الجاسر: عدم التزامنا بالمعيار المحاسبي لا يؤثر على الشفافية ويتماشى مع استراتيجيتنا الجديدة
ديوان المراقبة العامة يطلب من "الاتصالات السعودية" الإفصاح عن المعلومات القطاعية.. والشركة تعتذر بحجة المنافسة وعدم تأثيره على القوائم المالية
كتب - خالد العويد:
قالت شركة الاتصالات السعودية انها لن تفصح عن المعلومات المالية المفصلة الخاصة بقطاعاتها الرئيسية رغم طلب الافصاح الذي قدمه ديوان المراقبة العامة اثناء الجمعية العمومية التي عقدت يوم الاثنين الماضي وفقاً لمتطلبات معيار التقارير القطاعية للهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين.
ويحضر مندوبون من ديوان المراقبة العامة للجمعيات العمومية التي تعقدها الشركة المساهمة التي تمتلك فيها الدولة حصصاً مؤثرة ويناقشون مع مجلس الادارة ملاحظاتهم على القوائم المالية.
وقال الدكتور محمد الجاسر رئيس مجلس ادارة شركة الاتصالات السعودية في تعليقه على طلب الافصاح اثناء الجمعية العمومية ان الشركة لا ترى في عدم افصاحها أي أثر على نتائج اعمالها ودقة البيانات والقوائم المالية وشفافيتها المعلنة للمساهمين والجميع يتفهم اسباب عدم الافصاح خاصة ما يتعلق بالمنافسة وتغيير استراتيجية الشركة وسيبدأ نشر المعلومات مع تطبيق الاستراتيجية الجديدة.
من جهته قال سعود الدويش رئيس شركة الاتصالات السعودية ان عدم الافصاح عن المعلومات التفصيلية للقطاعات وعدم الوفاء بالمعيار الصادرة من الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين لا ينتج عنه تأثير على نتائج الشركة وأعمالها وعدم الافصاح يعود إلى انه مع المنافسة الجديدة ستتحول الشركة إلى هيكل جديد يرتكز على العملاء وبالتالي فإن تفصيل القطاعات يجب ان يكون على ضوء الهيكل الجديد والذي سيبدأ تطبيقه في منتصف العام الحالي.
وأبدى المحاسبون القانونيون تأييدهم لوجهة نظر الشركة وللحالة التنافسية وقالوا اننا نتفهم مبررات الشركة كما ان الافصاح عن المعومات القطاعية هدفه توفير معلومات تكميلية وتثقيفية لقارئ القوائم المالية.
تجدر الاشارة ان معيار الافصاح عن المعلومات القطاعية يهدف إلى توفير معلومات عن أنشطة المنشأة المختلفة والمحيط الاقتصادي الذي تعمل به المنشأة، بما يمكن مستخدمي القوائم المالية من فهم أداء المنشأة، وتقويم قدرتها على توليد التدفقات النقدية في المستقبل، والتوصل إلى حكم مستنير حول وضع المنشأة بصفة عامة.
وكان ديوان المراقبة العامة قد أثار هذا الموضوع في الجمعية العمومية بالاضافة إلى جدوى استمرار برنامج تحسين القوى العاملة وارتفاع مصاريف الأعمال الاستشارية.
وأوضح مجلس ادارة الشركة ان عدد الموظفين المستفيدين برنامج تحسين القوى العاملة وصل إلى 5919موظفاً وتقدر الشركة الفوائد التي ستوفرها الشركة من برنامج التقاعد المبكر بستة مليارات ريال للعشر سنوات منذ بداية تطبيقه في عام 2001م وفائدته تعود على الشركة أكثر من الموظف ووفقاً للخطة الاستراتيجية فسيستمر البرنامج حتى 2010م للوصول بعدد العمالة إلى الحاجة الفعلية للشركة.
وبالنسبة للزيادة في الأعمال الاستشارية والتي تضمنتها المصروفات الادارية والتسويقية في 2006م والتي بلغت 199مليون ريال بزيادة 79مليون ريال عن العام السابق فقد أوضحت الشركة ان هذه الزيادة تلبي حاجة الشركة للمرحلة الحالية التي بها السوق والمنافسة الحالية اضافة إلى متطلبات المرحلة القادمة لإعادة الهيكلة وتهيئة الأنظمة حيث خصصت المبالغ السابقة واستحدات تقنيات جديدة.
تجدر الاشارة ان شركة الاتصالات السعودية حققت خلال العام الماضي صافي دخل قدره 12799مليون ريال مقارنة بصافي الدخل للعام 2005م الذي بلغ 12447مليون ريال بنمو قدره 2.8%، ووافقت جمعيتها على اقتراح مجلس الادارة توزيع أرباح عن الربع الرابع للعام 2006م بمقدار (1.5) ريال للسهم وسيتم توزيعها يوم الاربعاء القادم 1428/3/23ه علماً انه سبق توزيع (4.25) ريالات للسهم عن الثلاثة الأرباع الأولى من العام نفسه، ليصبح اجمالي ما تم توزيعه من أرباح بنهاية عام 2006م 5.75ريالات للسهم.

غسل الأموال.. وجهود المكافحة
محمد عبدالعزيز المحمود
كان لبلادنا المباركة المملكة العربية السعودية بتشريعاتها التنظيمية قصب السبق في تحجيم ظاهرة غسل الأموال، والحد من أخطارها، وتضييق الخناق على فاعليها، حيث صدر نظام مكافحة غسل الأموال بموجب المرسوم الملكي رقم م / 39وتاريخ 1424/6/25ه الموافق 2003/8/18م ، حين فصّل النظام في مواده التسعة والعشرين هذه الجريمة، وطرق مكافحتها، والعقوبات المترتبة عليها، فابتدأ النظام بتعريف هذه الجريمة وتحديد الأفعال المجرّمة حيال الأموال المكتسبة بطريقة غير مشروعة، ومحاولة إدخالها، أو تمريرها عبر النظام المصرفي لكي تظهر كأموال نظيفة، ثم عرّف النظام هذه الأفعال، وحدد الأشخاص والكيانات التي قد ترتبط بتلك الأفعال، كما حدد النظام العقوبات التي تقرر على الأنشطة الإجرامية.
وعلينا قبل الخوض في غمار هذه الجريمة أن نبيّن للقارئ الكريم المقصود بهذا المصطلح الاقتصادي الحديث الذي تتداوله ألسنة الكثير من أفراد المجتمع دون علمهم بحقيقته النظامية ؛ فهو مصطلحٌ يُطلق على ارتكاب أي فعلٍ أو الشروع فيه يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافاً للشرع أو النظام، وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر.
ونظرا لخوف هذه الفئة التي تكسب أموالاً غير مشروعة من المساءلة القانونية، وخشيتهم من الناس الذين سيتطرق إلى أنفسهم الشك من هذا الثراء الفاحش الذي يحصل
عليه المرء فجأة وبدون مقدمات ؛ فإنهم يقومون بأعمالٍ ونشاطاتٍ ظاهرها الشرعية للعمل على محاولة الإخفاء والتعتيم على المصادر غير المشروعة للأموال التي يكتسبها الفرد بأساليب عديدة ومتنوعة لتضليل الجهات الأمنية والقضائية وإدخال هذه الأموال في دورة عمليات مشروعة وشيئاً فشيئاً إلى أن تكون واجهة حسنة أساسها كسبٌ غير مشروع.
وبذلك يمكن قبول المصطلح القانوني على أنه من قبيل المجاز فحسب، أمَّا حقيقته فهي ليست في غسيل المال وإنما إضافة تلويث إليه بالخداع في مصدره وإخفائه بطرق احتيالية.
ولذا فقد جاء نظام مكافحة غسل الأموال بتحديد الأفعال المجرّمة حيال الأموال المكتسبة بطريقة غير مشروعة، حيث نص في مادته الثانية على أنه: يعد مرتكباً جريمة غسل الأموال كل من فعل أي من الأفعال الآتية:
1- إجراء أي عملية لأموال أو متحصلات، مع علمه بأنها ناتجة من نشاط إجرامي أو مصدر غير مشروع أو غير نظامي.
2- نقل أموال أو متحصلات، أو اكتسابها أو استخدامها أو حفظها أو تلقيها أو تحويلها، مع علمه بأنها ناتجة من نشاط إجرامي أو مصدر غير مشروع أو غير نظامي.
3 إخفاء أو تمويه طبيعة الأموال أو المتحصلات، أو مصدرها أو تحركاتها أو ملكيتها أو مكانها أو طريقة التصرف بها، مع علمه بأنها ناتجة من نشاط إجرامي أو مصدر غير مشروع أو غير نظامي.
4 تمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية والمنظمات الإرهابية.
5 الاشتراك بطريق الاتفاق أو المساعدة أو التحريض أو تقديم الرشوة أو النصح أو التسهيل أو التواطؤ أو التستر أو الشروع في ارتكاب أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في هذه المادة.
وإذا تأملنا الفقرة الأولى علمنا أن النظام اشترط العلم بكون هذه العمليات ناتجة من نشاط إجرامي أو مصدر غير مشروع، فنص النظام على تطبيق نظرية العلم التي تقوم على أساس المسؤولية الجنائية في حال قيام أي شخص بإجراء أو نقل أو اكتساب أو استخدام أو حفظ أو تلقي أو تحويل لأموال مع علمه بأنها ناتجة من نشاط إجرامي أو مصدر غير مشروع أو غير نظامي، وبالتالي فهي تنطبق على العمليات التي يتم تنفيذها أو تمريرها من قبل موظفي البنوك ومنسوبي القطاع المصرفي ومسؤوليتهم في حالة علمهم بأن تلك الأموال ناتجة عن أنشطة غير مشروعة أو غير نظامية.
ومعلومٌ أن الأنشطة الإجرامية التي نص عليها النظام في الفقرة الأولى من المادة الثانية والتي يعتبر الاشتغال بالأموال الناتجة عنها من عمليات غسل الأموال تشمل جرائم كثيرة منها:
الجرائم المنصوص عليها في المادة الأولى من اللائحة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988م المصادق عليها بقرار مجلس الوزراء رقم (168) وتاريخ 1419/8/11ه.
والجرائم المنظمة الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجرائم المنظمة عبر الوطنية (اتفاقية باليرمو) والموقع عليها بقرار مجلس الوزراء رقم (210) وتاريخ 1421/9/1ه، وأيضاً تشمل جرائم تزييف وتقليد النقود المنصوص عليها في المرسوم الملكي رقم (12) وتاريخ 1379/7/12ه ، وجرائم التزوير المنصوص عليها بنظام مكافحة التزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم (114) وتاريخ 1380/11/26ه والمعدل بالمرسوم الملكي رقم (53) في 1382/11/5ه، وكذلك تشمل جرائم تهريب المسكرات أو تصنيعها أو المتاجرة بها أو ترويجها، وجرائم تهريب الأسلحة والذخائر أو المتفجرات أو تصنيعها أو الاتجار فيها، وجرائم القوادة أو إعداد أماكن للدعارة أو الاعتياد على ممارسة الفجور.
