بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم حديثنا عن مسألة واسعة ، وهي مخاطبة غير العاقل من البهائم والطيور ونحوها .
وهو باب واسع سأعرض ما عرفت منه في حلقات ، سواء ما وجدت له أصلاً في اللغة أو ما لم أجد .
تقول ثمالة : ( إرْ إرْ إرْ ) للغنم إذا أرادت أن تدعوها . والفعل : ( يراري للغنم ) أي : يدعوها .
وتقول : ( حَيْ حَيْ حَيْ ) للغنم لتمشي معه ، وأحياناً لزجرها . والفعل : ( يتاحي للغنم ) أي : يدعوها للسير .
قلت : هذا كله صحيح . ففي التاج : ( أرْ أَرْ ) بسكونِ الرّاءِ فيهما : مِن دُعَاءِ الغَنَمِ .
قلت : ثمالة تقول : ( إرْ إرْ ) بكسر الهمز .
أما ( حِيْ ) فقد ورد في اللغة اللفظ ( حا )على توسع في معناه ، قال الشيباني في كتاب الجيم :
والحيحاء: دعاء الغنم لترعى وتثبت ، تقول : حاحيت . وأنشد للحنفي في الحيحاء :
وهوازنٌ خَلْفي تُحاحِي بشَائِها ... وأَسْفَل مِنَّا وسْطَ أَزوادها الفَزْرُ
قال في اللسان : حا : هو زَجْر للكبش عند السِّفاد ، وقال ابن سيده حاءٍ أَمر للكبش بالسِّفاد ، وقيل :
هو زَجْر للغنم أَيضاً عند السَّقْي . يقال : حَأْحَأْتُ به وحاحَيْتُ ، وقال أَبو خَيرَةَ : حأْحأْ ،
وقال أَبو الدقيش : أُحُو أُحُو .
وأَنشد لامرئ القيس : قَوْمٌ يُحاحُونَ بالبِهامِ ...
قال أَبو زيد : حاحَيْتُ بالمِعْزَى حِيحاءً ومُحاحاةً : صِحْتُ . وقال أَبو عمرو : حاحِ بضَأْنِك وبغَنَمِكَ أَي : ادْعُها . وأنشد :
أَلجَأَني القُرُّ إِلى سَهْواتِ / فِيها وقد حاحَيْتُ بالذَّواتِ
( قال : والسَّهْوةُ صَخْرةٌ مُقْعَئِلّةٌ لا أَصل لها في الأَرض ، كأَنها حاطت من جبل ، والذَّواتُ المَهازِيل )
قال الجوهري : حاءٍ : زجر للإبل بُني على الكسر لالتقاء الساكنين وقد يقصر . وقال أَبو زيد :
يقال للمعز خاصة حاحَيْتُ بها حِيحاءً وحِيحاءةً : إذا دعوتها . قال سيبويه : أَبدلوا الأَلف بالياء
لشبهها بها ؛ لأَن قولك : حاحَيْتُ إِنما هو صَوْتٌ بَنَيْتَ منه فِعْلاً كما أَن رجلاً لو أَكثر من قوله : لا ،
لجاز أَن يقول : لالَيْتُ ، يريد قُلتُ : لا .
قلت : تبين أن اللفظ ( حا ) مقصور أو ( حاء ) بالهمز أو ( أحو ) كما نقل عن أبي الدقيش . والفعل ( يحاحي )
وقد تعددت الأقوال في المخاطب كما رأيت ، فقيل المعز وقيل الضأن وقيل الكبش خاصة وقيل الإبل ...
وثمالة تقول : ( حِيْ ) بالياء وتخص به الضأن ، إلا أن الفعل ( يتاحي ) لا أعرف وجه علاقته
بالصوت ( حي ) إذ من المعلوم أن هذه أسماء أصوات ، وفي أوضح المسالك لابن هشام :
هي نوعان أحدهما : ما خُوطِبَ به ما لا يَعْقِلُ مما يُشْبه اسم الفعل ، كقولهم في دعاء الإبل
لتشرب : ( جِى جِى ) ) غيرمهموزَيْنِ وفي دعاء الضأن ( ( حأ حأ ) ) والمعز ( ( عأ عأ ) مهموزين ،
والفِعْلُ منهما : حاحَيْتُ وعاعَيْتُ ، والمصدر : حَيْحَاء وعَيْعَاء ، قال :
يَا عَنْزُ هذَا شَجَرٌ وَمَاءُ ... عَاَعَيْتُ لَوْ يَنْفَعُنِي العَيْعَاءُ