المقال
هيئة الإسكان.. لكي تتحقق الغايات
د. سليمان بن عبدالله الرويشد
في ظل الظروف التي أحاطت بقطاع الإسكان في المملكة خلال السنوات الأخيرة الماضية بما يمثله من عنصر أساسي للاستقرار الأسري والاجتماعي للمواطنين بمختلف مستوياتهم المعيشية كان الجميع على ترقب بأن يصدر قرار على نحو ما اتخذه مجلس الوزراء في جلسته منذ أسبوعين من الموافقة على إنشاء هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية تعنى بالإسكان، الذي يكبر في الواقع للجنة الوزارية للتنظيم الإداري إعادتها النظر فيما أوصت به من قبل في هذا الشأن بناء على ما أفرزه الواقع من معطيات، وما أخذ الجميع يلمس أثره واضحاً على أداء قطاع الإسكان بوجه عام في مختلف مناطق المملكة، كما يثمن للجنة كذلك حرصها على عدم إقحام هموم القطاع العقاري بقضايا الإسكان في هذه الهيئة، كما كان يعتزم مجلس الشورى إقراره في هذا الشأن، وإلحاق المشاكل العقارية بقاطرة العناية بمجال الإسكان، والمزج بين قضايا قطاع خدماتي وهو الاسكان وآخر يغلب عليه الجانب المهني وهو النشاط العقاري، دونما أي ضرورة تحتم اقتران الاثنين وعدم استقلالية كل منهما بمؤسسة تعنى بشؤونه.
لقد تضمن ذلك القرار لمجلس الوزراء الإشارة إلى أهم الغايات التي تهدف هيئة الإسكان الى تحقيقها، وأوجزها في توفير المسكن المناسب بناء على خيارات تلائم حاجة المواطنين، ووفق برامج محددة تضعها الهيئة، كما أن من الغايات أيضاً تيسير حصول المواطن على مسكن جيد البناء، ضمن حدود دخله، مع إتاحة امتلاكه له في الوقت المناسب من حياته، وكذلك زيادة نسبة تملك المواطنين للمساكن، ورفع نسبة المعروض من المساكن بأنواعها المختلفة، وتشجيع مشاركة القطاع الخاص في دعم نشاط الإسكان وبرامجه، إضافة إلى قيام الهيئة بإنشاء مساكن للمحتاجين غير القادرين على الاستفادة من برامج الإقراض والتمويل الحكومية والخاصة، ومنح الهيئة صلاحية بناء المساكن الشعبية.
إن تلك الغايات تنبئ عن العديد من المهام التي يتوقع من هذه الهيئة الوليدة القيام بها، من توفير مباشر للمساكن، وتهيئتها للمحتاجين غير القادرين على تحمل اقتطاع أي مقدار من دخلهم المتدني لتلبية احتياجهم السكني، إلى مهام وضع البرامج المتضمنة الخيارات الملائمة التي تتيح للمواطن الحصول على المسكن المتوائم مع الدخل في المرحلة العمرية التي يحتاج فيها لذلك المسكن، وانتهاء بمهام حفز القطاع الخاص على المشاركة في برامج وأنشطة الاسكان التي تقف وراءها الجهود الحكومية ممثلة بالهيئة في هذا المجال.
إن تحقيق تلك الغايات عبر ما يمكن أن يسند لهيئة الإسكان من مهام تستدعي في الواقع من هذه المؤسسة الحكومية المتخصصة تهيئة الظروف لثلاثة أجواء مناخية أساسية لقطاع الاسكان في المملكة، أولها المناخ المؤسسي للهيئة من أجل أن تؤدي دورها على نحو فعال وكفاءة عالية وذلك عبر وضع نظام الهيئة يجري إعداده بعناية تامة من أجل الوصول للأهداف من وراء إنشائها يتم فيه الحرص على عدم إغراق الهيئة في خضم المسؤولية المباشرة عن تنفيذ وبناء مشاريع الإسكان وانما أداء دور المنظم والمشرف والمحفز لذلك، وإسناد تلك المهمة لمؤسسات القطاع الخاص المتخصصة في هذا المجال، ثانيها المناخ التنظيمي لقطاع الإسكان خارج إطار الهيئة الذي ينبغي أن يؤسس ويحدد ويوضح المهام والأدوار ويضع كذلك الحوافز التي تسير بموجبها وتتفاعل معها مؤسسات القطاع الخاص ذات العلاقة، التي تسعى الهيئة لأن تكون الشريك الاستراتيجي لها في برامجها التنموية بقطاع الاسكان، أما المناخ الثالث الذي يتحتم على الهيئة العناية بتوفيره كذلك فهو المناخ التمويلي لهذا القطاع، والذي أعتقد أن وزارة المالية قد قطعت شوطاً كبيراً فيما يتعلق بهذا الجانب، وفق ما صرح به وزير المالية لوسائل الإعلام مؤخراً من قيام وزارة المالية بالرفع بمنظومة التمويل العقاري السعودي التي أعدتها الوزارة لكل من مجلس الوزراء ومجلس الشورى من أجل إقرارها ومن ثم تنفيذها، والتي يتعلق جانب منها بآليات تمويل بناء المساكن، الذي للهيئة بلاشك دور مهم ومتمم في هذا المجال سيتحتم عليها القيام به، ولعل التوقيت كان مواتياً لنشأة الهيئة في هذه المرحلة التي من المتوقع أن يتم فيه إقراره هذه المنظومة وبالتالي قيام الهيئة بملء الفراغ المؤسسي لقطاع الإسكان في هذا الجانب. إن الجميع ليأمل أن يتحقق لهذه الهيئة المناخ الذي تؤدي فيه دورها على خير وجه، وأن تتوفر من خلالها الفرصة لكل أسرة سعودية تتطلع لخدماتها في امتلاك المسكن الذي يمثل الاستثمار الأكثر كلفة في حياتها.