عرض مشاركة واحدة
قديم 01-09-2011   رقم المشاركة : ( 19 )
المتفائل2012
عضو


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 6806
تـاريخ التسجيـل : 06-01-2011
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 24
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : المتفائل2012


المتفائل2012 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مجلة فلسطينية من الثمانينات تتحدث عن الحياة الجامعية في تلك الفترة

اختم بهذا المقال الرائع



الانتصار على الحاجز

بقلم: مصطفى عبد الفتاح
سنة ثانية جغرافيا
يا له من ساحر، بلا مناسبة أو سبب، يشدني إليه هذا القلم شدا، تجول بخاطري مئات الأفكار، لكنني أشعر
لفرط الإرهاق أن دماغي يكاد ينفجر، ما لهذه الأفكار والخواطر تتجمع برأسي بلا ترتيب أو تنظيم ولا حتى
هدف؟! هكذا كان كل شيء يبدو في مخيلتي، ضباب كثيف يغلف أفكاري، غيوم كثيرة تتلبد، لكن الغيوم تمطر
غالبا بعد التكاثف فتجزل العطاء نقيا صافيا.
ها أنا أرى الضباب ينقشع، تتضح معالم الصورة، ثم تكتمل الألوان جميلة متناسقة، وتغدو الأفكار قوية معبرة
جميعها عن ذات الإنسان، الجوهر، الطموح، المكافح، كل المصاعب تتلاشى أمام طموح الإنسان الحالم
الدؤوب، فعندما يصل الواحد منا مرحلة يعي حياته من خلال المبادئ التي عليها يجب أن يسير، هنا يبدأ
يخطو في الطريق السليم، كما الطفل يبدأ زحفا وللوهلة الأولى يعرف كيف يستعمل قدميه فيظن انه اكتشف
مجاهل العالم.
كانت كل هذه الأفكار تتراقص في مخيلته تحت ظلال شجرة زيتون وارفة، كان شاردا يفكر، جمع خالد تلك
الأفكار ثم كتبها، بحث عن المصاعب وذللها، ولا زال بظهره متكئا إلى جذع زيتونة، (لعن الله الشيطان )،
نظر خالد إلى ساعته (الرابعة تماما)، تناول علبة "العالية" وعلبة الكبريت من جيبه فأشعل سيجارة ثم راح
ينفث دخانها ليتناثر من حوله في حلقات حلزونية جميلة.
(السلام عليكم)...(وعلي....وعليكم)، انقطع حبل أفكاره، بدأ يصحو من أحلامه...مرة أخرى أجاب قبل إن
يعرف مصدر الصوت....(وعليكم السلام ورحمة الله)...التفت جيدا بعد إن أفاق من شروده...إنه المختار،
لكن ليس من عادة المختار أن يطرح السلام علينا معشر الشباب، إذ لا بد لكلام المختار من مغزى أو سبب،
لكن المختار آت من المدينة!! فماذا في جعبته يا ترى؟!
(أهلا وسهلا بالمختار)...(أهلا يا خالد)...(الحقيقة يا خالد)...اتسعت حدقتا خالد، ركز نظره في عيني
المختار...(خير إن شاء الله) قالها بترقب وهو يشعر بأن المختار سيحتاج لألف سنة وسنة كي يخرج كلماته
من بين شفتيه.
لكن المختار لم يتابع كلامه بل مد يده إلى جيبه وأخرج ورقة صفراء، أعطاها لخالد، ألقى خالد عليها نظ رة
خاطفة...(هذا كل ما في الأمر، بسيطة..لقد ظننت انه شيء مهم)، (ولكنه طلب يستدعيك للحضور إلى مركز
الشرطة غدا...الست خائفا، أليس هذا الأمر يهمك)، ابتسم خالد ابتسامة صفراوية، وأضاف: (يهمني؟!، هل
تظن أن هذه الورقة تثير لدي أي اهتمام، فمم أخاف؟!! ليس هناك شيء أخاف منه...."اللي خايفين منه
قاعدين عليه"، فليست هذه أول قصاصة ورق، وأعتقد أنها لن تكون الأخيرة، إنهم أغبياء، هل سأخاف من
رسالة النجاح، العدد 18 ، كانون الثاني ١٩٨٤
كلامهم؟ سأرتجف إذا قطب حاجبيه، إنها فكرة سخيفة، فهذا الضابط أراه جالسا أمامي في كل مرة كالطفل
الصغير يزداد صغرا ويحلو له أن يتساءل عن كل شيء.
بالنسبة لي فهذه كلها أشياء قديمة... قديمة جدا، عجنتها وخبزتها مرارا وتكرارا، فكلما أرسلوا لي ورقة من
هذه الأوراق كلما زادوا صغرا وتفاهة في نظري، وفي الوقت نفسه فأن تجربتي تتعمق أكثر في كل جولة
أخوضها معهم...حتى أصبحت هذه الأمور شيئا روتينيا لا يحظى لدي بأي اهتمام.
ذهبت إلى هناك، وكسابقاتها من المرات ختمت الجلسة ب"انصرف" لكن ليس هناك شتائم كثيرة هذه المرة،
يبدو انه افرغ ما في جعبته من شتائم على غيري، لا بل يعي بان شتائمه لن تقدم أو تؤخر شيئا لدي، ولم يعد
لها وقع في نفسي.
هذه المرة سألني بماذا أفكر، إنه لسؤال سخيف يدل على صاحبه، يحاصرون حتى أفكاري، هكذا يتصورون،
لكن أّنى لهم ذلك، فأفكاري ستبقى فوق الحصار، أفكاري هي التي ستحاصرهم، وتقفز فوق العراقيل وفوق
الحواجز والأسلاك، كالرياح العاصفة عندما تهب، لا تخشى عوالي الجبال.
عاد متأخرا، منهك القوى...ألقى بنفسه على السرير حتى انه لم يخلع ملابسه، وغط في نوم عميق، استيقظ
على صوت أخيه الأصغر يقول له: بأنه تأخر عن الجامعة هذا اليوم على غير عادته، فرك عينيه، نهض
متثاقلا، اغتسل وارتدى ملابسه ثم تناول كأسا من الشاي رشفها على عجل، ثم حمل حقيبته وخرج دون أن
يتناول وجبة الإفطار، وصل الجامعة متأخرا، سبقه أصدقاؤه إلى هناك، كانوا يغنون ويرقصون والابتسامات
على الشفاه والوجوه.
التقى بتيسير وباسم وجمال...أهلا خالد، لماذا تأخرت؟! كان يجب أن تحضر مبكرا على كل حال،
مبروك...مبروك يا خالد (إذن لقد فزت في الانتخابات)، كان يتوقع ذلك، بل لقد كان متأكد ا. من وراء
النظارات السوداء السميكة تصور ذلك السخيف الذي حاول أن يحاصر أفكاره بالأمس، ثم قال يكل م نفسه
(إنني أحاصرك أنا بأفكاري، وها أنا اليوم اشدد الحصار، أحاصرك في كل مكان). قالها وابتسامة عريضة
ارتسمت على شفتيه...في لحظة فرح بالفوز وانتصار على الحاجز.
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس