في سوق الأسهم شرُّ البليِّة ما يُضءحِك
عبدالله الجعيثن
حين بدأت طفرة الأسهم الكبرى أواخر عام 2005م كان ابن اختي غلاماً لم يبلغ السابعة عشرة من العمر، ولديه مبلغ جيد من المال، وكان يستشيرني: ماذا اشتري يا خالي؟ ثم يسألني إذا ارتفع السهم بشكل طيب فأقول: بع ولا تتردد..
وجرب الغلام مشورتي فترة قصيرة باعتباري من قدماء المتعاملين ثم جاء وقال:
- (لقيتك يا خالي ما تعرف شيء!!.. تقول لي بع ثم يرتفع السهم نسبة!.. الله يخلف عليك وخبرتك!!
ومع أن الكلفة مرفوعة بيني وبينه إلا أنني صرخت به: تأدب يا ولد!!
فقال ممازحاً كالجاد: (الا والله يا خالي لقيتك ما أنت بحساب!! والشرهة ما هي بعليك الشرهة على اللي يستشيرك"!!..
قلت: على كل حال أنت غلام ما عليك شرهة ولكن انتبه لنفسك!
قال: انتبه لنفسك أنت! جرَّبءتك!..
ولعلمك خذت قرضاً كبيراً من البنك وسوف ترى الشغل على أصوله!
صرخت به: احذر تسلم ترى سوق الأسهم كالرمال المتحركة!!
قال: ماشاورتك احتفظ بنصائحك لنفسك جزاك الله خيراً!..
ووضع جميع نقوده الأصلية والمقترضة في سهم خشاش ويدي على قلبي فأخذ السهم يرتفع كل يوم نسبة، وفي ثاني نسبة صرخت به: بع!.. بع!.. فقال:
- خالي نقطنا بسكاتك تراك فوَّت عليّ فرص القدر.. تفرج شف الشغل اللي مهوب شغلك!!
واضطررت للتفرج وسهمه يعانق النسبة كل يوم حتى دبل رأس ماله خلال أسبوع واحد وفكرت أوكله على محفظتي أو بعضها يديره ثم استعذت بالله من الشيطان الرجيم!! ثم وقع زلزال فبراير والغلام لم يبع سهماً واحداً وحاول أن يبيع حين وقع الزلزال فلم يجد أي طلب على سهمه.. على النسبة تحت مرصوص ملايين للبيع كل صباح وقبل الافتتاح!
واستمر مسلسل النسب الحمراء والغلام كقطاة أمسك الشرك جناحها فهو "يكفخ" يريد أن يبيع فلا يستطيع على الأقل يبيع التسهيلات ما من طلب وما عندك أحد..
واصفر وجه الغلام واحمر مع كل يوم يحمر فيه نسبة معروضاً من صباح الله على النسبة وقال: خال!.. قلت: ما أنا بخال أحد!!.. تعلم من أخطائك (وأنا أنوي تعويضه بعض خسائره بعد أن يتألم لكي يتعلم). وباع له البنك مجبراً حين وجد طلباً بعد سلسلة من النسب الحمراء جاءت على معظم رأس ماله..".
هذه القصة رواها لي صديق ثقة حصلت له مع ولد اخته وأقسم بالله أنها لم تحصل لي أنا ولكن فيها عبرة لمن اعتبر.. فالمثل الشعبي يقول "لا تمدح مخاطر ولو سلم" وكثير، من القادمين الجدد لسوق الأسهم لا يعرفون المخاطرة المحسوبة بل يعرفون المقامرة وقد حول المضاربون سوق الخشاش لدينا لصالة قمار.. وأشعلوا نيران الطمع في قلوب الأغرار، والطمع هو الذي يجعل الأغنياء فقراء..