أسعار الذهب والنفط وحقيقة حرب العملات (تحليل القوة الشرائية ل 43 عملة عالمية)
انخفاض قيمة الدولار لن تؤثر كثيراً على اقتصاد المملكة على المستوى الكلي
تحليل- فادي بن عبدالله العجاجي
ارتفع عرض النقود العالمي بأكثر من 8,3 تريلونات دولار (31,2 تريلون ريال) بعد تفاقم الأزمة المالية العالمية، أي خلال الفترة من سبتمبر 2008م إلى سبتمبر 2010م، وهي الفترة التي مر فيها الاقتصاد العالمي بحالة من الفوضى بين التقارير المتفائلة والمتشائمة والمعلومات المتناقضة. انعكست هذه الفوضى على تقلبات حادة في أسواق صرف العملات نتج عنها تقلبات أكثر حدة في أسعر السلع الأساسية المقومة بالدولار الأمريكي في الأسواق العالمية.
وبالرغم من ذلك اختفت كل الأصوات التي كانت تنادي بالتخلص من مركزية الدولار وتقويم أسعار السلع الأساسية بسلة من العملات أو باليورو، فقد انخفض سعر صرف اليورو مقابل الدولار بنسبة 25,3% (من 1,578 دولار إلى 1,194 دولار) خلال الفترة من 9 يونية 2008م إلى 8 يونية 2010م. ولم يكن هذا هو السبب الرئيس في اختفاء تلك الدعوات، بل لم تكن تلك الدعوات مبررة أصلاً. فالدولار عملة قياس عالمية يستخدمها المتعاملون في أسواق السلع الأساسية، والتحدي الذي تواجهه الأسواق العالمية يكمن في صعوبة تحديد مصادر التقلبات السعرية، فهل ارتفاع أسعار السلع الأساسية ناتج عن تفاعلات قوى العرض والطلب؛ أم بسبب ضعف قيمة الدولار؟ وهل ارتفاع قيمة الدولار مقابل اليورو ناتج عن قوة أداء الاقتصاد الأمريكي، أو ضعف أداء اقتصاد منطقة اليورو؟
ولفهم أعمق لحقيقة تقلبات أسعار الصرف وانعكاساتها على القوة الشرائية؛ قمنا بدراسة أسعار الصرف اليومية ل 43 عملة عالمية مقابل الدولار الأمريكي. وكوّنا سلة من هذه العملات وتتبعنا قيمتها خلال الفترة من مايو 2003م إلى أكتوبر 2010م، والسلة تحتوي على عملة واحدة لكل دولة (واحد جنيه إسترليني، يورو، دولار كندي، ...الخ). والسؤال: كم من الدولارات الأمريكية تحتاج لشراء هذه العملات؟ يوضح الشكل (1) قيمة السلة بالدولار الأمريكي، هذه القيمة سترتفع إذا انخفضت قيمة الدولار، والعكس صحيح. إذن تعد قيمة السلة مؤشراً مقبولاً لأداء الدولار في أسواق الصرف. ويلاحظ من الشكل (1) الانخفاض الشديد في قيمة السلة نتيجةً لتحسن أداء الدولار بعد الأزمة المالية العالمية (سبتمبر 2008م) بسبب زيادة الطلب على أذونات الخزانة الأمريكية باعتبارها ملاذاً أمناً للتحوط من المخاطر.
وإذا قارنا قيمة السلة بسعر أونصة الذهب (الشكل 2) نلاحظ قوة العلاقة بين الذهب والدولار في فترة ما قبل الأزمة (قبل سبتمبر 2008). في حين انخفضت العلاقة بشكلٍ واضح في فترة ما بعد الأزمة، حيث أصبحت أسعار الذهب أقل استجابة للتغير في قيمة الدولار. فأسعار الذهب في ارتفاع مستمر، وقيمة الدولار غير مستقرة، وقد يكون ذلك مؤشراً لظهور التضخم النقدي، أي لانخفاض القوة الشرائية للدولار ومعظم العملات العالمية.
أما إذا قارنا قيمة سلة العملات بسعر برميل النفط (الشكل 3) فإننا نلاحظ أن أسعار النفط ما هي إلا انعكاس لقيمة السلة، وبالتالي فإن أسعار النفط تستجيب للتغيرات في قيمة الدولار. ومؤدى ذلك أن انخفاض قيمة الدولار لن تؤثر كثيراً على اقتصاد المملكة على المستوى الكلي، فالخسائر الناتجة عن انخفاض قيمة الدولار (ارتفاع تكاليف الاستيراد) يقابلها إيرادات متحققة من ارتفاع أسعار النفط، والأرجح أن تفوق الإيرادات تكاليف انخفاض قيمة الدولار. لكن المشكلة في أن الجزء الأكبر من التكاليف يتحمله القطاع العائلي، في حين أن المكاسب ستنعكس على ارتفاع العائدات من النفط. لذا فإن التحدي في الفترة القادمة يكمن في إيجاد نموذج متوازن يحقق التنمية في كل القطاعات. ولن يكون من السهل إيجاد هذا النموذج المتوازن في مدة قصيرة، خصوصاً ونحن على أعتاب ميزانية العام الجديد. لذا فعلى الأرجح أن تكون ميزانية العام القادم مرنة بالدرجة الكافية لاستيعاب تقلبات مؤشرات الاقتصاد العالمي - وخاصة التقلبات المؤثرة على قيمة الدولار وأسعار النفط.