الموضوع: المقال التربوي
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-16-2011   رقم المشاركة : ( 2 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المقال التربوي

هذا هو التمدرس
علي الخبتي
الوطن : الاثنين 14-10-1432هـ


التمدرس الذي يجري داخل الفصل يحقق التعليم الحقيقي عندما تتم إعادة بناء عمل ما تقوم به المدرسة من أجل الأخذ بيد المنتج إلى فهم حقيقي للعالم بداية، ونحن نعيش أجواء بداية العام الدراسي ندعو لبناتنا وأولادنا بعامٍ دراسيٍ حافل بالعطاء والنجاح، والعمل المثمر والمتعة. كما ندعو لزملائنا القائمين على التعليم بالعون والتوفيق، وهم يرعون بعد الله هذا المرفق الحيوي الحسّاس والهام وأن يكلل جهودهم بالنجاح. بعد مقالتي السابقة: "التفوق بين الفردية والمجتمعية والتمدرس" تركزت التعليقات والاتصالات على مصطلح التمدرس.. الذي قلت في معرض الحديث عنه إن الحديث عنه يطول وهو ليس موضوعنا اليوم، لكنه جاء في سياق الحديث عن حلقات سلسلة التفوق". وفي التعليقات والاتصالات كانت هناك استفسارات عن هذا المصطلح، ولهذا أخصص مقالاً مستقلاً للحديث عنه..

