[المبرِّد]

المحور التاسع : ثلاثة آلاف عام عاشها في حياة لا إنسانية !!

إنها العقيدة أعظم هذه المحاور خطراً ... إذ هي المحك والميزان ، وعلى ضوئها تظهر حقائق الإنسان .
ولمعالي الوزير في هذا الشأن سقطات مهلكة ..ومنزلقات قاتلة وقد تكون للعمل محبطة 00 ومن الدين مخرجة ,ودونك من أفتى بهذا..فمن ذلك :
1- ما نشرته مجلة التايمز الأمريكية في 24إبريل سنة 1978م على لسان الدكتور غازي قوله :
إذا لم تأخذ في حسابك تطلعات شعبنا إلى الحياة الإنسانية عبر ثلاثة آلاف عام عاشها في حياة لا إنسانية فإنك تستطيع أن تقدّر مدى تلهفنا وعجلتنا للوصول إلى الحياة الإنسانية !! ([58]).
ولعلني أختصر التعليق على شناعة هذه المقولة التي وصفت عهد النبوة والخلافة الراشدة والقرون المفضلة من هذه الأمة ، والزمن الذي أضاءت به رسالة الإسلام أرجاء المعمورة ولازالت وستبقى ,وصفت هذه الياقوتة في عِقد تاريخ البشرية بأنه في دائرة الحياة اللا إنسانية !!
وأذكر بعض الردود عليه من قبل علمائنا الأجلاء ، ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى حيث قال في معرض رده عليه :([59])
ورغم صدور هذا الكلام في الصحف الأمريكية غير مرة وفي مجلة الاعتصام المصرية ، فإننا لم نسمع تكذيبا له من الدكتور القصيبي وذلك يدل على إقراره بما جاء فيه وإلا لسارع إلى تكذيبه وتفنيده .
وقائل ذلك الكلام يعتبر الفترة التي حددها بثلاثة آلاف سنة دون مستوى الإنسان وأن الناس فيها يعيشون حياة لا إنسانية، وهذه الفترة يدخل فيها زمن النبوة والخلافة الراشدة وعهد السلف الصالح ومن سار على نهجهم .
و لا شك أن ذلك نوع من أنواع الردة عن الإسلام لأن كل من انتقص الإسلام أو طعن فيه أو زعم أنه لم يحصل به إسعاد الأمة ولا رقيها ، أو زعم أن حالة الناس اليوم أحسن من حالهم في عصر النبوة والسلف الصالح على سبيل الإطلاق : فهو مرتد عن الإسلام ، مكذب للنصوص من الكتاب والسنة وإجماع الأمة وإن لم يشعر بذلك([60]) .
والذي هو معلوم حتى هذه الساعة أن القصيبي لم يتب من مقولته هذه الموجبة للردة ولم يعلن رجوعه عنها رغم أن سماحة الوالد الشيخ ابن باز رحمه الله قد طلب منه ذلك .

وكذلك رد عليه سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله فقال في معرض رده عليه في قول حياة لا إنسانية :
فإما أن يكون قائل هذا الكلام منكرا لدين الإسلام وما جاء به من خير وإسعاد للبشرية ، وإخراجها من الظلمات إلى النور ، ومن عبادة العباد على عبادة الله وحده ، ومن الجور والظلم إلى العدل والإحسان ..وإما أن يكون لا يعرف من التاريخ شيئا ولا يدري متى بعث الرسول وكم مضى على رسالته ؟
وكلاهما يساء بمعاليكم أن تتصفوا بواحدة منهما .
لقد تناقل الناس في الداخل والخارج هذا التصريح المنسوب لمعاليكم وتساءلوا عن الدافع لذلك واستنكروا صدوره من وزير ينتمي إلى دولة تحكم بالإسلام وتدعو إليه .. وحملوا كلامكم على أشياء يحتملها السياق أو لا يحتملها ما نود أنكم بريئون منه .. تقول مجلة الاعتصام : إنكم بموجب هذا التصريح تعتبرون أن حياة ملايين من المسلمين في الجزيرة العربية طوال هذه الأحقاب والأزمنة منذ ظهور محمد عليه الصلاة والسلام إلى اليوم هي حياة الحيوانات والديدان .. وأن الحياة الإنسانية هي التي يتطلع إليها هو وأمثاله ( تشير إليكم ) من الشباب الذين تخرجوا من جامعات أمريكا وأوربا ليعيشوا نفس الحياة التي كانوا يعيشونها في أمريكا وأوربا أثناء دراستهم : ويقول غيرها : إن معنى هذا الكلام المنشور في المجلة أن الله تعالى لم يشرع لعباده ما يصلحهم وأن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما عليه الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وعصور المسلمين الذهبية أن حياتهم حياة بؤس وشقاء كحياة الجاهلية الأولى الذين يعبدون الأصنام ويسفكون الدماء بأدنى سبب وبلا سبب ويئدون البنات ويرتكبون الفواحش ..وكنا نتمنى وننتظر من مثل معاليكم أن تمثلوا الدولة الإسلامية عقيدة وسلوكا في سفراتكم للخارج ، واتصالكم بالمسئولين ورؤساء الصحف ونحوهم ، وأن تفتخروا بذلك وتدعوا الناس إلى الإسلام بتبيين محاسنه وفضائله وما جاء به من الهدى والنور ([61]).

2- ومن مزالق العقيدة التي تردى فيها غازي ، ذكره في قصائده وكلماته ما هو مشعر بحيرته في الوجود ، وعدم معرفته لماذا جيء به !! محاكيا بذلك نمطية الشاعر التائه إيليا أبي ماضي الذي قال :
جئت لا أعلم من أين ... ولكنـي أتيت
ولقد أبصرت قدامي ... طريقا فمشيـت
لســـت أدري ..... لـسـت أدري
فهاهو الشاعر الوزير يقول :
إنني أجهل حتى مقصـدي أتمنى أنني لم أولــــد
أنا في قفر حياتي ضائــع سار في الركب بخطو مجهد ([62])
ثم قال :
يعجز العلم ..تعيا الفلسفة في جواب نشتهي أن نعرفه
ما الذي نبغيه ؟ ما بال الفتى ضائعا ما عاد يدري هدفه ([63])
ويقول في موضع آخر مخاطبا معشوقته التي لا ينفك عن ذكرها :
لن أستطيع أن أحل معضلة وجودك ... هذه حقيقة مؤكدة ..ولن تستطيعي أن تحلي معضلة وجودي هذه حقيقة مؤكدة ثانية..ذلك أن معضلات الوجود تعيش في دهاليز الروح المظلمة التي لا يتسرب إليها ضوء نجم ولا تدنو منها نسمة هواء ولا تطلع عليها عين قريب أو بعيد تعيش هناك تصطرع مع الكوابيس مع الأشباح مع الأسئلة التي لا تملك جوابا مع المجهول الذي يصب في المجهول ([64])
حيرة .. اضطراب .. قلق ..عجز العلم والفلسفة عن الجواب !!
فبالله من هذا حاله وهاتيك عقيدته يعيش مع المجهول وفي المجهول الى أي دين ينتمي ؟!!
أما المؤمن بربه المتدبر لكتابه الكريم فيعلم وربي الجواب :
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }سورة الذاريات آية 56 . المؤمن يعلم لماذا خلق وإلى أين المصير " كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر "
أما من تعيش روحه مع الأشباح والكوابيس ، فماذا عسى أن نصنع له وربنا سبحانه يقول : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ } ([65]).
أما أرواح المؤمنين فتعيش بحمد الله تعالى في بحبوحة الإيمان والطمأنينة والرضا بالله سبحانه عزَّ في علاه .
ثم يا معالي الوزير ..لماذا تذهب بعيداً في البحث عن معضلة وجودك ووجود محبوبتك وعندك شفاء ذلك ودواؤه ، ونوره وضياؤه في كتاب خالق الله وفي سنة رسول صلى الله عليه وسلم . ولذلك ليس بمستغرب منك أن تُعرض عن الهدى والنور ، وتضل في حيرتك ..ألم تثني على من يقول :
قد يعرف الله في فردوسه المللا .
ويقول : أنا أرفض الإحسان من يد خالقي .
ومع ذلك يثني عليه غازي بقوله :
شاعر فحل لا يزيده هجوم الهاجمين إلا شموخا .
إنه نزار قباني الساخر برب العالمين .
ثم يمدح معالي الوزير ويثني على أعمى البصر والبصيرة طه حسين فيقول عنه : الذي خلده التاريخ0

أتدري يا سعادة الوزير ما يقوله طه حسين ؟
خذ هذه وكفى ، يقول :
قد يحدثنا القرآن عن إبراهيم وإسماعيل ، وهذا لا يعني بالضرورة وجودهما التاريخي ([66])._ عليهما وعلى الأنبياء الصلاة والسلام
لا إله إلا الله .. وهل فيما أخبر به القرآن الكريم من قصص عن الأمم الماضية ورسل الله عليهم الصلاة والسلام مرية أو شك ؟! ( ومن أصدق من الله
حديثا ) .
ونواصل مع الوزير في جانب العقيدة .. تأمل كلامه الذي يهذي به في باب القدر والغيب .
يقول :
وللشعــر عين لو نظرت بنورها إلى الغيب لا ستشففت ما في بطونه([67])
ويقول :
ويلتصق الضباب على الوجوه كلعنة الأقدار
أتدري يا غازي أن مقدر الأقدار هو الله تعالى ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه الحكيم في تقديره : " يؤذيني ابن أدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار " ([68])
وقال عليه الصلاة والسلام : " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر "([69])
ألا تتق الله تعالى ، ألا تخافه ألا ترجوه وتخشاه ألا تفر إليه ؟ إنه لا ملجأ لك ولا منجا منه إلا إليه ، أما علمت أن أمر المؤمن كله له خير ، فهل يعي منك قلب ويتدبر هذه المعاني ؟ أم أنك كما قلت :
فتحت جفوني .. وياليتني .. بقيت وراء جدار الوجود ..ضريرا كسيحاً..عديم الشعور ..ولكنني جئت هذي الحياة ..إلى أن قلت : تعبت من الجري خلف السراب.
فهل اليوم الآخر وعالم الغيب سراب ؟ كم نسبة اليقين في قلبك بمنقلبك ومصيرك؟ ومآلك ومرجعك ؟
ودونك هذه النماذج التي يطلقها الوزير بدون خطام ولا زمام ،
إ ذ يقول في كتابه ( مع ناجي ..ومعها ):
نضبت رحمة الوجود جميعا وبك الرحمة التي ليس تنضب ([70])
فماذا بقي لله تعالى إذاً ؟! ورحمته سبحانه وسعت كل شيء ، نعوذ بالله من كلمة يقولها الرجل من سخط الله يهوي بها في جهنم "([71]) ، وفي رواية : " فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة "([72]) .
ويقول الوزير :
أنكر الجنة قلب ضجر أبديُّ النار موصول الجحيم([73])
ويقول أيضاً فقي كلام قبيح الزلة به مهلكة
إن الغيوم ترش الرذاذ لأني أحبك ..
الذي ينزل الغيث من ؟ ورحمة من ؟ يمسكه متى شاء ويصيب به من يشاء ؟ وما علاقة حبك وما أنت فيه من طيش ونزق وشهوة وجنس بالغيث يا غازي ، أعلم أنك ستقول هكذا الشعراء يعبرون عن خلجات قلوبهم بمثل هذا .
بمعنى أنك تقول يا غازي إذا لم تحب محبوبتك حرمنا القطر من السماء .
ويقول أيضا معلقا على ناجي :
يقول ناجي أنه من مواليد برج الجدي ، يا سيدتي الجدي ؟ برج صعب .. برج معقد ..الخ ([74])
وهل النجوم والكواكب وغيرها مما هو عالم علوي له أثر في العالم السفلي ؟
ثم إن هذه الأبراج ضربٌ من الكذب والاحتيال لا حقيقة لها .. وهي محض دجل وخرافة .
ويقول والعياذ بالله متشائما ومخاطبا معشوقته :
حياتك شؤم على العالمين وموتك شؤم على الآخرة
حياة واحد شؤم على العالمين ليس في الدنيا فحسب بل حتى في الآخرة .
وهذا كلام له خطورته البالغة .
من الذي بيده حياة الناس ؟ سعادتهم وشقاوتهم ؟ صحتهم ومرضهم ؟ حياتهم وموتهم ؟ أليس هو الله وحده لا شريك له؟
هذا كلام من هو في بلد الحرمين وزير وسفير ومشير و هاتيكم عقيدته (قلق,اضطراب,حيرة ،و مجاهيل ،وسراب0000