أيهما أكثر تكلفة: التمويل المتوافق مع الشريعة أم التمويل التقليدي؟
د.صلاح بن فهد الشلهوب
التمويل المتوافق مع الشريعة المقصود به ذلك التمويل الذي تقدمه المؤسسات المالية الإسلامية إلى عملائها بغرض توفير السيولة أو الأصول التي يرغبها العميل، على أن يكون تسديد هذا التمويل مؤجلا، من خلال أدوات تقدمها تلك المؤسسات على أساس أنها متوافقة مع الشريعة، بناء على آلية تعتمدها في الغالب الهيئات الشرعية لتلك المؤسسات. أما بالنسبة للتمويل التقليدي، فهو التمويل الذي يعتمد الإقراض المباشر للعميل مع سداد ذلك القرض مؤجلا بزيادة، والتي يطلق عليها القرض بفائدة والتي يرى الغالبية العظمى من العلماء أنه قرض ربوي محرم.
كثيرا ما يتردد أن تكلفة التمويل المتوافق مع الشريعة أكبر من تكلفة التمويل التقليدي، والسبب في ذلك أن التمويل التقليدي لا يتطلب الكثير من الإجراءات التي تؤدي إلى ارتفاع تكلفة التمويل، مثل تملك الأصول وبيعها، إضافة إلى المتطلبات الإدارية والفنية لذلك. حيث إن التمويل التقليدي ببساطة يتم من خلال إقراض مباشر، إضافة إلى ذلك عامل المخاطرة في التمويل التقليدي، وذلك أن التأخر في السداد يؤدي بالتالي إلى تأخر المؤسسة المالية في الحصول على حقوقها، دون أن يكون لها مطلق الحق في الزيادة مقابل التأخر في السداد. في حين أن هناك من الأدوات المالية الإسلامية مثل المرابحة ما لا يقبل إمكانية الزيادة على العميل مقابل التأخير.
والحقيقة أنه إذا نظرنا إلى هذه العوامل بشكل مباشر فإن هذا الأمور فعليا تؤدي إلى ارتفاع تكلفة التمويل المتوافق مع الشريعة.
ولكن هناك عوامل مهمة لا بد من أخذها في الاعتبار لكيلا يكون هناك قصور في التصور، وبالتالي تبرير ارتفاعات كبيرة في تكلفة التمويل على عملاء المؤسسات المالية الإسلامية خصوصا بعد التوجه الكبير للعملاء على المؤسسات المالية الإسلامية لتمويل تملك المساكن.
من أبرز تلك العوامل تكلفة الإيداع، حيث إنه في البنوك التقليدية تجد أن هناك كثيرا من المودعين يطالبون بعوائد أو ما يسمى فوائد بنسبة ثابتة مقابل ادخار أموالهم أو إيداعها بشكل عام في البنوك، في حين أنه في المؤسسات المالية الإسلامية لا تجد أن المودعين يأخذون فائدة على ودائعهم، وذلك لأنهم يرون أن ذلك محرم.
هناك من العوامل الأخرى حجم الطلب على التمويل المتوافق مع الشريعة مقابل التمويل التقليدي، حيث زيادة الطلب على التمويل المتوافق مع الشريعة يزيد من فرص الربح حتى وإن كان هامش الربح منخفضا. وهذا ما جعل الكثير من البنوك تحقق عوائد جيدة خلال فترات سابقة رغم أنها تقدم فرصا تمويلية بتكلفة أقل من الفترة التي قبلها.
من العوامل المرتبط بالتكلفة مسألة المخاطر، وهذه المسألة برزت بوضوح بعد الأزمة المالية العالمية، حيث إن المؤسسات المالية الإسلامية وإن كانت ليس لديها صلاحية في بعض أدوات التمويل تمكنها من الزيادة مقابل التأخير إلا أن اعتمادها في مسألة التمويل على الأصول، وبالتالي رهنها إلى أن يتمكن العميل من الإيفاء بما عليه من الالتزامات المالية يجعل لدى المؤسسة المالية فرصة استرداد حقها أو على الأقل جزءا منه من خلال الاستحواذ على هذه الأصول، ومن ثم بيعها، وهذا ما لم يحدث في الأزمة المالية الماضية بالنسبة للمؤسسات المالية التقليدية، حيث إن عجز المدين عن السداد سيكبد المؤسسات المالية خسائر لا يمكن الاستعاضة عنها، إذ إنها في كثير من الأحيان قروض غير مرتبطة برهونات توازي قيمتها في كثير من الحالات، مما يجعل جزءا من هذه الديون في حكم المعدوم.