وترتبط جرائم غسل الأموال ارتباطاً وثيقاً بجرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، وجرائم الاتجار بالجنس والقوادة، ومن ثمّ يتم تحويل الأموال المتحصّلة من ذلك إلى أموال مشروعة في الظاهر وإخفاء حقيقة كسبها والتهرب من القوانين المجرّمة لهذه الأفعال بأن تقام بها مشاريع ظاهرها الخير والنفع للمجتمع وهي في الأساس نتاجٌ خبيث لعملياتٍ محرمة غير مشروعة. إن مشكلة جريمة غسل الأموال أنها ليست جريمة واحدة ؛ بل هي عبارة عن عدة جرائم مركبة فهي أموالٌ محرمة لا يصح تملكها أو اكتسابها ثم تتحول بإجراءات معينة في الظاهر إلى أموال مشروعة ظاهراً والحقيقة أنها غير مشروعة، ثم يعمل القائمون عليها بمحاولة التهرب من القانون والمسئولية عن كسب هذه الأموال وحيازتها. ولقد حرصت المملكة العربية السعودية على مكافحة هذه الجريمة المركبة بتجريمها واتخاذ التدابير الاحتياطية للحيلولة دون وقوعها بأن قامت بإنشاء وحدة مختصة بمكافحة غسل الأموال تسمى (وحدات التحريات المالية) تختص بتلقي البلاغات الواردة من المؤسسات المالية وغير المالية والجهات الحكومية الأخرى بل ومن الأفراد أيضاً عن العمليات التي يُشتبه في أنها جريمة غسل أموال.
كما أسند النظام التحقيق في هذه الجرائم والإدعاء فيها لهيئة التحقيق والادعاء العام ويكون الادعاء أمام المحاكم العامة للفصل في كافة جرائم نظام غسل الأموال.
وإذا تأملنا إلى العقوبات الواردة في هذا النظام نجد أنها عقوباتٌ متناسبة مع عظم هذه الجريمة ؛ حيث وفّق المشرع في تقرير تلك العقوبات ؛ فجاء في المادة السادسة عشرة من النظام أنه: ( يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في المادة "الثانية" من هذا النظام بالسجن لمدة لا تزيد عن عشر سنوات ، وبغرامة مالية لا تزيد على خمسة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين..).
ولم يكتف النظام بتلك العقوبة الأصلية، بل جاءت عقوبة المصادرة كعقوبة تبعية لتلك الجريمة فنص النظام على: (.. مع مصادرة الأموال والمتحصلات والوسائط محل الجريمة، وإذا اختلطت الأموال والمتحصلات بأموال اكتسبت من مصادر مشروعة كانت هذه الأموال خاضعة للمصادرة في حدود ما يعادل قيمة المقدرة للمتحصلات غير المشروعة).
كما رغب النظام في الإبلاغ عن هذه الجريمة، فأجاز للمحكمة وجعل من حقها أن تعفو من هذه العقوبات للمبلّغ عن تلك الجريمة قبل علم السلطات بها تشجيعاً له على المساهمة في وأد تلك الجريمة. حيث جاء في المادة السادسة عشرة من النظام أن: (للمحكمة المختصة أن تعفي من هذه العقوبات مالك الأموال أو المتحصلات موضوع التجريم أو حائزها أو مستخدمها إذا أبلغ السلطات قبل علمها بمصادر الأموال أو المتحصلات وهوية المشتركين، دون أن يستفيد من عائداتها). ولقد شدد النظام في إيقاع العقوبة إذا اقترنت جريمة غسل الأموال بجرائم أخرى ؛ مثل ما إذا ارتكب الجاني الجريمة من خلال عصابة منظمة، أو استخدم العنف أو الأسلحة، أو كان الجاني يشغل وظيفة عامة تتصل بتلك الجريمة، أو ارتكب الجريمة مستغلاً لنفوذه وسلطاته، أو تسبب في التغرير بالنساء أو القصر واستغلالهم، أو كان ارتكابه للجريمة من خلال مؤسسة إصلاحية أو خيرية أو تعليمية أو في مرفق خدمة اجتماعية، ففي كل هذه الحالات فإنه تكون عقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة، وغرامة مالية لا تزيد على سبعة ملايين ريال. ومهما بلغت تلك العقوبات من مبلغ فإنها تعد سبباً في التضييق من تلك الجريمة، أو التخفيف من آثارها، ويبقى الوازع الديني والضمير الأخلاقي للفرد هو الرادع الأساس الذي يحول بينه وبين الوقوع في براثن الإجرام والفساد، والذي بموجبه تستقيم حياة الناس ويطمئنون في معاشهم ومعادهم.
@ باحث قانوني mmahmood@alriyadh.com