عرض مشاركة واحدة
قديم 05-13-2007   رقم المشاركة : ( 22 )
عثمان الثمالي
ثمالي نشيط

الصورة الرمزية عثمان الثمالي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 30
تـاريخ التسجيـل : 13-08-2005
الـــــدولـــــــــــة : الطائف
المشاركـــــــات : 35,164
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 30
قوة التـرشيــــح : عثمان الثمالي محترف الابداع


عثمان الثمالي غير متواجد حالياً

افتراضي رد : الاخبار الاقتصادية ليوم الاحد26/4/1428هـ الموافق13/5/2007م



السوق السعودي دعه يعمل دعه يمر




بقلم - قاهر الطاهات
قبل مناقشة عنوان هذه المقالة والحلول التي يقترحها وقابليته للتأويل سأتوقف عند بعض العبارات الرمزية التي رشحت إلى ثقافة المتاجرة في سوق الأسهم السعودي والتي تم تفريغها من المعاني والدلالات التي تحملها وبأفضل الأحوال تم تخطيها باستخفاف وطرافة، نورد منها على سبيل الذكر: سابك غلطان من سابك، ينساب ما تنساب، المصافي كل شيء دافئ، نادك على ميعادك، نماء إلى السماء، ومع ثمار ما تحتار، وغير المعدنية ما لنا نية، وغزال السوق فيبكو، الجوف ما فيها خوف، وأخيرا، كيان كلها أمان.
هذا على الأغلب في حالة التفاؤل الرومانسي بسوق صاعد، وتلك العبارات غالبا ما تعود بجذورها إلى الزمن الجميل زمن الموجة الدافعة الأولى حيث كانت الأحلام وردية وشاشات الكمبيوتر بالأبيض والأسود وصوت أم كلثوم يشدو مختلطا بسحب دخان الأراجيل عبر فناء المقاهي والاستراحات مرددا: افرح يا قلبي لك نصيب تبلغ مناك، نسِّب لي شوي شوي.. نسب لي وخذ عينيه، القلب يعشق كل (سهم) جميل.
أما رمادية الألوان في سوق جحود صحح بلا رحمة فقد أحالت الغزال إلى عقرب والأمان إلى دمار، فالكهرباء هي العقرب والتعمير تدمير والكابلات الكلابات والمتطورة المتهورة والاتصالات العجوز والباحة ذباحة وبيشه ما من وراها عيشة... وخلافه من المعاني والإيحاءات الانتحارية التي تشي بحجم الصدمة.
هذا يذكرني بتخزين الرجال لأسماء زوجاتهم في الجوال قبل وبعد الزواج، فمن العصفورة والغالية ونبض القلب وملاكي الصغير إلى النشبه وتأبط شرا والورطة ووين رايح.
فعلى قدر الواقع يكون جهد الخيال في ابتكار مفرداته الرمزية، هذه الإسقاطات النفسية التي يسقطها المتداول العادي على سوق الأسهم هي عبارة عن بنية ثقافية حية قائمة في مستوى العمليات العقلية تتأسس على البعد النظري المنطقي الذي يحكم مجمل المضاربات والأفعال والأقوال وأساليب التحليل ضمن نسق علائقي يجعلها تأخذ أبعادا أكثر تشابكا وتعقيدا مما توحي به في ظاهرها.
نحن نتحدث عن ثقافة المضاربة باعتبارها جزءا من الممارسات الثقافية المختلفة المكونة للمجتمع برمته. فالمجتمع ومنه مجتمع المتداولين ينتج - في سياقات تطوره - منظومة من القيم عبر الرموز والعلامات تهدف إلى التعبير عن مظاهر الواقع المادي والاجتماعي والحاجات المجتمعية وأنظمة التواصل بين أفراده، شأنه في ذلك شأن العلاقات الاقتصادية وقوانين الارتباط العائلي ونظم القرابة. هذه الممارسة الثقافية تنتج الخصوصيات التي تميز المجتمعات عن بعضها مظهرياً. وفي حالة المضاربة قد تتعدد أشكال المضاربة من مجتمع إلى اخر باختلاف ثقافته ولكنها محكومة بأكثر من علاقة تشابه، تنبع من قيمة إنسانية واحدة تتمثل في الخوف والطمع وكذلك العقلية الغريزية البدائية التي تتحكم في جوهر المجتمعات وقيمها. لذا فإن ما تنتجه الشعوب من نظم مضاربية أو بالأحرى ما تنتجه مجتمعاتها الاقتصادية قد لا يتشابه في مظهره، ولكنه بالضرورة متشابه في البنية المكونة له.
بالتالي فإن ثقافة المضاربة تعد جزءا مركزيا في بناء الهوية الاجتماعية في أي مجتمع يقوم على مبادئ الاقتصاد الرأسمالي الحر. وأي محاولة لتخطيها والتعامل معها باستخفاف فإن القادم سيكون أسوأ بأضعاف مما هو حادث الآن.
فما هو حادث الآن عبارة عن تصحيح سعري مرت به كافة الأسواق المالية سواء أكانت ناشئة أو متطورة ضحلة أم عميقة. وقد اشبع الموضوع في العالم بأسره بالبحث والتحليل من الناحيتين الاقتصادية والمالية، كما قدم مساهمته كل من علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الرياضيات ومؤخرا تقدم علم الفيزياء بنظريات أصيلة - فيما يعرف بمبحث الطيف السعري.
ولكن ما نخشى حدوثه يكمن في عملية القتل البطيء والمبرمج للسيولة المضاربية، واقترانها في الخطاب الإعلامي بالكوارث والشرور، وكذلك التضليل الذي تمارسه ذهنية الوصاية على السوق وعلى المتداولين وعلى ثقافة متاجرتهم بحجة قصورها أو انعدامها وكأنما يدرجون الكل (غيرهم) في خانة المعاقين حركياً، أو الذين يعانون من نقص في التكوين بالولادة.
إن من يشكك بجدوى المضاربة من جذورها يقر من حيث لا يدري بأن المضاربين الذين زعموا بأنهم صناع السوق في فترة من الفترات هم كذلك. وكأن السوق بأسره قد انتزع من مكوناته وتكثف فيهم وهذا الفهم غير صحيح على الإطلاق. فسقوط مضارب بعينه أو حتى إخفاق نظام مضاربة بأسره - سواء أكان شرسا أم أليفا - لا يعني سقوط السوق برمته إلا إذا كان هناك إجماع على أن المضاربين يجسدون السوق، وما من إجماع على أمر كهذا بالطبع.
والمؤسف أن من ينخرطون في هذه الحملة الشرسة على السيولة المضاربية يميلون إلى التبسيط والاختزال في أسلوب تعاملهم مع المفاهيم الاقتصادية بعد أن يجري اختزالها وشخصنتها واقتلاعها التام من سياقاتها الموضوعية، ويمارسون الخطأ ذاته الذي سيؤدي حتما إلى إصابة العيون التي يراد تكحيلها بالعمى! فالمضاربة ليست فعلا هجينا طارئا على مفهوم السوق المالي، بل هي خلاصة حية لتكوين بنيوي حي يشمل كل عناصر النموذج الاقتصادي الرأسمالي المعاصر. إن تقيد السيولة المضاربية هو بمثابة عملية إجهاض للدورة السعرية القادمة.
كما أن الهزيمة الأشد والخسارة الأقسى للسوق تكمن في هروب رأس المال، فالسوق المالي المقيد للسيولة سينتهي حتما إلى دينامية طاردة. أما الدينامية الجاذبة لرؤوس الأموال فلا تتطلب سوى الكف عن التدخل بالسوق وتركه يعمل وفقا لآليات العرض والطلب. وهذا هو جوهر الشعار الذي أطلقه دعاة السوق الحر في أوروبا والولايات المتحدة منذ القرن الثامن عشر "دعه يعمل دعه يمر".
بوسع الدولة أن تتحكم بما يسمى بالدورات الاقتصادية من خلال سياستها المالية والنقدية، كما بوسعا تقنين السيولة والتحكم في عرض النقد وفق ما تقتضيه التوازنات اللازمة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية التي تنجم عن التقلبات في الأسعار. ولكن ليس بوسعها أن تصطف مع البائع أو المشتري أو تكون طرفا في السوق المالي تغلب مصلحة هذا على ذاك لا بتشريع ولا بقانون.
الإفراط في المضاربة كان نتيجة محتملة للتمدد السريع في السيولة وسياسات الائتمان المصرفي الذي عززه الارتفاع غير المسبوق في عوائد البترول منذ سنة 2003حتى سنة 2006.وقد كان تدخل مؤسسة النقد خلال فترة الرواج في الربع الرابع من العام 2005بالضغط على المصارف التجارية المتورطة في تمويل المضاربين بالأسهم بمثابة الاجراء الصحي السليم الذي استبق تصحيح فبراير، تفاديا لهزة سعرية محتملة قد تجعل ضمانات التسديد غير كافية وبالتالي تسيل محافظ المقترضين وإحداث المزيد من الضغط على سوق الأسهم المتضخم بالأساس. عكس ذلك حدث في الربع الرابع من العام الماضي 2006بتوجيه المصارف لتقديم التسهيلات لتمويل المضاربين بالأسهم بعد بلوغ الشركات أسعارا متدنية لا تعكس بشكل عادل قيمتها الاقتصادية التي تستحقها.
فالأصل في المسألة تقيد عرض النقد (السيولة) في اوقات الرواج لمنع أسعار الأسهم من التضخم والانفجار، مقابل التوسع في عرض النقد وضخ السيولة في أوقات التصحيح والكساد للحيلولة دون تدني الأسعار إلى ما دون قيمتها العادلة اقتصاديا.
هذا التدخل منصوح به، وقد نظر لهذا الاتجاه جون كينز في نظريته العامة في الشغل والفائدة والنقود، وأشار إلى أن الكساد الكبير - انهيار بورصة نيويورك 1928- 1933- ما كان ليكون كذلك لو أن مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأمريكي) عدل من سياسته النقدية وضخ السيولة اللازمة إلى السوق للحيلولة دون توالي الإفلاسات الجماعية للبنوك والمضاربين الذين انهمكوا في موجة بيوع مذعورة للإيفاء بالتزاماتهم.
أما القول بتحميل شركات المضاربة مسؤولية تصحيح فبراير العام الماضي فهو قول يغالط نفسه بنفسه، فهل كان للمؤشر أن يذهب إلى أكثر من 21000نقطة؟! وهل كان مقبولا للشركات الاستثمارية (القيادية) أن تتضخم مكرراتها الى أكثر من 55مرة (الراجحي مثالا) دون التمكن من إحداث زيادة موازية في أرباحها؟! هل كان من الممكن لو أن كافة شركات المضاربة (الخاسرة) قد حققت أرباحا في نهاية عام 2005أن لا ينهار السوق؟! في الوقت الذي يشكل حجمها السوقي فقط 7% من إجمالي حجم السوق (شركة الكهرباء تمثل ما نسبته 5%). وإذا قيل بأن حجم تداولها بلغ 28% من إجمالي قيمة التداول بالسوق، ألم تكن ال 72% الباقية كافية بحد ذاتها للحفاظ على توازن السوق؟!
ولكن كيف لنا أن نقنع شخصا ما أن القشة التي تقف وراءها لن تحجب النور الذي يحيط بك؟!
الأسعار تنتظم في مسارات تعاقبية طبيعية ضمن ما يعرف باسم الدورة السعرية وهي تتجه إلى الصعود باستمرار على المدى البعيد منذ أن عرف الإنسان نظام التسعير البدائي في اقتصاد المقايضة، لكنها على المدى القصير تتجه نحو التذبذب بين الصعود والهبوط، هذه المراوحة بين الاندفاع والتصحيح تشكل المسارات الفرعية للحركة السعرية والتي يستفاد منها اكتساب زخم الانطلاق ومعالجة اختلالات الأسعار فنيا.
القانون الطبيعي للأشياء يقتضي التعاقب، دوران الكواكب في مدارات محددة حول الشمس تعاقب فصول السنة تعاقب الليل والنهار تعاقب الموجات الصوتية ومثلها الموجات الكهربائية كلها تعطينا أمثلة على الحركة الموجية التعاقبية للأسعار، فسواء كان التصحيح عميقا أم كان ضحلا سيعقبه صعود بالنهاية، كذلك الليل قد يكون ممتعا أو ربما مرعب ولكن سيعقبه نهار بالضرورة.
وإذا كانت سلسلة التصحيحات المتعاقبة منذ فبراير 2006والتي بلغت نحو 76% من مجمل موجة الصعود وما تلاها من إحباطات واحتقانات لن تنجح في إعادة العافية إلى حاسة النقد الموضوعي والمنطق الاقتصادي السليم، فإننا نتجه نحو نوع فريد من جلد الذات أو السادية الاقتصادية والتي تتمثل في أبسط صورها بشكل من أشكال الغيبوبة أو عدم الدراية بما نريد، فأي سوق نحن مقبلون عليه؟!
نعتذر للسادة القراء عن وضع التحليل الفني للسوق لهذا الأسبوع على أن نعود في الأسبوع القادم بمراجعة تحليلية شاملة.
@ مستشار مالي

آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس