عرض مشاركة واحدة
قديم 11-27-2010   رقم المشاركة : ( 12 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي Re: الاخبار الاقتصادية ليوم السبت 21/12/1431 هـ 27 نوفمبر 2010 م

إيرلندا تثبت بطلان المنظور الألماني لمنطقة اليورو







مارتن وولف

إذا كان هناك أي خير ناشئ عن كارثة إيرلندا، فهو إدراك أن المنظور الألماني التقليدي حول مشاكل اليورو هو منظور خاطئ. لا بد لأي اتحاد للعملات بين اقتصادات متباينة أن يكون مشروعاً خطِراً، لكن مع وجود أفكار خاطئة حول عملية عمل الاتحاد الذي من هذا النوع، فإن النتائج يمكن أن تكون كارثية.
ما هذا المنظور الرسمي إذن؟ إنه يقول إن المشاكل الأساسية في منطقة يورو هي نتيجة عدم الانضباط في المالية العامة وانعدام المرونة الاقتصادية، وبالتالي الحلول الصحيحة تكون من خلال الانضباط في المالية العامة والإصلاح الهيكلي وإعادة جدولة الديون. لكن إيرلندا لا تعاني بسبب جوانب ضعف في ماليتها العامة، وإنما بسبب الإفراط المالي. إيرلندا بحاجة إلى الإنقاذ، بصرف النظر عن اقتصادها المرن بصورة مذهلة. وكما كان متوقعاً، التركيز على إعادة هيكلة الديون أشعل فتيل الأزمة. ومن المفترض أن تدفع هذه الحقائق ألمانيا إلى إعادة النظر في مواقفها. فهل تفعل؟ لا أظن ذلك.

إن إيرلندا لا تشبه اليونان من بعيد أو قريب. في 2007 كان صافي الدين العام في إيرلندا 12 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. قارن ذلك بنسبة 50 في المائة في ألمانيا و80 في المائة في اليونان. كذلك نسبة صافي الدين العام في إسبانيا عام 2007 كانت 27 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. لو أن قواعد المالية العامة كانت تطبَّق بلا رحمة على النحو الذي يقول صانعو السياسة في ألمانيا إنهم يريدونه الآن (رغم أن سابقيهم قاوموا تطبيق ذلك على أنفسهم في أوائل هذا القرن)، فإنها كانت ستؤثر في فرنسا وألمانيا بأكثر من ضِعف تأثيرها في إيرلندا أو إسبانيا في الفترة ما بين ولادة اليورو والموجة الحالية من الأزمات.

الجموح الكبير لم يكن في القطاع العام وإنما في القطاع الخاص في إيرلندا وإسبانيا. في بيئة اتسمت بتدني أسعار الفائدة الناشئة بالدرجة الأولى عن الطلب الضعيف بصورة مزمنة في البلدان الأوروبية الرئيسة (لاحظ أن الطلب المحلي الحقيقي في ألمانيا عام 2008 كان أعلى بنسبة 5 في المائة فقط من الطلب في 1999) انفجرت أسعار الموجودات والائتمان في عدد من البلدان الطرفية، خصوصاً إيرلندا. بالتالي لا بد لسياسة نقدية توسعية أن تعمل إلى حد كبير على هذا النحو في مكان ما. فضلاً عن ذلك، حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 كان الفرق بين أسعار الفائدة على السندات الألمانية من جهة، والسندات الإيرلندية والإسبانية من جهة أخرى قريباً من الصفر. كذلك ليس مما يبعث على الاستغراب أن الموردين الخاصين للائتمان أخفقوا في ضبط الفقاعة، لأنهم كانوا هم السبب فيها.

ثم جاءت ''لحظة مينسكي''. غيرت الأسواق المالية من حالتها، وانهارت أسعار الموجودات، وظهرت إلى العيان جميع القروض الفظيعة، واندفعت الحكومة الإيرلندية لضمان بنوكها. وكان من نتيجة اقتران الضمانات بمقادير هائلة من العجز في المالية العامة (ناتجة عن التقشف في القطاع الخاص – لاحظ أن القطاع الخاص في إيرلندا سيتمتع بفائض مقداره 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي) أن وقع انفجار في المديونية العامة. لكن هذه الكارثة جاءت نتيجة للأزمة ولم تكن سببها. إلى جانب ذلك، الفكرة القائلة إن إيرلندا كان من الممكن أن تتمتع بفائض في المالية العامة يكون كبيراً على نحو يكفي للتعويض عن الأثر الباعث على عدم الاستقرار في طفرة القطاع الخاص، مثيرة للسخرية. كما أن هذا الأمر لم يكن لازماً في المعاهدات التي لا تضع في اعتبارها سوء السلوك في القطاع الخاص.





يكفي ما قلناه حتى الآن بخصوص الأسباب. نأتي الآن إلى الحلول. من المؤكد أن إيرلندا لا تفتقر إلى المرونة. بل على العكس، تكاليف وحدة العمل انهارت مقارنة بألمانيا. وهذا يعطي إيرلندا فرصة للخروج من متاعبها على المدى الطويل من خلال النمو. لكن على المدى القصير هبوط الأجور والأسعار يزيد من سوء الفائض الكبير في المديونية المقومة باليورو. كذلك فرضت إيرلندا، بفعل الضغوط عليها، التقشف في المالية العامة. لكن إحداث انكماش في اقتصاد يعاني انهيار فقاعة أسعار الموجودات غالباً ما يكون نصيبه هو الإخفاق، رغم أن إيرلندا، باعتبارها بلداً صغيراً ذا اقتصاد مفتوح، تتمتع بحظ أوفر (من بلدان أخرى ضعيفة في منطقة اليورو) في النجاة من المأزق من خلال التصدير.

للأسف، في الوقت الذي كانت إيرلندا تحاول فيه تحقيق هذا الهدف بالذات، اتفقت البلدان الأعضاء في منطقة اليورو على إدخال آلية لإعادة هيكلة السندات السيادية، بطلب من ألمانيا. والواقع أن الاتفاقية الموقعة في 18 تشرين الأول (أكتوبر) بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (بهدف السعي إلى تعديل للمعاهدة يقضي بإدخال آلية من هذا القبيل) أشعلت عمليات بيع السندات في اليونان وإيرلندا والبرتغال. وهذا بدوره ساعد على التسبب في موجة أخرى من الهلع.

في بحث لمصلحة مركز دراسات السياسة الأوروبية بقلم بول دو جراوفِه، الأستاذ في جامعة لوفان والذي يعتبر من أشد المنتقدين لهذه الأفكار، قال إن إضفاء الشرعية على إعادة هيكلة السندات سيؤدي بالتأكيد إلى خلق حالات من التدافع للمضاربات في البيع. ويوصي بدلاً من ذلك بإنشاء صندوق نقدي أوروبي كبير لتمويل التعديلات اللازمة. والحجة الداعية إلى هذا الصندوق هي أن القطاع الخاص يخلق حالات من الفائض تساند نفسها بنفسها في موجات الارتفاع والانخفاض. وحين نفترض الأسوأ، فإن هذا يجعل النتائج الوخيمة في حكم المؤكدة. وهذا يعطينا حجة لصالح وجود مقرِض من هذا القبيل في حالات الأزمة. وهذا لا يستبعد عملية إعادة هيكلة الديون، لكن هذه العملية يفترض ألا تحدث إلا حين يكون التعديل غير ممكن عملياً. لكن دون مساندة من السيولة، فإن التقشف وحده سيخفق في غالب الأحيان في قلب المزاج العام السلبي وتحويله إلى إيجابي، لأن المستثمرين سيجدون أن من غير الممكن تصديق الوعود باتخاذ إجراءات تقشفية متزايدة بصورة متواصلة. في هذه الحالة ربما يكون الإعسار أمراً لا مفر منه، حتى لو كان غير ضروري حين تكون شروط الاقتراض أقل إرهاقاً.

من الواضح أن وجهة النظر الألمانية بخصوص كيفية مواصلة العمل هي علامة على أكثر من قناعات النخب الألمانية. إن الشعور العدائي الذي يشعر به الجمهور الألماني نحو عمليات ''الإنقاذ''، حتى لو كانت ألمانيا ستستعيد أموالها بعد فترة، إلى جانب دور محكمتها الدستورية، يجعل مطالبها حتمية. لكن السؤال المهم هو ما إذا كان الاتحاد النقدي الذي يسير وفق القواعد الألمانية قابلاً للنجاح.

في أحسن الأحوال، من المؤكد أن الاعتماد على الانضباط في المالية العامة وإعادة هيكلة السندات السيادية سيؤدي إلى توليد سياسة تكون منسجمة بصورة هائلة مع الدورة الاقتصادية. وفي أسوأ الأحوال يولد حالات متسلسلة من الكساد الاقتصادي والإعسار بين البلدان الأعضاء. فضلاً عن ذلك هذه مشكلة عالمية أيضا، لأن التركيز على التعديل الانكماشي في البلدان الأضعف يخاطر بتحويل منطقة اليورو ككل إلى ألمانيا ضخمة، تعتمد على استيراد الطلب من بقية العالم.

وكما قال فيليب وايت في بحث لمركز الإصلاح الأوروبي (المؤيد للاتحاد الأوروبي)، فإن منطقة اليورو واسعة بصورة كبيرة للغاية على نحو يجعل من غير الممكن أن تلعب دوراً من هذا القبيل في الاقتصاد العالمي. معنى ذلك أن مسألة الاختلالات ضمن منطقة اليورو لا مفر منها، بصرف النظر عن مدى رغبة ألمانيا في مقاومة نقاش من هذا القبيل.

وتشكل الأزمة تحدياً هائلاً لإيرلندا التي يجدر بها بالتأكيد، أن تحول الديون البنكية غير المؤَمَّنة إلى أسهم بدلاً من إكراه مواطنيها على إنقاذ جميع البنوك المهمِلة. لكن الحالة الإيرلندية تبين كذلك أن وجهة النظر الألمانية بخصوص الكيفية التي ينبغي أن تعمل بها منطقة اليورو خاطئة. ذلك أن الإهمال في المالية العامة ليس هو المشكلة الرئيسية، كما أن التقشف في المالية العامة وإعادة هيكلة الديون ليسا هما الحلين الوحيدين. إن الإنسان لا يستطيع أن يتعلم من التاريخ إذا كان لا يفهمه.
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس