الصناديق الاستثمارية وفوبيا الإفصاح
إفصاح الصناديق أقصر طريق للوصول إلى ثقافة الاستثمار المؤسسي
*الرياض - عبدالرحمن السهلي:
(السوق المالية بيئة خصبة للغش والتلاعب؛ لذلك قام نظام السوق على فلسفة التدخل في الموضوع مقابل الاعتماد على الإفصاح).
(40% من حجم التداول اليومي في السوق المالية كان مرتكزا على شركات خاسرة لا تتعدى قيمتها 2% من القيمة الإجمالية للسوق.. هناك أطراف منتفعة من هذا التضليل).
(يعتمد الإفصاح بالدرجة الأولى على مستوى وعي المجتمع وتطور مؤسساته، ولا يمكن تعريف الإفصاح دون تعريف المستفيد ومعرفة مستوى إدراكه).
إن الفقرات الثلاث السابقة هي مقتطفات من أوراق عمل طرحها مستشار قانوني ومدير صناديق وخبير محاسبي أمام جمع من المختصين في مقدمتهم معالي رئيس هيئة السوق المالية المكلف خلال الندوة التي نظمها معهد الإدارة العامة بالتعاون مع البنك الدولي حول سوق الأسهم السعودية خلال الأسبوع الماضي.
إن السوق المالية الكفء والقائمة على الإفصاح هي التي تعكس فيها الورقة المالية (السهم) جميع الأحداث الخاصة بهذه الورقة، وعندما يخرج مدير سابق لمجموعة من الصناديق في أحد البنوك المحلية ومالك لإحدى شركات الوساطة حاليا ليقول إن (هناك أطرافا منتفعة من هذا التضليل) فمن الحكمة أن نفكر ونحلل ما قال. إن وجود سوق مالية قائمة على مبدأ الإفصاح وجُلّ المتداولين داخل هذا السوق من الأفراد الذين يجهلون أهمية المعلومة أدى إلى ظهور طبقتين إحداهما (طفيلية) تعتمد في تكسبها على جهل المتداولين بأهمية المعلومة والأخرى (إجرامية) تعتمد على المتاجرة بالمعلومة بشكل غير قانوني. وإذا كان جُل المتداولين في السوق المالية من الأفراد قليلي الخبرة وهم الضحية في النهاية فمن المستفيد من التضليل؟
صندوق استثماري..
صندوق أسود
ارتبط مصطلح الصندوق الأسود بحوادث الطيران، فعندما نسمع عن حدوث كارثة جوية يترافق مع ذكرها الإشارة إلى البحث أو العثور على الصندوق الأسود، وتكمن فائدة هذا الصندوق في تمكين المسؤولين بعد تحليل بياناته والاستماع إلى تسجيلات الرحلة من معرفة كيفية حدوث هذه الكارثة وذلك لفائدتين إحداهما تحديد المسؤولية والأخرى أخذ العبرة مستقبلاً من تكرار الأخطاء نفسها.
ومنذ انهيار سوق الأسهم في فبراير من عام 2006م حتى الآن لا زال عدد من المراقبين يربطون بين دور صناديق البنوك (الصناديق الاستثمارية) وبين انهيار سوق الأسهم باعتبار أن الصناديق لاعب أساسي في السوق المالية. فمن حديث عن تجاوزات قانونية من مديري بعض الصناديق إلى كلام عن قيام بعض الصناديق بتخليص مضاربين كبار (متعلقين) في أسهم شركات المضاربة الخاسرة، مروراً بطرح وتسويق صناديق جديدة والمؤشر على مشارف العشرين ألف نقطة، بالإضافة إلى تحول بعض هذه الصناديق من مستثمر رشيد إلى مضارب نزق غير مكترث بتحليل وتقدير مخاطر السوق المتصاعدة.
إن طبيعة العلاقة التعاقدية بين المالك لوحدات الصندوق ومدير الصندوق هي علاقة الموكل والوكيل شكليا وصاحب الأمانة والمؤتمن موضوعيا، ونحن في هذا المقام لسنا بصدد الحديث عن مدى صحة هذه الاتهامات، ولكن من المؤكد أنه ما كان لهذا الكلام أن يسمع ويكون له قبول لو كانت عمليات الصناديق الاستثمارية شفافة وواضحة ومفصحا عنها بشكل مناسب.
رجل حريص أم لا
عرفت المادة 39 من نظام السوق المالية الصندوق الاستثماري بأنه برنامج مشترك يهدف إلى إتاحة الفرصة للمستثمرين فيه بالمشاركة جماعياً في أرباح البرنامج ويديره مدير الاستثمار مقابل رسوم محددة، وبالتالي فإن الصندوق الاستثماري هو وعاء يشمل مجموعة من الأوراق المالية سواء كانت نقدا، أسهما، سندات، وتدرس فيه المخاطر بشكل مناسب. ويجب أن يكون لهذا الصندوق إدارة فاعلة تقوم بإدارة أصوله بكفاءة عالية، حيث تؤثر كفاءة مدير الصندوق على الأداء، وفي العموم نجد أن الأسهم تتفوق في أدائها على السندات والودائع في الأجل الطويل، وعلى المستثمر دائماً أن يضع نصب عينيه معدل المخاطرة الممكن أن يتحمله ويقبل به، فكما أن الأسهم تتفوق على السندات والودائع في العوائد فإنها في مخاطرها أعلى منهما.
وإذا ركزنا بشكل خاص على صناديق الاستثمار في الأسهم المحلية نجد أن عددا كبيرا منها يدار إجمالا بأسلوب كلاسيكي متعارف عليه وهو الاستثمار في مؤشر السوق الذي لا يحتاج في إدارته إلى كفاءة عالية.
وقد حددت المادة 18 من لائحة صناديق الاستثمار الإطار الأخلاقي الذي يجب أن يلزمه مدير الصندوق، حيث أوجبت عليه (بذل الحرص المعقول) فكيف يمكن الوصول إلى حكم غير متحيز حول أداء مدير الصندوق وبذله الحرص المعقول وأقصى ما يفصح عنه لمالك وحدات أي صندوق استثماري هو التقييم الدوري سواء كان بالربح أو الخسارة، وتظل هذه المعلومة على أهميتها النسبية قاصرة عن تكوين حكم منطقي ومتكامل عن أداء وكفاءة مدير الصندوق، فعندما يضع شخص ما أمواله في صندوق استثماري فإنه لا يعرف ماذا فعل مدير الصندوق بأمواله، ماذا اشترى؟ وماذا باع؟ وأي شركة أو قطاع استثمر فيها، وهل كان مدير هذا الصندوق رجلا حريصا وأمينا على إدارة هذه الأموال أم كان مفرطاً؟ وبالتالي لا يمكن أن تقنع متداولين في سوق يطغى عليه الاستثمار الفردي بأن يضعوا أموالهم في صندوق استثماري وأقصى ما يفصح عنه هو نسبه الربح أو الخسارة. إن هذه النسبة المعلنة لسعر الوحدة غير قادرة على إيضاح جزء كبير مما يحتاجه أي شخص للوصول إلى حكم عادل حول ما إذا كان مدير الصندوق رجلاً كفأ وحريصا أم لا.
وفي ظل الزخم الاقتصادي الذي تشهده المملكة وتزايد معدلات النمو والسيولة وقدوم رؤوس الأموال الأجنبية فإنه يجب على الصناديق الاستثمارية إذا ما أرادت أن تكون منافسة ومقنعة أن تتبنى سياسات إفصاحية واضحة ومرنة بخصوص عملياتها المالية وفي أوقات معينة حتى يتمكن المستفيدون من تقييم أداء الصندوق ومديره بشكل مناسب، وخصوصاً أن المرحلة التي عشناها شهدت سقوطا واضحا لعدد من مديري الصناديق الاستثمارية.
فوبيا الإفصاح
إن هدف هيئة السوق المالية المعلن هو تحويل السوق المالية من سوق يطغى فيها الاستثمار الفردي إلى سوق استثمار مؤسسي، وإن هذا الهدف لن يتحقق من دون إفصاح المؤسسات المالية عن نتائج وعمليات صناديقها بشكل مناسب. وفي نهاية عام 2006م أصدرت هيئة السوق المالية لائحة صناديق الاستثمار التي تتكون من 52 مادة موزعة على عشرة أبواب، وسنركز على مواد الإفصاح الواردة في اللائحة التي خصص لها الباب الثالث، ولعل من أبرز مواد هذه اللائحة المادة الثانية عشرة الخاصة بتقديم التقارير لمالكي وحدات الصندوق، حيث نصت على أنه: يجب على مدير الصندوق تقديم تقارير لمالكي الوحدات كل ثلاثة أشهر كحد أعلى تتضمن صافي قيمة أصول وحدات الصندوق، وعدد وحدات الصندوق التي يملكها مالك الوحدات وصافي قيمتها، وسجلا بصفقات كل مالك وحدات على حدة، بما في ذلك أي توزيعات مدفوعة لاحقة لآخر تقرير تم تقديمه لمالكي الوحدات. كما يجب على مدير الصندوق نشر معلومات أسبوعية على الأقل عن صندوق الاستثمار من خلال السوق، وذلك بالشكل الذي تحدده الهيئة من وقت لآخر. كما يجب على مدير الصندوق تزويد مالكي الوحدات بالقوائم المالية المراجعة المطلوبة، كما ينبغي إتاحتها للجمهور خلال مدة لا تتجاوز (90) يوماً تقويمياً من نهاية العام، وذلك في الأماكن وبالوسائل المحددة في شروط وأحكام الصندوق، ويجب إعداد التقارير الأولية المفحوصة وإتاحتها للجمهور خلال (45) يوماً تقويمياً من نهاية فترة الإشعار، ويجب على الصندوق العالمي والصندوق القابض تقديم قوائمه المالية خلال (30) يوماً تقويمياً من إصدار القوائم المالية للصندوق (أو الصناديق) الذي يستثمر فيه (أو فيها). كما لم تلزم اللائحة مدير الصندوق بنشر القوائم المالية السنوية والأولية للصندوق في الصحف. ومع ذلك يجب إشعار مالكي الوحدات الحاليين والمحتملين، بتوافر هذه القوائم.
إن الجهود التي تقوم بها هيئة السوق المالية في مجال التشريع والرقابة تُذكر فتُشكر، ولكن تظل الحقائق ماثلة أمامنا ونشهدها بأعيننا، فبقرابة 200 صندوق استثماري تحت عباءة البنوك في بداية عام 2006 م نجد تسعة صناديق حديثة يتم تأسيسها في ظل اللائحة الجديدة؛ ما يعني أن الطريق طويل والمهمة شاقة لتتحول صناديقنا الاستثمارية من صناديق سوداء إلى صناديق شفافة، وتتحول ثقافتنا الاستثمارية من نزعة فردية إلى استثمار مؤسسي رصين. وإذا أرادت هيئة السوق المالية أن تقنع المتداولين الأفراد بالتحول إلى الاستثمار المؤسسي فلا بد أن يكون هذا الاستثمار المؤسسي مثاليا في إفصاحه حتى تكتمل حلقة الرقابة على السوق.