[عثمان الثمالي]

المقال


التأمينات الاجتماعية... لنسهم في الحل لا في تفاقم المشكلة



د. سليمان بن عبدالله الرويشد

من بين مشاريع التنمية الاقتصادية التي تم الإعلان عنها، وتدشين مراحل البدء في تنفيذها بمدينة الرياض مؤخراً هو "مركز العليا التجاري"، أحد المشاريع الجديدة الذي تعتزم المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية إستثمار ما يزيد على المليار ريال في إقامته، والمؤلف من برجين مكتبيين بارتفاع ستة وثلاثين دوراً، بالإضافة إلى صالات عرض تجارية، سيم إنشاؤه على الأرض العائدة للمؤسسة المطلة على تقاطع شارع العليا مع طريق الأمير محمد بن عبدالعزيز والبالغة مساحتها 27000م2، وهو مشروع إذا لم تتعدى النظرة إليه إطاره العام، ونطاق عناصره الايجابية، فإنه يمثل بلا شك إضافة حضارية للعاصمة الرياض، ومعلماً جديداً ينضم لمعالمها المميزة، حيث سيلبي هذا المركز التجاري إحتياج النشاط الاقتصادي المطرد في العاصمة الرياض من المساحات المكتبية والتجارية اللازمة، إضافة لاسهامه في الرفع من مستوى الخدمات في مجال الأعمال بالمدينة، لكن حين النظر للجانب الآخر غير الظاهر للمشروع والذي قد يشاركني الكثير الرأي بمدى سلبيته، فهو إقامة هذا المشروع على أرض يشغلها حالياً احد مشاريع الاسكان شبه المتكاملة المحدود عددها في مدينة الرياض، والمأهولة بالسكان، التي لا يتجاوز عمرها الثلاثة عقود، مما تعد في ظروف المرحلة الحالية من المشروعات التي نحن في أمس الحاجة لأمثالها بمدننا الكبرى المكتظة والمتسارعة في نموها السكاني ومنها مدينة الرياض، بدلاً من إخلائها من السكان وإزالتها واستبدالها بمشاريع تجارية ونحوها.
إن أحداً لا يمكن أن ينازع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في خططها وبرامجها الاستثمارية، أو أن يلزمها بأن تعطي الأولوية في جهودها الاستثمارية لتوجه نحو حل بعض مشاكل التنمية التي يعاني منها المجتمع على حساب تعزيز عائداتها وإيراداتها التي تستهدف من ورائها دعم إمكاناتها للوفاء بالتزاماتها تجاه المنتسبين لنظام التأمينات الاجتماعية في المملكة لكن في الوقت الذي نرى فيه مؤسسة حكومية أخرى تشارك المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ذات المسؤولية والاهتمام وهي المؤسسة العامة للتقاعد التي أبانت منذ وقت قريب عن عزمها طرح برنامج تمويل امتلاك مساكن للمنتسبين لنظام التقاعد من موظفي الدولة المدنيين والعسكريين للمساهمة في حل مشكلة الاسكان التي تعاني منها كافة مدن المملكة، كان الجميع يتطلع أن تخطو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ذات الخطوة فتعلن عن تبنيها برنامجاً مشابهاً للمنتسبين لنظام التأمينات الاجتماعية من السعوديين، أو على الأقل توجه بعض من استثماراتها نحو إقامة مشاريع إسكان ضمن أحياء عمالية متكاملة تخصص لهذا الغرض تكون قريبة بالنسبة للأيدي العاملة من أماكن الانشطة التي تعمل بها في المناطق الصناعية أو التجارية بوسط المدن عوضاً عن سكنهم في الأحياء الشعبية القديمة التي يعاني المجتمع من التبعات الاجتماعية والأمنية والصحية من وجودهم في تلك الأحياء حالياً.

أن من غير المعقول ان يدعو احداً المؤسسة بأن تصرف النظر عن إقامة هذا المشروع ذي العائد الاستثماري للمؤسسة والاقتصادي للمدينة، لكن ما يؤمل هو ان يعاد النظر في الموقع المقترح لإقامة هذا المشروع وإستبداله بأي من المواقع الأخرى المتاحة في المدينة، أو الاستعاضة عن عدد الوحدات السكنية التي سيتم إخلاؤها وإزالتها من أجل إقامة هذا المشروع بوحدات سكنية أخرى في ذات الموقع أو موقع بديل آخر في المدينة، وبذا يطمئن الجميع بأن المؤسسة تسهم بالفعل في حل مشكلة الاسكان لا في تصعيدها وتفاقمها.

@أكاديمي وباحث في اقتصاديات التنمية الحضرية