فلو دخل الماء إلى البذرة أو الحبة تحدث فيها تغيرات فيزيقية حيث تنتفخ الحبة وتزداد في الحجم بفعل قوى التشرب، فيتمزق الغلاف، وفي نفس الوقت تحدث عمليات كيميائية كبيرة حيث يبدأ الجنين في إفراز الأنزيمات المحللة للمواد الغذائية المدخرة في البذور والحبوب فتحولها ـ من مواد معقدة التركيب كبيرة الحجم لا تنفذ إلى خلايا الجنين ولا يستطيع استغلالها ـ تحولها إلى مواد بسيطة التركيب صغيرة الجزيئات تنفذ خلال أغشية وجدر الخلايا حيث يستغلها الجنين ويتغذى عليها.
الصورة فوق مقطع في بذرة ويظهر فيها أيضا ثقب البذرة أو ما يسمى بالبسباسة
ومن العجب أن نوع الأنزيمات يتوافق مع نوع الغذاء المدخر، وهذه الأنزيمات تحلل بعض المواد شديدة الصلابة كتلك الموجودة في ثمار نبات الدوم والتي يصنع منا أزرار الملابس الصلبة، تحولها إلى مواد رخوة لينة في قوام اللبن، حلوة الطعم سهلة الهضم والامتصاص.
العمليات السابقة تتم في درجة حرارة من (25ـ 35س ) وإذا أردنا أن نجري نفس العمليات في المختبر فإننا نحتاج إلى حمامات من الماء المغلي وإلى إضافة أحماض حارقة وكاوية ومحللة، ونحتاج إلى مبردات ومكثفات وأجهزة قياس دقيقة للحرارة ومهندسين وعلميين وفنيين تزيد أعدادهم على المئات ونحتاج إلى مصانع ذات ضجيج عال وأبخرة سامة متصاعدة وتلوث للبيئة ورؤوس أموال ضخمة.
هذه العمليات تتم في هدوء عجيب، وسكون تام داخل تلك البذور التي وضعها الطفل فوق قطعة القطن المبللة بالماء. هذه العمليات المعقدة تحدث في حقل الزراعة البسيطة الذي لا يعرف معادلات ولا مختبرات ولا أبحاث.
من فعل هذا ؟ أَإِلَهٌمع الله ؟ الطبيعة ؟ الكون ؟ كما يقول الماديون العلمانيون، إن من يعتقدون بذلك ويقولون به لا يختلفون في تفكيرهم عن هؤلاء السذج الجهلاء .
الذين يقولون عن البرق والرعد (أن جمل الشتاء يصارع جمل الصيف في السماء.
ولا يختلفون عن الذين يقولون عند حدوث الزلازل والبراكين : (أن هناك ثوراً يحمل الدنيا على قرنه، وهو يبدل حملها إلى القرن الآخر لأنه تعب ؟ )
بعد ذلك تبدأ عمليات حيوية رائعة ومثيرة انقسام خلوي عجيب وصبغيات (كروموسومات) ومغازل تنسج وجدر تبنى، وحرارة تنبعث وحياة تدب وهرمونات تتكون وفيتامينات تعمل وأعضاء تتكشف وجذير يتجه إلى الأرض وسويقة تتجه إلى أعلى في حماية عجيبة وتقدير دقيق وتتكون الأوراق والبراعم والأزهار والثمار وغيرها من بلايين العمليات الحيوية المعجزة.
الشكل التالي يبين عملية الانقسام الخلوي التي تحدث في النبات بقدرة الله
بعض البذور رغم توفر كل شروط الإنبات لا يمكن أن تنبت وبعض النباتات تحتاج بذورها إلى فترة سكون (Dormancy) تختلف من برهة إلى مئات السنين حسب نوع النبات، ولولا فترة السكون هذه لأنبتت بعض البذور في الحقول وهي مازالت على النبات الأم قبل حصادها ولتعذر الحصاد وانبتت البذور أثناء الدراس وفي أماكن إعدادها وثناء تخزينها.
وبعض البذور رغم توفر جميع شروط الإنبات لا تنبت لأن جنينها غير ناضج، أو إن بعض المواد المثبطة للنمو والإنبات تكون موجودة في غلاف الحبة أو قصرة البذرة وتحتاج إلى عوامل كثيرة حتى تتلاشى وينبت النبات.
وبذور بعض النباتات المتطفلة لا تنبت مطلقاً إلا إذا وجد عائلها الذي تتطفل عليه ولو أنبتت في غيابه لكان الهلاك والفناء هو مصير البادرات التي نتجت عن هذا الإنبات فمثلاً نبات الفول ( Vicia Faba)يتطفل عليه نبات الهالوك ( Orbanche)ولا يمكن أن تنبت بذور الطفيل (الهالوك) إلا إذا انبت بذور العائل (الفول) .
من هدى هذه البذور إلى هذا السلوك العجيب ؟ أإله مع الله ؟ هل الطبيعة الصماء التي لا تعي و لا تفكر يمكنها أن تخلق ذلك ؟؟ وصدق الله رب العزة في قوله تعالى :(مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُون)