات للتقدم للعمل أو التأهل للعمل كمدرسين ومدرسات وإداريين في جمعيات تحفيظ القرآن ليكون في الإمكان تنفيذ التوجيه السابق للنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بسعودة مدرسي حلقات تحفيظ القرآن الكريم، ''وذلك بالتدرج كلما أمكن ذلك''، وكنت أتوقع منهم أن يحثوا الدولة ــ خصوصا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ــ على تخصيص ميزانية تقدم للسعوديين والسعوديات المحفظين لكتاب الله بعد انخراطهم في برامج محددة لتأهيلهم أولا ليحلوا بالتدريج محل جميع المحفظين غير السعوديين، وذلك بتقديم جزء كبير من الراتب لهؤلاء المدرسين والمدرسات من الوزارة لتصبح رواتبهم كافية لحياة كريمة إذا تفرغوا لعملهم في التحفيظ كليا أو جزئيا. وكذلك حث رجال الأعمال وأصحاب الأموال على دعم الجمعيات الخيرية لتكون قادرة على دفع مكافآت المعلمين السعوديين، أو على الأقل تبني كل شركة أو صاحب سجل تجاري راتب مدرس أو مدرسة مرة واحدة في السنة أو حتى نصف راتب. كنت أتمنى من بعض أعضاء المجلس أن يبينوا حقيقة وضع الحلقات في منطقة مكة المكرمة وبعدها عن الإرهاب وتداعيات هذا القرار الإداري بالصورة التي صدر بها، وأننا متأكدون أن أميرنا أقدر الناس على القيام بما ينفع المواطنين وأبناءهم، وقد أمر بذلك كما أُعلن في الصحف. ومن العيب أن نسمع من تعرض لأميرنا في الوسائل الإلكترونية، فإن ما نعرف عنه حتى من قبل أن يعين أميرا للمنطقة، حرصه على خدمة هذا الوطن بإخلاص ، وهو أول من ذكّرنا بأن الكعبة المشرفة هي بداية انطلاقنا للعالم الأول، وأننا جميعا في خدمة الحجيج، وأن الحج سلوك حضاري. ومن تطاول على الأمير فإنه تعدى على الدولة، وعلى كل مواطن منا ولا نرضى بذلك.
كنا نأمل أن يضع مجلس هيئة كبار العلماء ضوابط شرعية محددة لعمل المرأة تلتزم بها المرأة كما تلتزم بها الشركات والجهات الأخرى التي وظفت أو ترغب في توظيف المرأة في الأماكن العامة والمختلطة، والمطالبة بمراقبة ذلك وتهيئة الكوادر الكافية لهذه المهمة.
أليس وضع ضوابط شرعية محددة لعمل المرأة التي تعمل اليوم في المستشفيات ومحال الملاهي للأطفال في الأسواق المركزية وعلى الكورنيش وبعض المحال التجارية العامة في جدة، ومتابعة تطبيق هذه الضوابط ــ وهو الأهم ــ أولى من منع عمل المرأة بشكل نهائي؟ ومن لا تلتزم بالضوابط الشرعية تفصل من عملها، وإن وجد فسوق أو تعديات على الحرمات سواء الآن أو في المستقبل، فإن العقوبة الشرعية هي الجزاء الرادع لمن يتعدى وليس التحريم للعمل المباح.
لقد كانت صدمة لي هذه الفتوى بتحريم عمل النساء كبائعات أو محاسبات في الأماكن العامة مثل السوبرماركت أو الأسواق المركزية العامة، هل يقول لنا كبار علمائنا إنه من عهد المؤسس الملك عبد العزيز ــ طيب الله ثراه ــ بل من قبله إلى يومنا هذا، ما حكم المرأة التي كانت وما زالت تبيع وتحاسب وتشتري وتفصّل وتغزل أمام الناس على الرصيف، أو تحت ظل شجرة أو حائط في الأسواق، وحول الحرمين الشريفين، والمساجد، والأماكن العامة، وسوق اليمن في جدة، وحول الجوازات، وسوق الندى، وحول المدارس، وبعض أسواق الشرقية، والرياض، وخميس مشيط، ونجران وغيرها؟ أم أن علماءنا لا يعيشون في أسواقنا ولا يعلمون بما يدور فيها، ويكتفون بالتنظير بعيدا عن واقع المجتمع وحاجة العباد؟ لماذا هؤلاء حلال لهن تحت أشعة الشمس، وحرام على أولئك في مكان عام، مكيف ومنظم ويمكن مراقبته وضبطه؟ وهل هذا التحريم يوافقكم عليه علماؤنا المسلمون الآخرون ممن لهم اطلاع على واقع بلادنا؟ هل هذه الفتوى ستؤدي إلى تقريب الناس من علمائنا السعوديين والثقة بهم، أم ستجعلهم يتوجهون إلى كبار علماء الدول الإسلامية عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية؟
أتمنى من علمائنا تأليف الناس، والنزول إلى واقع المجتمع الحقيقي وحاجاته، وبذل كل ما يستطيعون مع أجهزة الدولة المختلفة لتقديم ما يحتاج إليه أبناء المجتمع وبناته من تربية وتوجيه صحيح على أخلاق هذا الدين العظيم.
أتمنى من علمائنا الكبار أن يبينوا حكم زكاة الأراضي البيضاء في داخل النطاق العمراني وخارجه، حتى أصبح أولادنا يتمنون السكن فوق الجبال مع القرود، حتى سكن الناس في مجاري السيول لعدم قدرتهم على السكن في المدن، وإصرار أصحاب المصالح على عدم وجوب الزكاة وعدم قبول فرض رسوم على هذه الأراضي المستثمرة بملايين الكيلومترات. أين كبار علمائنا من قضايا استغلال المرأة وحرمانها من حقوقها الشرعية أمّاً وزوجة وبنتا، وغير ذلك من قضايا وأمور تهم المواطن وسكنه ومعيشته؟
كيف يحرمون بناتنا من وظائف هن أحق بها من الغريب؟ ألا يمكن أن تعمل المرأة ضمن ضوابط شرعية محددة تقوم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووزارة العمل وإدارات الأسواق التجارية بتوظيف مراقبات موثوقات لتطبيق هذه الضوابط بدقة عبر مؤسسات الأمن الموجودة في الأسواق.
وأين إعلامنا من إبراز فتاوى علمائنا فيما ذكرت وما لم أذكر من قضايا حيوية تهم المجتمع؟ وأين دور إعلامنا في نشر قيم الفضيلة والعفاف والحرص على أعراض المسلمين، حتى تتكامل الجهود وتتضافر لنشر الخير والأمان في ربوع الوطن.
أتمنى من علمائنا توجيه فتوى للشباب الذين يستبيحون حرمات أخواتهم اللاتي يعملن في أماكن عامة اضطروا إلى العمل فيها، أو الذين يتحرشون بالنساء بحجة المناصحة، ويبينوا العقوبة الشرعية الرادعة التي تلتزم بها الجهات المعنية وتوقف أمثال هؤلاء عند حدود الله، لأن من أمن العقوبة أساء الأدب. أتمنى من علمائنا أن يعيدوا النظر في المسألة ويحذوا حذو سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حيث تراجع عن رأيه في إحدى مسائل الميراث بعد سنة من حكمه في واقعة مشابهة ورجع عنها، وأنتم أدرى مني بذلك وفضيلتكم أولى بنا من غيركم.
علماؤنا الكرام: إننا نحبكم ونجلّكم ونقدر علمكم، فكونوا حيث وضعناكم فوق رؤوسنا وفي قلوبنا، وتقربوا إلى الناس بحل مشكلاتهم وتخفيف أعباء الحياة عليهم، إن ديننا يسر، فيسروا ولا تعسروا ــ حفظكم الله ووفقكم لما فيه مصلحة البلاد والعباد.