رد: الطريق الى المدينه ..
الطريق الى المدينه(4).
بسم الله الرحمن الرحيم
يقولون في ألأمثال(الحكم) الثمالية القديمه, لا تقل برا حتى توكي عليه , والآن وليس قبل هذا الآوان بأستطاعة ابن ابي محمد أن تنفرج أساريره ويطمئن على بره وعلى جودة وكائه بعد أن أصبح على متن ظهر اللوري في طريقه متوجها الى المدينة ..
فهاهو برفقة ثلة تزيد على عشرة (من ضمنهم خاله ووكيله الشرعي)ركاب متوجهين الى السوق , هاهم وقد شارف الوقت على الظهيره جلوس على أغطية الهواري (صناديق البضائع) التي تتالت رصاتها بأنتظام فوق بعضها حتى وصلت الى أعلى مستوى بصندوق اللوري ..
هاهم جلوس وبعضهم متكئون في جلساتهم على حواف الحنايا (مواسير سقف الصندوق) في انسجام نفسي وأرتياح لا يماثله سوى ما يشعر به ركاب يخوت النزهة الفارهة بعرض البحر في هذا الزمان , وبعضهم الآخرهاهم قعود أمامهم على البرندة وارجل نفر منهم تتدلى من الأعلا على سقف الغمارة في حين غرة وغفلة من السائق ومعاونه اللذين تثور ثائرتهما ويتضايقان الى أبعد حدود الضيق من هذه الجلسة الممنوعة والخطيرة ..
والركاب وهم في أوضاعهم المتواضعة تلك لا يبدو عليهم من علامات الضيق أو التبرم والملل شيئا , وانما ترتسم (في الغالب)على محيا كل واحد منهم علامات الأبتهاج وسمات الرضى أذ لا زالوا يومها على قدر كبير من البساطة والقناعه لأن الدنيا لم تفتح عليهم بعد فيفتتنوا بها ويصابوا في خضم صخبها وحمى سباقها بالنهم والهم والأضطراب واضطرام روح التنافس على زخرفها الزائف وحطامها الزائل كما حل بالذين من بعدهم فدب اليهم داء الأمم من قبلهم الحسد والبغضاء ...
فطوياتهم يومئذ لا زالت محتفظة بالكثير من نقائها , والصلات الحميمة والألفة الصادقة لا زالت النفوس بها عامره , لذلك كان يتعطش بعضهم الى بعض وكانوا يتميزون بتذوق الفكاهة والتخلق بروح الظرافه والطرفه , فلا غرابة أن تسمع جلبة اصواتهم ترتفع بين كل فينة وأخرى وتعلوا معها قهقهاتهم عقب النكات المتتابعة والقفشات المتعاقبة التي يتجاذبونها بأستمرار فيما بينهم , وأن طرأ طارىء وتقلصت بسببه روح المرح فما أسرع عودتها وأعتلاء الأبتسامة لوجوه الجميع وكأنهم لم يروا في ساعة من الدهر هما او يلم بهم غم ..
السائق والمعاون قد يبدو عليهما أحيانا الأنشغال وشيء من ألأجهاد بعد التعب من يوم جاد سرحا فيه من الصباح الباكر وحملا الهواري (صناديق البضائع) من وادي الى آخر ومن مدور الى مدور يرصانها بمعاونة أصحابها صفوفا فوق بعضها البعض بشكل ملتحم ومنتظم داخل الصندوق (بعد نزول الركاب المتكرر في كل مره) مع حشرها الى جوار بعضها بواسطة ما كان يسمى بالليور والقده لسد أي فراغات قد تبدو بينها وحشوها أن وجدت بخصائص وشقائر خشبية صغيرة متنوعة الأحجام والأطوال ...
هذه الرحلة التي بدأت من الصباح الباكر لن تنته ويصل اللوري الى الطائف ألا بعد خروج المصلين من صلاة الظهر بساعة او ساعتين , فالطريق ترابية عكظة بالكاد تستوعب العجلات وتستوجب من السائق الحذروالتمهل في القياده , والدرب مليء بالميلات والأنعطافات والمنحدرات والطلعات التي ينطفىء فيها محرك اللوري نتيجة الحمولة المفرطة في الزيادة ووعورة الطلعات التي معها يضطر السائق للتوقف بها عدة مرات أحيانا ينزل خلالها الركاب حفاظا على سلامتهم ويساعدون المعاون في تحجير العجلات من الخلف كلما أنطفأ المحرك وتوقفت السيارة وهمت بالرجوع الى الوراء ...
ولا تستغربوا ما جاء في وصفي لحالة الناس المعنوية وروحهم الرياضية التي كانوا يتمتعون بها خصوصا أهالي علو الديرة الذين كان التغير لا يصلهم ألا متأخرا قليلا مقارنة ببقية ربعهم من أهل اسفل الديره , فهذا واحد من جيلنا (يعرفه بعضكم) سأضرب به لكم المثل للتدليل على ما زعمته , فقد كان يرعى غنم ابي عائض في السديرة مقابل ألأقامة والزاد والسكن لكي يتمكن من الأقتراب من المدرسة الليلية وينضم لما كان يسمى في حينها بمكافحة أو محو الأمية ..
كان هذا الشاب القوي العزيمة والأرادة عندما يضوي بغنم ابي عائض مساء (قرب مغيب الشمس) يتناول الأفطار في رمضان الذي تزامن لعدد من السنين مع أجازة الصيف ثم يأخذ عصاته ويسري كل ليلة مشيا على الأقدام من السديره مرورا بوادي آل عمر ثم الروي ثم الشعبة الى أن يصل الى العويجاء ثم يتجه بعدها الى مكان السمرة(البشكه) التي أن لم تكن منعقدة بالعويجاء سيجدها بالفرعة او جرموز او السد او عتام ..
وتمتد السمرة (التي تنقضي وكأنها لحظه) حتى موعد أقتراب السحور , فيتسحر ويسري عائدا من نفس الطريق مشيا ليصل الى السديرة مع طلوع الضوء ليسرح برعيته من جديد ويمضي سحابة يومه خلفها وعن ميمنتها وميسرتها ينام غفوة ويصحو برهة وهو يكفكف اولها على تاليها في المفالي ورؤوس الجبال ويحرسها من الذئآب أن كان هناك ذئب غيره , فهو الذئب الذي قضى ليله ليلة البارحة التي سيتبعها اللاحقة بين المشي والسمر واعقبها نهاره في التعب والنصب ليصدق في وصفه قول الشاعر :
ينام بأحدى مقلتيه ويتقي @@بأخرى المنايا فهو يقضان نائم ...
فهل بربكم كان سيتحمل هذا الذئب ما تحمله لولا أن الأنس بالأنس كان غاية المنى يوم كان الناس ناسا ؟و هل أيقنتم بعد هذا المثل الذي لا زال ابطاله احياء بينكم بأن ابن ابي محمد لم يكن مبالغا فيما وصفه لكم ؟؟...
والى هذا التساؤل نتوقف بكم على أن نستأنف بقية السلسة في المقالات القادمة أن شاء الله , ولؤلائك النفر المتعطشين لمشاهد الرعب والعنف نقول لهم صبرا فأن دراما الرعب تحتاج منا الى حبكة وبهارات نادره والى أخراج جيد أخاذ ..
صبرا فأن موعدنا معكم ومع ما تحبون وتأملون لم يعد بعيدا , وشكرا ..
|