عرض مشاركة واحدة
قديم 05-23-2012   رقم المشاركة : ( 17 )
المقداد
كاتب مبدع

الصورة الرمزية المقداد

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 3563
تـاريخ التسجيـل : 12-02-2009
الـــــدولـــــــــــة : ضوء الظل
المشاركـــــــات : 1,283
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 89
قوة التـرشيــــح : المقداد تميز فوق العادة


المقداد غير متواجد حالياً

افتراضي

أهلاً بكم مجدداً .. وسأعود للمشاركات بعد هذه الحلقة .

أنا مسؤول عما إتخذته من قرار بشأن عودتي للقرية ! حتى الرويعي لا يستطيع إقناعي بالبقاء في المدينة؛ هي لا تعني لي سوى من بعض مصالح أستطيع تدبر أمرها بين فينة وآخرى ..فشوارعها وأزقتها الضيقة لا تربطني بها أي روابط وذكريات؟ أحيائها المكتظة بالناس لا تعرفني كما هي القرية, أنا أتنازل من أجل إعادة بناء القرية من الضياع ومن السقوط في فك الهجر والإبعاد !! من أجل حب عميق لم يكن لينسى في ظل ظروف الحياة الهوجاء .
ستسقبلني سعيدة جداً وبعودتنا سترقص عصافيرها ويبتهج كل شيء عرفته فيها , لعلي أحلم !....لعلي أحلم ! فأفيق من نومي باكراً على شقشقة عصافير (الوجي والكعتان), على جلبة الماعز والأغنام, أفتح نافذتي لتلقاني نسمات من ريحان وعبير وشذا الوديان, يا يا لروعة المكان, يا لسحره الهادئ, يا للقرية مرجع الولهان .
خيوط شمسها زاهية كسبائك الذهب تبث السعادة, تبث الأمل, ليلها هجوع وسكون, خلود ودعه, ونهارها دأب وتفاني, فرحتها تعم كل شبر وحزنها حزن عميق ...
يبدو أني أستغرق وأنسج أحلاماً في الكرى يجب تحققها !! بل ينتظر مجيئها وأنا من سيستقبلها...! كيف لا أحلم ..؟ أو أتألم .؟ من أجل قريتي, من أجل دمي ولحمي ..

هناك منادي من بعيد .. في أعلى الجبل النائف على منزلنا يصيح باحثاً عن شاة ؟ فقدها وهو في مقيله تحت شجرة سدر كبيرة؟ تظلل تحتها وغفى ولم يتنبه الا متأخراً عن تلك الشاة التى تاهت في الجبل !!
صاح بعالي الصوت هل رأيتها ؟؟ بكل حرارة في الأسف أنا من سكان المدينة ؟ لا أعرف كيف أساعده أو أعثر عليها !! الشمس حارقة على جسدي وأشواك الجبل تؤذي قدمي ..؟ أنا حقاً لست متعود على ذلك !! هل تتوقعون ذلك ...؟؟
أم أنني سأجيب ندائه فوراً وألبيه من قمة الجبل الآخر باحثاً عن شاته وعازماً في العثور عليها قبل أن يلتهمها الذئب, هؤلاء هم أبناء القرية دين وخلق كرم وشيمة تربية نقية لا تشوبها الأخلاط, هكذا عرفتهم وهكذا تربينا على الشمائل الحميدة على الخصال الحسنة على حب المعونة .

أعود للواقع ولنكن منصفين قليلاً ..
كم تبعد قريتنا عن المدينة ..؟ عشرون كيلاً ..؟ ثلاثون ..؟ أربعون... ؟
لا أظن مطلقاً أن هذه المسافة اليسيرة و التى نقتطعها في فترة وجيزة ستحول بيني وبين أصل نشأتي, بيني وبين أهلي ورفاقي, بين أحلامي الصغيرة التى طالما منيت النفس أذا ما كبرت بتحقيقها ؟؟ إن أكبر حلم أرجو تحققه هو العودة الى القرية, لنحتفل من أجلها لنلتحم وننسجم كما كنا عليه في السابق؛ بتلقائية بسيطة وعفوية دون غلّ وغش ..
أعلم يقيناً أن هناك من يعارض ما أقوله وينفر من هذا الرأي ؟ هناك من تلزمه الظروف بعمل بعيد أو مشفى قريب, لكن أين بقية القوم ؟؟ أنا سأجيب .. إنهم في المدينة !! رحلوا للمدينة !! باعوا أغنامهم وماعزهم؟ لملموا أمتعتهم, وأوصدوا أبوابهم بأقفال كبيرة ؟؟
نعم ارتحلوا لذات العمران والمباني الشاهقة, لذات الأرق الذهني وجلد الذات! لذات التكلف والبهرجة الممقوتة, للملل الرتيب, أزعم بأن الكثير منهم لم يجرب الإنغماس في القرية ولم يستظل تحت أشجار سدرها وعرعرها ؟ لم يكلف نفسه حتى إستنشاق هوائها العليل المشبع بالشذا والشيح..؟ لم يعرض جسده المتخم بالأوجاع والعنى لهبوب الريح ويلقي بكل همومه وآهاته على مهبها, لم يرتوي من ماء آبارها قبل أن تصبح أجاج, لم يأكل من خيرات مزارعها, ولن يهتم كثيراً لما جادت به الماعز من حليب وفير يشربه أهل البيت ويصنعوا منه الزبدة والسمن, لم تقوده قدماه يوماً نحو حوطة البرشومي ليلقي نظرة على أعواد النحل ليشاهد عن كثب أبوه بمدخنته وسكينه يقتطع أقراص العسل ؟

هو يجهل ما أعنيه تماماً ويستوحش كل تيك الصور ويعتقد بأنها جلد لشخصه وخدش لتاريخه وقوة ليس بمقدوره إحتمالها!! ولو تأمل وتعايش مع كل ذلك لا أظنه سيرضى بغيرها بديل ولو خيّر.

كل ما إتسع الخلاف بيني وبين مناصري المدينة يزيدني ولعاً بالقرية لأنها باقية, بعبقها, وبفعلها, وبذاكرتها التى نسجنا نحن وجودها؛ فتكونت معالمها, جبروت النسيان جعلها نهباً للعوادي وقسوة الزمان, ومهما كبر الخلاف لن يقصيها عني لأنها تتدانى الطرق إليها .


في الختام أرجو الله أني ساعدت في لفت أنظاركم نحو هدف هذا الموضوع للتفكير بشيء من الجدية حول الإرتحال الى ثمالة بعد أن شكت لي الهجر, والفقر, والوحدة و الإنعزال عن الوجود ! أدركت حينها أني مجبر للبوح عما كان يخالجها في أنين وألم ومجبر كذلك للحنين إليها وإستقبال ندائها لأنها تعيش داخلنا ..


إبن القرية / المقداد
آخر مواضيعي

التعديل الأخير تم بواسطة المقداد ; 05-23-2012 الساعة 11:54 PM
  رد مع اقتباس