ولذلك لا يمكن الحكم بشكل عام بأن تكلفة التمويل المتوافق مع الشريعة هي أعلى من تكلفة التمويل التقليدي، إلا في حالة واحدة وهي أن تعمل كلتا المؤسستين في ظروف متساوية، وهذا من المتصور أنه قليل. والغالب أن هناك تباينا في البيئة العامة لكلا النموذجين.
الخلاصة أنه لا يمكن الحكم على أن تكلفة التمويل التقليدي أقل على كل حال إلا بالأخذ في الاعتبار العوامل الأخرى التي قد تقف في صف المؤسسات المالية الإسلامية تارة، وقد تكون عائقا في حالات أخرى. وذلك أن عامل المنافسة بين المؤسسات المالية الإسلامية والتقليدية ينبغي أن ينبني على أمر مهم، وهو قضية التزام المؤسسات المالية الإسلامية بالجودة الشرعية، حيث إن المؤسسات المالية الإسلامية بقدر ما تحقق الجودة الشرعية في تعاملاتها بشكل تكسب معه ثقة العملاء، فإن ذلك سيكون له دور كبير في الإقبال على تلك المؤسسات. أما في حال فقدان ثقة العملاء بالمؤسسات المالية الإسلامية فسيؤدي ذلك إلى فقد مجموعة من العملاء الذين ليس بالضرورة أنهم سيفضلون المؤسسات المالية التقليدية، بل قد يمتنعون عن طلب التمويل نهائيا.
هناك أمر مهم أيضا يعتبر في صالح المؤسسات المالية الإسلامية، وذلك أنه بالإمكان أن يكون لديها تنوع في المنتجات بما يمكنها من استقطاب شريحة أكبر من المستفيدين، خصوصا من الذين لا تناسبهم الآلية التي تعمل عليها البنوك التقليدية، والتي تعمل عليها المؤسسات المالية الإسلامية في مثل عقد المرابحة، ولذلك ينبغي أن يتم الحرص على تفعيل هذه الأدوات بالشكل الذي يتناسب مع طبيعة تلك الأدوات مثل المشاركة والاستصناع وغيرهما وليس من خلال استخدام آليات عقد المرابحة، التي تعتبر قريبة من الآلية التي تستخدم في تمويل المؤسسات التقليدية وهي القرض بفائدة.
تداعيات بدل غلاء المعيشة
كلمة الاقتصادية
في الوقت الذي يمر فيه العالم بأزمة اقتصادية أودت بمؤسسات مالية واقتصادية وشركات كبرى، ونجَم عنها تزايد في أعداد البطالة، وبالتالي استياء شعبي من تفاقم سوء الأوضاع المعيشية، خصوصا خلال العامين الماضيين .. كانت المملكة العربية السعودية مع منظومة مجلس التعاون تمر بطفرة تنموية أدت إلى حراك اقتصادي متصاعد، كان تأثير صدمات الأزمة العالمية فيها الأقل تأثيرا في المحيط الدولي.
وكانت معالم التأثير في زيادة معدل التضخم، وارتفاع الأسعار، نجم عنهما غلاء في المعيشة، مثلما هو في باقي دول العالم؛ لذلك قرر مجلس الوزراء بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مواجهة هذا الوضع بمنح موظفي الدولة والمتقاعدين ما عُرِف ببدل الغلاء بنسبة 5 في المائة، زيادة في درجة كل موظف تضاف على مدى ثلاث سنوات، بدءا من عام 1429هـ، وقد مضى على بدل غلاء المعيشة هذا ثلاث سنوات، وكان الرأي العام يتساءل عما إذا كان هذا البدل سيستمر أم أنه سيتم صرف النظر عنه على أساس أنه كان إجراء استدعته ظروف مؤقتة؟
توجيه خادم الحرمين الجديد باستمرار صرف بدل غلاء المعيشة لا يحسم التساؤل الدائر فحسب، وإنما يؤكد نهج القيادة في تلمس الاحتياج العام من ناحية، وفي مراعاة الظرف الاقتصادي العالمي باستمرار تأزمه من ناحية أخرى، وتداعيات هذا التأزم على التجارة الدولية، التي يأتي في صدارتها الغذاء والدواء والسلع الضرورية، التي قفزت أسعارها عالميا بنسب مرتفعة تتجاوز 30 في المائة عما كانت عليه قبل ثلاثة أعوام.
إن استمرار بدل غلاء المعيشة يوفر قدرا من الاطمئنان إلا أن مستوى المعيشة الذي اعتاده موظفو الدولة، وبالتالي أسرهم لن يطوله أثر سلبي يحد من إنفاق تم وضع الميزانيات الأسرية وفقا لسقفه، وإن ذلك بات مضمونا بقاؤه بتوجيهه السامي، كما أن بقاء بدل غلاء المعيشة في توفيره الاطمئنان للمنتفعين منه ينعكس بدوره على السوق المحلية في استمرار حراك القيمة الشرائية، وبما يعني عدم الحد من القدرة الاقتصادية للسوق في شقه التجاري، خصوصا في مستلزمات الغذاء والدواء والمواد التموينية الأساسية، التي تشكل عصب هذه السوق.
الملاحق العلوية للقطاع العقاري
د.قصي بن عبدالمحسن الخنيزي
أصدر الأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية الأسبوع الماضي تعميماً لجميع الأمانات والبلديات يقضي بالسماح ببناء الملاحق العلوية على العمائر بمختلف استخداماتها ''سكنية وتجارية وإدارية'' بنسبة لا تزيد على 50 في المائة من مساحة الدور الأخير شاملاً جميع الخدمات مثل بيت الدرج والمصعد وخلافه، على أن ترخص كوحدات مستقلة، بناء على شروط تشمل وجود شهادة تحمل البناء والمواقف. هذا القرار يهدف بشكل أساسي إلى زيادة العرض من الوحدات السكنية ووحدات الدعم والتخزين للمباني الإدارية والتجارية، حيث إن السماح برفع النسبة الممكن استغلالها لبناء الملاحق العلوية إلى 50 في المائة للمباني السكنية يشير إلى الرغبة في رفع المعروض لمقابلة الطلب المرتفع على الوحدات السكنية، الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار. فارتفاع أسعار الوحدات السكنية قد يقاس بعدة مؤشرات وقد يكون من أوضحها مكون الترميم والإيجار والوقود والمياه الذي يدخل في حساب الرقم القياسي لتكلفة المعيشة أو مقياس التضخم. وقد استمرت مجموعة الإيجار الفرعية في الارتفاع خلال الأعوام القليلة الماضية نظراً لاختلال التوازن بين العرض والطلب، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات والعقارات عموماً بشكل متواصل. هذا الارتفاع في الأسعار تبعاً لقواعد قوى السوق سيؤدي إلى دخول مزيد من اللاعبين في جانب العرض كالمطورين العقاريين والمقاولين والمستثمرين والممولين، نظراً لارتفاع هامش الربح نسبيا وارتفاع العائد من الاستثمار الذي يعود في الدرجة الأولى إلى ارتفاع حجم الطلب النهائي على الوحدات العقارية.
وقد أسهمت عدة عوامل في نشوء اختلالات العرض والطلب منها البطء الزمني لتجاوب قوى العرض مع ارتفاع الطلب، أي أن قوى العرض أخذت وقتاً طويلاً لتستجيب إلى الفرص المتاحة مقارنة بسرعة ارتفاع الطلب على الوحدات العقارية السكنية، انخفاض عوائد التطوير والاستثمار العقاري في سنوات الطفرة الأخيرة مقارنةً بسوق الأسهم التي كانت تمر بفقاعة حتى شباط (فبراير) 2006 ما أدى إلى توجه السيولة الاستثمارية إلى سوق الأسهم، ارتفاع مخاطر قطاع التطوير العقاري نسبياً إثر تقلب أسعار وتكلفة مدخلات الإنتاج كمواد البناء والارتفاعات الكبيرة في أسعار الحديد والأسمنت في الأعوام 2005-2007، ضعف التمويل الموجه إلى قطاع التجزئة العقاري لغياب بعض التشريعات والتنظيمات كنظام الرهن العقاري، ومحدودية قدرة صندوق التنمية العقارية السعودي على توفير القروض، إلا أن الخطط الجديدة التي تم الإعلان عنها أخيرا للصندوق كالتعامل مع البنوك لتوفير السيولة، بينما يقوم الصندوق بدور الضامن قد تؤدي إلى حلحلة جزئية لمشاكل الإقراض التي كان يواجهها.
وبتناول عوامل اختلالات قوى العرض والطلب في القطاع العقاري، فإن الطلب الكبير خلال السنوات القليلة الماضية لا يعود إلى النمو السكاني فقط، ولكن بدرجة كبيرة إلى الهيكل الديموغرافي للسكان، حيث إن الطفرة في معدلات الإنجاب نتيجة الطفرة الاقتصادية في السبعينيات وتحسن مستوى الخدمات الصحية بجانب ارتفاع معدلات وفود العمالة الأجنبية إلى المملكة أدى إلى ارتفاع عدد السكان في تلك السنوات بشكل كبير من نحو سبعة ملايين نسمة عام 1974 إلى نحو 12.5 مليون نسمة عام 1986. هذا الارتفاع السريع والكبير أدى إلى هيمنة شريحة الشباب على الهيكل الديموغرافي، وبافتراض قيام الشاب بطلب وحدة سكنية في عمر 24 عاماً مثلاً، فإن هذا الشاب يكون من مواليد 1986 أو أقل، أي أنه ينتمي إلى فترة الطفرة السكانية، السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات.
أما العامل الثاني لتراجع عمليات التطوير العقاري في فترة طفرة سوق الأسهم الأخيرة 2003 ـ 2006 فيعود إلى نسبية الخيارات الاستثمارية، حيث إن ارتفاع عوائد قطاع معين أو أداة استثمارية معينة قد يؤدي إلى ارتفاع الطلب عليها على حساب الخيارات الأخرى. وكذلك الحال في مخاطر أسعار مدخلات الإنتاج التي أثرت في القطاع العقاري حين ارتفع سعر الأسمنت والحديد، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة إنشاء الوحدات السكنية أمام المستهلك النهائي وإلى تخفيض هامش الربح لشركات الإنشاءات والتطوير العقاري.
ويبقى عامل التمويل العقاري سبباً في تراجع العرض، لأن عمليات التطوير العقاري وخصوصاً للمشاريع الكبيرة هي في حاجة إلى رأسمال كبير وإلى القدرة على إدارة التدفقات النقدية بحرفية، وخصوصاً في حالات تقلب مستويات الطلب من قبل المستهلك النهائي للوحدات السكنية. إلا أن التحركات الرسمية أخيرا وقرب إصدار نظام الرهن العقاري ودخول شركات ومؤسسات تمويل عقاري متخصصة إلى السوق السعودية تدل على أن عائق التمويل قد يتم تجاوزه مستقبلاً.
وختاماً، ليس من المتوقع أن يؤثر قرار السماح ببناء ملاحق علوية على مساحة تصل إلى 50 في المائة على العمائر السكنية والتجارية والإدارية في تخفيض الأسعار لمحدودية الوحدات السكنية التي ستضاف إلى السوق العقارية، إلا أن هذا القرار قد يشير إلى قرارات تنظيمية مستقبلية تتعلق بعدد الطوابق للبيوت والعمائر السكنية، وقرارات تنظيمية أخرى تستهدف رفع العرض لتزيد كميات الوحدات السكنية وتنخفض أسعارها.