بعد التداول
الشفافية ..التطبيق من الداخل
بادي البدراني
ظلت سوق الأسهم السعودية أسيرة للتذبذبات العالية على مدى الأسابيع الماضية بسبب انعدام الثقة في أوساط المتعاملين وتنحي السيولة الاستثمارية عن دخول السوق والتي فيما يبدو أنها أخذت دور المتفرج على أوضاع السوق لوقت غير معلوم .
سوق المال تعيش ظروفاً عصيبة في الوقت الراهن، وهذه الظروف لها أسباب عديدة أبرزها أن الجهة الرقابية التي تفرض على الشركات المساهمة نظاماً للافصاح والشفافية، غير ملتزمة بما تفرضه على الآخرين، لقد تعمدت أو ربما تجاهلت هيئة السوق المالية أن الإصلاح يبدأ من الداخل قبل أن يطبق في الخارج، لذا فإن عليها أن تعيد حساباتها فيما يتعلق بشفافيتها مع المتعاملين في سوق الأسهم .
السوق أصبحت حساسة جداً وتتأثر سلباً عند أي حديث يطلق من هنا أو هناك عن طرح شركات جديدة للاكتتاب العام، وهذا الأمر يعتبر طبيعياً لأن الاستثمار لا ينمو مع المخاوف والجهل بالمعلومة، لكن ما يحدث في الوقت الراهن أن العديد من الشركات الراغبة في طرح أسهمها تعلن من جراء نفسها مواعيد طرح أسهمها للاكتتاب العام، ووصل الأمر إلى تحديد مواعيد هذا الطرح، دون أن يكون هناك دور مباشر لهيئة سوق المال في توضيح مواقفها تجاه هذه الإطروحات وإطلاع المستثمرين على مجريات دراسة هذه الإطروحات ومواعيدها المتوقعة .ص حيح أن الهيئة ليست معنية بكتم أفواه المتحدثين، لكنها بالتأكيد مسؤولة عن توفير المعلومة الصحيحة لعموم المتعاملين وعدم ترك السوق للإشاعات والتفسيرات غير المبنية على وقائع حقيقية، والاستمرار في هذا النهج من قبل هيئة السوق المالية لن يساعد سوق الأسهم في العودة إلى التعافي من جديد، لأن الحذر والترقب وعدم المصداقية في الأقوال ستدفع السوق لمزيد من الهبوط .إ ن قضية الشفافية في غاية الأهمية التي يجب أن تبدأ هيئة سوق المال في التعامل معها بجدية والنظر إليها بأنها أساس لكل التعاملات الصحيحة، والمطالب هنا ليست بالمستحيلة، حيث رن بمقدور الهيئة إتباع طرق أولية عدة للخروج من مأزقها الشفاف منها التخلي عن التخاطب مع المستثمرين بصفة المصادر المسئولة، وعدم تجاهل رغبات ومقترحات المتعاملين والأخذ بها بجدية، بجانب السرعة في الرد على الإشاعات أو الأنباء التي تمس السوق.
في الأسواق العالمية، هناك جمعيات كبيرة أعضاؤها المتعاملون في البورصة، ودور هذه الجمعيات التي تشرف عليها جهات مالية ورقابية، يكمن في تحديد ووضع مقترحات لتطوير وتحسين الأداء في هذه الأسواق، ومن ثم رفع هذه المقترحات إلى الجهات المشرفة على سوق المال، والتي بدورها تعمل على دراسة مايراه المتعاملون واتخاذ القرارات بشأنها . هذا الأمر دليل على أن جهات الرقابة في الأسواق العالمية تعلم جيداً أن لا سوق دون مستثمرين ولا قرارات دون دراسة كل الآراء الهادفة.. والأخذ بتجارب الآخرين والتعلم منها يعتبر تطوراً فكرياً وإدارياً يغيب عن سوقنا في الوقت الراهن .