ذهبي
|
رد: الطريق الى المدينه ..
الطريق الى المدينه(7) .
بسم الله الرحمن الرحيم ..
وصلنا الى المطاعم التي علمت قبلا أن من أهمها المندي والرواسين ومطعم عالي (رز وأدامات),,, كما قيل لي ايضا أن أول من أفتتح مطعما للمندي بالطائف (اثناء العصور الوسطى) أثنان من ثماله (من آل مقبل) وهما الشبكه وحمدان الطباخ ثم لاحقا (في العصور الحديثه) بدأ المندى يظهر وينتشر في بقية مدن المملكة ثم انتقل مؤخرا الى الخارج ..
الأكل في الأسواق بما في ذلك المطاعم كان (خلال العصور القديمة) سلوكا مذموما وخادشا للمروءة والحياء وطاعنا في العدالة , وكانت ثماله وبقية القبائل قديما لا يأكلون اذا كانوا متواجدين في الأسواق(المدن) الا داخل بيت له باب وأصحاب, ولم تتداع هذه العادة الا في العصور الوسطى التي قيل لي بأنه لم يبق خلالها من ثمالة ثابتا ومتمسكا بأعراف الآباء والأجداد وشيمهم في الأمتناع عن الأكل في الأسواق سوى أربعة وهم من آل مقبل كل من ابن سافر وحمدي بن جميل رحمهما الله والرياشي رحمه الله من الضباعين وابن كليب رحمه الله من آل زيد ..
ومع أنهيار هذا العرف استباح الكثيرون الأكل في المطاعم ألا مطعما واحدا ظلت ثمالة وغيرها من القبائل فترة من الزمن تستعيب دخوله وتعتبر الوجبة المقدمة فيه من المحظورات على الرجال , وهو مطعم الروس والمقادم , لذلك يقال أن أول من تجرأ وفتح لها مطعما بالطائف كان وافدا من اليمن ..
ويبدو لي أن منشأ هذا الغلو في الأمتناع عن اكل الرؤوس مصدره ترسبات من عادات الأولين الذين كانوا أذا حلوا ضيوفا على أحد منهم فأنهم لا يأكلون شيئا من سلب الذبيحة ويتركونه لنساء الحي ونساء المعازيب ليطبخنه لاحقا ويأكلنه في اليوم التالي ..
والسلب هو الرقبة والرأس والكرش , علما أنه بدخول ابن ابي محمد فاتحا للمدينة كان قد مضى وقت لا بأس به على أنهيار هذا العرف الذي يعيب على الرجال أكل الرؤوس , لكن من كانوا (من رفاقي) حينها في الخمسينيات من أعمارهم قد عاصروا وخبروا كل تلك التحولات وكثير منهم شارك في التمرد عليها حتى تمام اندثارها ...
والآن دعونا نعود بكم لصلب موضوعنا :
وقع اختيار الركاب لتناول الغداء على مطعم عالي الذي يبيع عادة ادامات منوعة وارزا حسن التبهير, وقد نصحت بطلب صحن ارز وصحن أدام معرق (واحد نفر رز وواحد نفر معرق) , وهو غداء لذيذ بما تعني الكلمة ومعتدل السعر , فأرز عالي كان لا يعلى عليه في تميز نكهته وحسن تبهيره وكذلك الحال بالنسبة لأداماته في وقت كانت فيه اللحوم نقية وحرية (محلية 100% )..
فلدى عالي حينها كانت الريالان تغدي النفرالواحد (سعر نفر الرز بريال واحد وكذلك سعر نفر الأدام مع العيش والزلطه) , لذلك كانوا يتداولون طرفة تقول : أن ريفيا غشيما وشحيحا قدم الى المدينة لأول مرة في حياته (كأبن ابي محمد) وذهب لمطعم عالي لتناول وجبة الغداء , وعندما سأله المباشر عن طلبه ؟ , رد عليه قائلا , بكم طلبية الغداء كاملة ؟ , فقال المباشر , الرز بريال والأدام بريال والزلطه والعيش بلاش , فكرر عليه السؤال للتأكد, الزلطه والعيش بلاش ؟؟, والمباشر يجيبه بنعم في كل مره , فما كان منه (الريفي الغشيم الذي يطأ الهشيم) الا أن رد قائلا , طيب جب لي خمسه عيش وخمسه زلطه وعجل بها علي تراني عجلان وورايه اشطان ماني فاضي مثلكم (يعني ما يبغي الا البلاش)..
بعد تناولنا للغداء ذهبنا بتلقيمة الشاي (لعميل الهباط المعتاد) لمقهى حمود رحمه الله الذي كان مجاورا لمطعم عالي , وحمود صاحب هذا المقهى كان رجلا عصاميا قنوعا نظيفا وشريفا أفيفا , ولد ونشأ في البلد (المدينه) لام سليمانية واب سفياني , ولهجته ولبسه وعاداته كانت طبقا لبيئتة ومحيط نشأته بمسقط رأسه وهو البلد (يعتم رحمه الله بالغبانه تتوسطها الطاقية البارزة الطويله ويحتزم بالبقشه)..
وكان (جعل الله الجنة مأواه) لا زال متمسكا بالعادات القديمة لأهل البلد (الحاضره) التي تستعيب تدخين الشيشة او الأتجار بها , وكان مقهاه نظيفا وخاليا من الشيش والتجمعات وهادئا لا يسمح فيه بالضوضاء او كثرة المزاح , واخطر المزاح الذي لا يغتفر عنده كان الأتيان على طاري الشيشه .
لذلك كان بعض الزبائن المغرمين بالمزاح يرمي عليه وهو مغادر للقهوة كلمة عارضة يقول له فيها , أنت وراك يا عم حمود ما ترزق الله وتشوف لك دبره تطور بها قهوتك وتجيب لك فيها كم من شيشه ؟ , فما أن يسمع رحمه الله كلمة الشيشة ألا وتثور ثائرته ولا تهدأ وكأن أحدا قد ذمه بأقذع الكلمات ووصفه بالنابي من الأوصاف , وربما أن عرج على القهوة ثانية طرده شر طردة ومنعه من الدخول اليها ...
ابن ابي محمد في تلك الأثناء كانت قذ تحولت عنده قضية السياكل الى عقدة نفسية مستعصية يصعب حلها والى وسواس قهري قد تمكن منه غاية التمكن, فقد تلاحظه وهو يأكل في معرق وأرز عالي اللذيذين زائغ النظر شارد الذهن يحدث نفسه ويهنهن بغمغمة وكلمات مبهمة يقول فيها , طيب ليش هالحين هاللي مسوين من أنفسهم عراف واهل أصاله وقاله وشكاله عمال ياكلون في المطاعم اللي كانت عيب عند اللي عقبوهم واللي جابوهم واللي خلفوهم , وهالحين جايين قدامي يسونها عليه قبيله ويستعيبون على ابن ابي محمد أنه يحط يده على قرون واحده من مزاين هالسياكل اللي تاخذ العقل ؟؟ , لا بالله هذا هو الظلم بعينه وهالربع هم الظلمه ما غيرهم , وهذي هي أزدواجية المعاير وهذا هوالكيل للناس بمكيالين...
وتراه أحيانا أخرى يشمت في نفسه بالمتباكين على العادات القديمة وهم يرون انهيارها ويكثرون من الجدل حولها والأسى عليها , يشمت بهم ليتشفى منهم ثأرا من المشنعين عليه بالأمس عندما أبدى لهم أعجابا (مشوبا بالحذر) بركوب السياكل ولو ساعة من نهار ..
هكذا بين عشية وضحاها تحول ابن ابي محمد في قرارة نفسه من شاكر لمن أخذوه معهم الى السوق الى ناقم عليهم وعلى مجتمعه الصغير , وثائر على المواريث والأعراف والعادات القديمة , بل ربما بادر بالرد على كل متعصب لها حالما يسمعه يدافع عنها او يحاول ايجاد تبرير لشيء منها قائلا :
بالله عليكم تتركونا من هالهرطقات (مع انه ايامها يسمع بالهرطقه ولا يعرف معناها لاهو ولا السامعين له) واعلموا أنه لا حلال بعد اليوم الا ما أحله الله ولا حرام الا ما حرمه الله ولتذهب العادات البالية والقوانين المخالفة لما شرع الله الى سواء الجحيم , وليكن في علم الجميع بأننا لن نمتنع بعد اليوم الا عن شيء نهانا الله عنه حتى لو كان هذا الشي المنهي عنه هو ركوب البسكليتات أو قيادة المرأة للسيارات ..
والى هنا نتوقف بكم حتى لا نطل عليكم , فكونوا متابعين معنا في ما يقبل من الحلقات التي ستسخن فيها الأحداث وتحمر بها الحدق , وشكرا ...
|