ماذا يعني التمدرس؟

التمدرس ليس مصطلحاً جديداً كما ظن أحد الأصدقاء التربويين في اتصاله، فهو مصطلح قديم في الأدبيات الغربية.. ودخل اللغة العربية حسبما أعرف عندما ترجم مكتب التربية العربي في عام 2004م كتاب هاوارد جارندر (العقل الغير متمدرس). والتمدرس يعني العمليات التي تجرى داخل الفصل الدراسي نتيجة جهود فاعلة تكون قنوات تصب فيه، تجعل من المنتج (الطالب) نشطاً متفاعلاً محققا للتعليم الذي ينشده بالمستوى المستهدف. ويعتبر هذا التعريف شفرة Code لها كثير من العناصر Components وحتى تتضح الصورة لا بد من تفكيك هذه الشفرة ومعرفة عناصرها..والعناصر هنا تتعلق بكل العاملين في مجال التربية والتعليم، بدءاً بالهرم وانتهاء بالفصل الدراسي الذي يجب أن تصب فيه كل الجهود، ولهذا فإن التمدرس يحقق التعليم المنشود للمنتج عندما نتأكد أن كل الجهود تكون قنوات تصب في الفصل الدراسي. الذي يعيق التعليم المنشود هو بذل الجهد وتحقيق خطوات كبيرة، وبذل مجهودات نوعية وإقرار ميزانيات ضخمة، ويكون التقييم منصباً على كل ذلك دون معرفة ما إذا كانت تلك القنوات تصب فعلاً في الفصل الدراسي أم لا.. وهنا تكون الفجوة بين التمدرس الذي ينتج عنه تعليم حقيقي. العناصرإذاً هي كل المشروعات، أعمال إدارة المدرسة، والعمليات التي يقوم بها المعلم داخل الفصل، ونشاط الطالب داخل الفصل، والوسائل المعينة والتقنيات المصاحبة، وأساليب وطرق التدريس، وجهود الارتقاء بالمعلم. هذه العمليات Processes لا يكفي أن نتأكد أنها ذات مستوى وجودة عالية.. هذا لا يكفي، بل يؤدي إلى إنتاج عقليات غير متمدرسة، أو إلى تعليم غير ناجح، أو إذا استخدمنا كلمات مارك توين إلى تدخل سلبي للتمدرس في التعليم. التمدرس لا يقاس بمستوى المشروعات، ولا بمستوى الميزانيات، ولا بمستوى الإدارة المدرسية ونشاطها، ولا بمستوى وتأهيل المعلم، فكل ذلك وسائل يجب أن تنتج عنها عمليات ناجحة داخل الفصل الدراسي، التمدرس يقاس نجاحه الحقيقي بما يجري داخل الفصل المدرسي فقط. صحيح أنه بدون تلك العمليات، وبدون وجودها بمستوى عال، وبدون وجود ميزانيات كافية ومشروعات ناجحة لا يمكن تحقيق تمدرس فاعل داخل الفصل الدراسي، لكن المشكلة هي التركيز على معايير تلك العناصر بمعزلٍ عن مدى كونها قنوات تصب في الفصل الدراسي، وتحقق التمدرس الذي يؤدي إلى تعليم ناجح. تخفق المدرسة وتخفق كل الجهود المبذولة عندما لا يكون المنتج نشطاً متفاعلاً، يفكر ويبدع وينتج، وتخفق المدرسة عندما لا يتفاعل الطلاب مع منهج متميز بإشراف معلم يكون محفزاً لا ملقناً، وعندما لا يكتسب المنتج المهارات اللازمة لربط ما يتعلمه بالحياة، وتخفق المدرسة عندما لا تتأكد من معرفة أسباب إخفاقها والعمل على علاجها. عندما نتحدث عن التمدرس نتحدث عن المنتج فقط وما يجري داخل الفصل. عندما لا يتحقق التمدرس، وعندما نخفق في إنتاج عقولٍ متمدرسة يجب أن نعرف أننا أولا أمام منتج خامل غير متحمس وغير مبدع، لا يفكر.. ولايعمل.. حتى مع تأكدنا أن كل قنواتنا ذات مستوى عال، فالعمل على القنوات شيء، وما يجري داخل الفصل شيء آخر، ويجب العمل على كلا الأمرين، القنوات مهمة.. وتحقيق جودتها والعمل على ذلك مطلب أساسي.. لكن كي تعمل هذه القنوات على تحقيق التمدرس يجب أن يحظى المنتج بنفس أهمية العمل على القنوات. فعلى سبيل المثال عندما ننتج منهجاً متميزاً وعلى أعلى المستويات قد ينكشف المنتج على ذلك المنهج بطريقة سلبية وجامدة، يكون فيها متلقياً خاملاً، وعندما نعد معلماً متميزاً في تأهيله قد يكون اتصاله مع المنتج غير ناجح لأنه ملقن لا مسهل Facilitator. ويكون المعلم مسهلاً إذا ما جعل من المنتج نشطاً مفكراً يحقق ارتقاءات متتالية، ويجعل من المنتج ناجحاً في تحويل ما يتعلمه إلى حلول لمشكلات يواجهها في حياته العامة. ويقول هاورد جادنر أستاذ علم النفس في جامعة هارفرد في كتابه (العقل الغير متمدرس): "إن الطلاب الذين يحملون معلومات حرفية عن الفيزياء مثلاً يخفقون بشكل مدهش في تحويل تلك المعرفة الحرفية التي تلقوها عن طريق تمارين قدمت لهم في الفصل الدراسي إلى الحياة العامة". إذاً هنا مشكلة حقيقية يواجهها المتمدرس.. لُقن الطلابُ معلوماتٍ حرفيةٍ عن طريق تمارين، وتم تقييم مستوى تلقيهم، لا مستوى المهارات التي يحولون بواسطتها هذه المعرفة إلى حلول لمشكلات حياتهم العامة.. التمدرس يخفق في الأولى وينجح في الثانية. يتدخل سلبياً في تعليم المنتج في الأولى ويتدخل إيجابياً في الثانية.التمدرس الذي يجري داخل الفصل يحقق التعليم الحقيقي عندما تتم إعادة بناء عمل ما تقوم به المدرسة من أجل الأخذ بيد المنتج إلى فهم حقيقي للعالم، وعندما يكون الاتصال فيه بين أقطاب العملية التعليمية "المرسل ـ المستقبل" على مستوى التخاطب مع إدراك المنتج لا على مستوى ذاكرته، وعندما يكون ذلك الاتصال محققاً لاحتياجات المنتج المتعلقة بفهمه للعالم، وعندما يُستفز المنتج بطريقة تجعل منه فضولياً لمعرفة مشكلاته واستخدام معرفته لحلها، وعندما يقوم المنتج بكل العمليات داخل الفصل: يحلل، ويناقش، ويوافق ويعترض ويقترح، وعندما تكون هناك طرق مختلفة لاكتساب المعرفة، بحيث تمكن المنتج من مناقشة المحتوى واستخدامه في حياته، وليس حفظه واسترجاعه بطريقة ساكنة خاملة. وعندما يكون النشاط جماعياً تفاعلياً يتم فيه تبادل حقيقي للمعرفة والخبرات، وعندما ينتج التفاعل داخل الفصل الدراسي خبراتٍ تعليميةٍ ذات معنى للمنتج. هذا هو التمدرس.
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس