دراسة حديثة تكشف عدم معالجة نظام التقسيط الجديد لخداع العمولة!!
نسبة القروض للأفراد مقابل الناتج المحلي تتجاوز المعايير العالمية مقارنة مع بعض الدول الناشئة
*الرياض - عبدالله الرفيدي:
كشفت دراسة حديثة أن إجمالي حجم القروض الاستهلاكية في المملكة يعادل 70% من إجمالي رواتب الموظفين خلال عام كامل، مؤكدة أن أكثر من 75% من موظفي الدولة عليهم قروض مستحقة لعدة سنوات مقبلة وهو ما يشكل عبئاً على مستوى المعيشة.
وبيّنت الدراسة المعنية بالقروض وعلاقتها بضغوط العمل والتي قام بها الباحث علي مرعي القحطاني أحد منسوبي وزارة الداخلية وحصل بها على درجة الماجستير في العلوم الإدارية من جامعة الأمير نايف العربية للعلوم الأمنية، أن الأسر السعودية ذات الدخول التي تقل عن ثلاثة آلاف ريال شهرياً تنفق نحو 46% من دخلها على المساكن، ونحو ثلث الدخل على الخدمات، موضحة وجود ارتفاع في متوسط الإنفاق على المجالات الاستهلاكية الرئيسية بمقدار يفوق الدخل الشهري، فالأسر التي من فئة الدخل 9000 ريال إلى 12000 ريال شهرياً تنفق في المتوسط نحو 12824 ريالاً شهرياً وهو متوسط يقترب من الحد الأقصى لها 15 ألف ريال، كما أن الفئة القليلة التي تزيد على 15 ألف ريال فإنها تنفق نحو 18423 ريالاً شهرياً، وهو مستوى مرتفع كبير.
العجز المالي
وأفادت الدراسة أن الأسر ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة أو المعتدلة تتحرك جميعها في إطار عجز مالي شهري، وتقوم بتغطية هذا العجز عبر الاستفادة من تسهيلات الشراء بالتقسيط أو بطاقات الائتمان، وهو ما يؤدي إلى مزيد من العجز المالي الذي يؤدي لفقدان الأسرة لموردها بشكل جزئي أو كلي لتغطية العجوزات المتعاظمة والمتراكمة تباعاً وبالتالي التعرض لضغوط نفسية واجتماعية سلبية، موضحة أن نسبة القروض للأفراد إلى الناتج المحلي الإجمالي في المملكة مرتفعة جداً وتتجاوز المعايير العالمية مقارنة مع بعض الدول الناشئة؛ حيث تبلغ نسبتها 22%، وبحسب الدراسة فإن نسبة نمو القروض الشخصية في النظام المصرفي السعودي زادت بمعدل 47% سنوياً في المتوسط خلال السنوات الخمس الماضية لتزداد حصة القروض الممنوحة للقطاع الخاص من 20% عام 2000 إلى 43% عام 2005، وذلك على حساب نمو قروض قطاع الشركات التي تراجعت إلى 57%، بعد أن كانت 80%، وأدى الارتفاع في زيادة القروض الاستهلاكية إلى تراجع المضاعف الدخلي للنقود وقدرة الاقتصاد على تحقيق دخل يتناسب مع تزايد العرض النقدي لينخفض من 0.5 إلى 0.47 خلال نفس الفترة، وينعكس ذلك سلباً على قدرة الاقتصاد على إيجاد الثروة وتعظيم المنفعة من التمويل المقدم من البنوك لتعزيز النموالاقتصادي، وأوضحت الدراسة أن القروض التي تمنحها البنوك لا تراعي سوى مصلحة وضمان البنك لحقوقه، مشيرة إلى أن القروض التي تقدم لا تكون على أساس أهمية القرض وضرورته للمقترض، بل على مقدرة البنك على تحصيل أقساط القرض وهو ما يعيبها، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة في المملكة وزيادة معدلاتها مستقبلاً نتيجة لارتفاع الفائدة على الدولار سيزيد من تكلفة القروض على المستهلك، ومن ثم زيادة العبء المالي عليه في حالة عدم نمو دخل الفرد ليتجاوز الزيادة في سعر الفائدة، حيث إن البنوك تتحمل قسطاً كبيراً من مسؤولة تراكم القروض وعدم القدرة على السداد نتيجة تسهيلات طلبات القروض وعدم إشعار المقترضين بالمخاطر المترتبة على الاقتراض، كما أشارت الدراسة إلى أن القروض الاستهلاكية لها انعكاسات خطيرة على الاقتصاد القومي من أوجه عدة، فهي تساهم في خلق اقتصاد استهلاكي بعيد عن الإنتاجية والتقليل من الاعتماد على تطوير النواحي الاقتصادية.
عيوب التقسيط
مفيدة أن حجم القروض زاد من 9 مليارات عام 1998 إلى نحو 184 مليار ريال عام 2006، حسب ما تضمنته بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي، وبيّنت في إشارة إلى دراسة لغرفة الرياض للعام 2006م أن الأسر السعودية تواجه زيادة الأسعار عبر الشراء بالتقسيط، حيث إن الشراء بالتقسيط يمكن نسبة 40% من المجتمع السعودي من مواجهة الأسعار إذا ما استخدم بالشكل الصحيح، مفيدة أن من عيوب التقسيط ظهور ظاهرة بيع السلع بالخسارة، حيث إن العديد من الأفراد يشتري السلعة بالتقسيط، ثم يقوم ببيعها بسعر يقل عن قيمتها الحقيقية، ويرجع ذلك إلى أن بعض الأفراد قد يستغل نظام التعامل بالتقسيط ليس بهدف اقتناء السلعة والانتفاع بها وإنما لإعادة بيعها مرة أخرى بشكل فوري ونقدي لتوفير السيولة النقدية بما يجعل التعامل بالتقسيط بمثابة قناة غير مباشرة للاقتراض الشخصي، ونبهت الدراسة إلى أنه كان على النظام الجديد للتقسيط أن يعالج خداع العمولة التي تنجم عن قيام منشآت التقسيط بفرض نسب عمولة على كامل المبلغ طوال مدة التقسيط في الوقت الذي يفترض أن يكون مبلغ العمولة متناقصاً من عام إلى آخر نتيجة لسداد المشتري ما عليه من أقساط مستحقة وبصورة منتظمة، موكدة أنه لضمان نجاح نظام البيع بالتقسيط الجديد كان من الضروري أن يحرص على إيجاد نوع من التكامل بين الجهات ذات العلاقة بقطاع الائتمان والبيع بالتقسيط وتتمثل هذه الجهات في المؤسسات التي تختص بمنح بطاقات الائتمان بجانب جهات الدفع والشراء بالتقسيط والمؤسسات التي تقوم بعمليات تصنيف وترتيب المديونيات على المنشآت المانحة للائتمان والبيع بالتقسيط ومؤسسات الخصم وإعادته للأوراق المتداولة في هذه العمليات ذات الطبيعة الخاصة التي من خلالها نستطيع إيجاد الثقة وضخ وسائل دفع جديدة للمنشآت المختلفة، وأوصت الدراسة بضرورة مواجهة حالات الغش التي قد تظهر من جراء التلاعب أوالتحايل في الشروط أو الاشتراطات المعلنة للبيع بالتقسيط وتطبيق قواعد الغش التجاري على نظام البيع بالتقسيط.
سلع غير ضرورية
مشيرة إلى أن المشترين بنظام التقسيط يتصفون ببعض الخصائص، حيث إنهم من الذكور ويقعون داخل فئة العمر ما بين 35 إلى 45 وأنهم من المتزوجين وأن أسرهم تتكون من 3 إلى 6 أفراد ومستواهم التعليمي يبدأ من الجامعي فأعلى من ذلك، كما أنهم في العادة يكونون من موظفي القطاع الحكومي ويزيد مستوى دخلهم الشهري على 8000 ريال حتى أن الشراء بالتقسيط لم يعد مقصوراً على الفئات الفقيرة أو المتوسطة، بل أصبح شيئاً عادياً ومتعارف عليه بين الفئة الغنية مع اختلاف نوعيات السلع المشتراة بالتقسيط، وطالبت الدراسة بقيام وسائل الإعلام بدورها المطلوب في التوعية لمنع قيام الأفراد من شراء منتجات غير ضرورية أو هم في غير حاجة إليها بالتقسيط والسعي للقضاء على هذهالظاهرة من خلال نشر الوعي الإرشادي والتثقيفي للمستهلك، كما أوصت الدراسة بضرورة تنظيم دورات توعية استهلاكية للجمهور بصفة دورية لترشيد الاستهلاك، مشيرة إلى ضرورة تحقيق الربط والتنسيق بين كافة الجهات المرتبطة بالتقسيط والتي من أهمها مؤسسات التقسيط ومؤسسات منح بطاقات الائتمان والدفع والشراء بالسداد المؤجل ومؤسسات تقوم بعمليات تصنيف وترتيب للمديونيات على الشركات المانحة للائتمان والبيع بالتقسيط ومؤسسات الخصم بالشكل الذي يعزز من الثقة في العلاقة بين الجهات المقسطة والأفراد المتعاملين بالتقسيط، كما أشارت الدراسة إلى أن البنوك أيضا تلعب دورا سلبيا في زيادة عمق مشكلات التقسيط في السوق؛ حيث إنها قد تلعب دورا مزدوجا في التعامل بالتقسيط، فالبنوك من ناحية تدخل كبائع بشكل مباشر في سوق التقسيط، كما أنها من ناحية أخرى تقدم القروض الاستهلاكية للأفراد والتي يمولون من خلالها مشترياتهم بالتقسيط، وفي كلا الحالتين فإن التسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك للمواطنين قد تدفعهم بشكل غير مخطط إلى شراء سلع غير ضرورية بهم بدافع الإغراءات التي تقدمها البنوك لهم، الأمر الذي يتسبب في ظهور مشكلات التعثر في السداد، كما أن بعض هؤلاء الأفراد أصبحوا يعانون من عدم وجود سيولة للسداد لأن البنوك تقوم بخصم الأقساط الدورية منهم مباشرة كاستقطاع من دخولهم رغم أنهم في حالات عديدة لم يحصلوا فعلاً على هذه السلع، بل إنهم قاموا ببيعها بالخسارة لتلبية متطلبات الاستهلاك فيما يمكن للبيع بالتقسيط أن يسهم بشكل كبير في زيادة فاتورة الواردات الإجمالية في المملكة، حيث إن توسع البنوك في توفير القروض الاستهلاكية وكذلك إتاحة تسهيلات التقسيط من العديد من الموردين والمنشآت تسبب في زيادة مقدرة المستهلكين على شراء منتجات معمرة مثل السيارات الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع طلب القطاع الخاص على استيراد المزيد من المنتجات وهو ما يترتب عليه ارتفاع كبير في حجم الواردات منها بالشكل الذي يسهم ارتفاع الناتج المحلي في فاتورة واردات المملكة، وقياسا عليه في السلع الأخرى يمكن استنتاح أن البيع بالتقسيط قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط على فاتورة الواردات الإجمالية للمملكة.