عرض مشاركة واحدة
قديم 01-22-2011   رقم المشاركة : ( 15 )
المقداد
كاتب مبدع

الصورة الرمزية المقداد

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 3563
تـاريخ التسجيـل : 12-02-2009
الـــــدولـــــــــــة : ضوء الظل
المشاركـــــــات : 1,283
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 89
قوة التـرشيــــح : المقداد تميز فوق العادة


المقداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: قصص طفولية في عمق التاريخ ..

أرجو إعتماد هذه الحلقة عوضاً عن التي نزلت أعلاه , نظراً لبعض الأخطاء الإملائية وشكراً .

إكمالاً للقصـــــــة ..

أخذت شمس ذلك الصباح ترتفع عن مشرقها رويداً رويدا وبدأت تسخّن قليلاً , أخذت قطرات الندى التي علقت بالأوراق تتبدد الواحدة تلو الأخرى, وأنا ملقـــى بجســـدي الناحل على طرف الفلج ..
تناول الجميع إفطاره تحت فيّة تلك الرمانة وارفة الظل, سكب والدي ماتبقى من بقايا فنجانه بعيداً عنه ونهض دفعة واحدة .. في تلك اللحظة استسلمت لهجمة نعاس شديدة داهمتني بعد تناول إفطاري , سرت في أنحاء البستان والهضبة المجاورة أصداء سن ( طرق ) الوالد لمحشاته ( جمع محش وهو المنجل أو المطيب ).
كم هو متعب التغريب (إزالة الحشائش الضارة عن الزرع) بالنسبة للمزارع, فهذه العملية تأخذ جل وقته فضلاً عن التعب الذي يلحق به خاصة وأنه يقوم بها وجسده على وضع معين لساعات طويلة, وكم سمعت والدي وهو يرسل بتأوهات شاكياً من ظهره وركبتيه عندما يهم بالنهوض من القصبة .
أفيق من غفوتي على مناداة والدتي التي ألتقطت المطيب وأخذت موقعها في إحدى القصاب للتغريب أو التطييب كما يحلو لوالدي أن يسميها, أهب واقفاً عى مناداتها لي بأن الشمس قد تُلحق الضرر بجسدي, ووالدي مازال يشحذ الهمم ويقوي عزمنا مُنادياً لنا بصوته الأجش بأن الليل قد أمسى ( نسبة الي فوات الوقت دون إنجاز الكثير من العمل ) حاثاً على النهوض بعبارات فطرية كان لها بالغ الأثر في تكوين شخصيتي آنذاك لازلت أتذكرها, ويوجهني بأن أمضي الى داخل بستان العنب لحمايته من عبث الطيور التي قد تلحق الضرر بعناقيده, وذلك بعد أن تسلحت بمقلاعي وجعل لي والدي طرفه مكان عالي أستطيع من خلاله أن أرقب ما يدور جُنباته .
أسير بتملل نحو البستان, وبنبرة لا تخلو من العطف والشفقة, تشير اليّ والدتي بأنها قد دسّت لي وصلت لبّه ؟ (كسرة من الخبز ) داخل تجويف جذع تلك الرمانة المقابلة بعد أن لفتها بورقة كرنب, أتناولها إذا ماقرصني شيئاً من الجوع ..
فوقت الغداء لايزال مبكراً ومن ستقوم بطهيه وإعداده هاهي أمامي ممسكة بمقبض مطيبها (المنجل) تزيل الحشائش عن هذه النبتة وتمسح بيدها على الأخرى متمنية في قرارة نفسها ألا يغمض لها طرف عين ويفتح إلا وقد وجدتها قد آتت أكلها وحان قَِِِطافها !! .
لم تسعني الفرحة عند تجولي في وسط بستان والدي حين وجدت عُشاً لذلك العصفور الجميل عذب الشدو والألحان ؟ إنه الكعيت (النغري) وقد أتخذ من أحد أغصان العنب المورقة وبنا له فيه عُشاً أحتوى على بيضتان, أُختيرت عيدانه بعناية فائقة ورصت بإتقان بين ثنايا ذلك الغصن, فعثوري على عش ذلك النغري في تلك الايام هو مثابة العثور على كنز لا يُقدر بثمن !!
وكم كنت أُمني نفسي بأن سيكون مردوده جيداً بالنسبة لي وأنني سأجني منه ربحاً وفيراً عندما يفقس ذلك البيض وتكبر صغار الكعيت ثم أبيعها لطبقة معينة من المجتمع بالطائف مولعة جداً بإقتناء مثل هذا النوع من العصافير نظراً لعذوبة صوتها عند الصباح, علماً بأن لي معهم تجارب سابقة ناجحة في هذا الجانب.
إلا أن فرحتي ومع بالغ الأسف لم تكتمل !! حيث داهم العش في يومٍ ما ذلك الثعبان الأصفر اللعين ؟ وأمتص مابداخله !!
ألقت والدتي مطيبها على طرف عضادة القصبة وسارت نحو ركيب البامية وأخذت في جمع شيئاً منها ووضعتها في البقشة, ثم شطفت الفناجين وكفكيرة الشاي (إبريق الشاي) في الفلج الذي لا يزال يحتفظ بالماء وقصدت البيت على عجل لإعداد وجبة الغداء من تلك البامية التي جمعتها حاملة فوق رأسها تنكة ماء زلال ممسكة إياها بيدها اليسرى بينما حملت في يدها اليمنى أغراضها الأخرى .
بعد أن لفحت حرارة الشمس جبهة والدي وأخذ العرق يتصبب منه , القى هو الآخر مطيبه على العضادة وسار قليلاً نحو الفلج وأخذ يحتسي قليلاً من الماء العذب بكلتي يديه ويمسح به جبهته وهو يحمد الله على ما وهبه من نعم لا تعد ولا تحصى ..
ثم صاح على قطيع من الأغنام التي أخذت تقترب شيئاً فشيئاً من مزرعته ومناشداً في الوقت نفسه الراعي بأن يحترس بأن لا تنال شياهه من غرسات تعب من أجلها الكثير !! الوقت يمضي وأنا مازلت في موقعي " عشة الحراسة " أصفق بيديّ لذلك العصفور تارة محذراً أياه الإقتراب من عناقيد العنب, وتارة أقرع بعود حماط على جالون لتشتيت مجموعة من عصافير الوجي حطّت أعلى شجرة الخوخ .
رفع والدي زفّته الكبيرة ( الزفة تنكتين مربوطة في طرفي عود يتم بواسطتها جلب الماء الى البيت ) رفعها على منكبيه وسلك طريقه الي البيت بعد أن شدّد التنبيه بألا أغفل عما أأتمنني عليه واعداً إياي بأن يبعث لي غدائي مع أحد اخوتي الى حيث أنا , وأنه ينتظرنا في غادي النهار ( بقية اليوم )عمل كثير ..
وعندما خفت حدة الشمس وأخذت في الإنكسار نحو الغروب رأيت أحد اخوتي الصغار يتقدم اليّ حاملاً بيده غدائي الذي أرسلته والدتي بعد أن وضعته في تلك الحله وأحكمت إغلاقها بقطعة صمادة بالية ..

المقداد
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس