رد : منقولات فكاهيه اهديها لمنقاش
فكر..بلا أقلام!!
لي صديق قديم عاد من غربة طويلة إلى الوطن بشوق ولهفة على أثر اتفاق أوسلو، وربما كان ذلك أهم إنجازات ذلك الاتفاق!
صديقي هذا كان يعيش في لندن، وكان يملك داراً للنشر بالإضافة لأعمال أخرى ناجحة، لكنه كان يحلم بالعودة إلى فلسطين برغم بحبوحة العيش في بلاد الإنجليز، وبرغم جواز السفر البريطاني. فصديقي هذا يعشق بلادنا وكانت غزة هي حبه الأول. وحكى لي قصصاً كثيرة عن طرائف حياته منذ ترك غزة قبل سنين طويلة.
ومن أطرف القصص التي حكاها والتي تحمل مغزى أنه فكر يوماً في إصدار مجلة باللغة العربية في لندن وأنه وبعد أن اختمرت الفكرة في رأسه قام بالاتصال بوزارة الداخلية مستفسراً عن إمكانية الحصول على تصريح لإصدار المجلة، ولكن الموظف المختص أجابه بأنهم لا يصدرون في وزارة الداخلية تصاريح لإصدار الصحف والمجلات، وحار صاحبي وهو يفكر كيف يمكن الحصول على تصريح في بلد ليس فيها وزارة للإعلام كما هو الحال في البلاد العربية التي تهتم كثيراً بإعلام مواطنيها بأي شيء غير الحقيقة.
وقام صاحبي بالاتصال بوزارة التجارة ظاناً أنها جهة الاختصاص حيث أن المجلة مشروع تجاري، ولكن الجواب كان أيضاً أنهم لا يصدرون تراخيصَ للمجلات.
لم يجد صديقي بداً من الاستعانة بأحد المحامين لاستشارته في الموضوع، وفوجيء المحامي بطلب صديقي ورد مداعباً وقد أدرك الأصول العربية لصديقي أنه لا يلزم ترخيص لإصدار أي صحيفة أو مجلة أو نشرة عملاً بمبدأ حرية التعبير، وأن من حق أي مواطن أن يصدر ما يريد من مجلات أو جرائد.
وحكى صاحبي تلك القصة الطريفة والبليغة في آن واحد بمناسبة أني كنت قد عرضت عليه إصدار نشرة دورية خاصة بالتوعية الديمقراطية حيث أفهمني بلباقة أننا نحتاج إلى ترخيص! استناداً إلى قانون المطبوعات وهو قانون شديد الإجحاف بحق الثقافة والإبداع، ويركز السلطات في يد الوزير الذي يستطيع أن يقرر ما شاء فيما يخص حرية التعبير وحرية النشر.
وكنت قد قرأت تصريحاً للنائب العام قبل استقالته يقول فيه أننا نعيش في ظل قانون الطوارئ وهو الذي أصدرته سلطات الانتداب البريطاني، بهدف قمع المقاومة الفلسطينية. وتعجبت في نفسي ولم أكد أصدق ذلك التصريح. فقانون الطوارئ المذكور يقيد الحريات ويمنع الديمقراطية ويحطم التجديد والابتكار، ثم عدت إلى إعلان الدولة الفلسطينية فوجدت فيها كثيراً من التأكيد على القانون واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير مثله مثل القانون الأساسي الذي صادق عليه المجلس التشريعي ولم يكتب له أن يرى النور بعد!
ومن المؤسف أن الكثير من المثقفين والكتاب قد آثروا السلامة وقرروا التخصص في الشؤون الإسرائيلية أو شؤون الماو ماو..فذلك يريح الأعصاب، ويغني عن سؤال اللئيم، فكانت النتيجة أن تحول البعض ليصبحوا أفكاراً ليس لها أقلام وغيرهم أقلاماً دون فكر.
ورأيي أن في ذلك قصوراً واضحاً، بل وانحيازاً ضد المبدأ الديمقراطي بقبول الوضع كما هو عليه والمطلوب من المجلس التشريعي اتخاذ خطوة جريئة بإلغاء قانون المطبوعات والنشر وهو الذي صدر قبل وجود المجلس التشريعي، وأن تنهض الأقلام الحرة تدافع عن حقها الثابت والمشروع في إعلان الدولة الفلسطينية وفي كل المواثيق العالمية لحقوق الإنسان، وإذا كانت بعض الصحف الفلسطينية اليوم قد أصبحت ملكاً للسلطة يديرها موظفون رسميون، فإنه لابد أن تنهض الصحف الأخرى بمزيد من الحرية والإبداع
|