رد: لـــحـــن الــقـــــــــــــول
مَرسُولٌ من طَرَفِ ... !!
في هذا التعبير لفظان شائعان على الألسنة ، أما أحدهما – وهو الأول – فمن اللحن القبيح الذي تدفع قوانين اللغة في نحره ولا تجد له وليًّا ولا نصيرا؛ لأنه لا يقال: مرسول إلا إذا كان الفعل (رَسَل) وليس في العربية رَسَل بل أرسَل فهو مرسِل لا رَاسل، واسم المفعول مُرسَل لا مرسول، ومن شائع الأغلاط: الرَّاسِل، و (مرسُول الحبّ) و (مرسول من فلان). وأما الآخر: فلفظ (طَرَف) في السياق المذكور، وهو من بديع المحدثات في الاستعمال اليوم، ولا أعلم أهي شائعة بالاصطلاح أم بالاقتراح، يقولون: نحن جئنا من طَرفِ فلان، ونحن أرسلنا من طرفه ، واتفق كل من الطرفين( الطرف الأول والطرف الثاني)، ومعاجم اللغة تقول: طَرَفُ الشيء: ناحيته وجانبه ، ويستعمل في الأجسام ، كطرفي الحبل، وأطراف الإنسان، وفي الأزمان، كطرفي النهار، وأطرافه، والقطعة من الشيء يقال لها : طرف، وفي الكتاب العزيز: ( لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ) وأطراف الإنسان يداه ورجلاه ورأسه ولسانه، ويقال لبعض أعضائه طرفٌ أيضا ، وأطراف الأرض : علماؤها ، وهو معنى تفسيري لقوله سبحانه: ( أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) أي : بموت علمائها ، وللآية تأويلات أقوى من هذا ، ويقال للرجل الكريم الرئيس : طَرَفٌ ، فيصح أن يحمل معنى قولهم : الطرف الأول والطرف الثاني في بعض أحواله على هذا ، وأما قولهم : هذا من طرف فلان ، فلا يصح حمله عليه إلا على معنى التجريد في البلاغة ، كقولهم : لي منك صديق صادق ، وضربوا له مثلا بقول ربنا سبحانه : ( لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ ) ونظَّروا له بشواهد من منثور الكَلِم ومنظومه ، وإنما يحمل في الأظهر على المعنى الأول ، وهو الناحية والجانب ، فمن قال : جئتك من طرف فلان ، فمعناه : من ناحيته وجهته ، ولا يعجبني أن يقول المرء: أنا من طرف فلان ، فإن أدنى وسواس يفهم خلاف المراد، ولا أن يقول الشافع للمستشفع: قل لفلان: أنا مرسَلٌ من طرف فلان ، ولم يقلها لي أحد إلا وأبصرت في أرجائها علة تقدح في صحتها، وإن كان ظاهرها السلامة ، فهي بمنزلة المعلّ في علوم الحديث، وإن سلمت من قادح العِلل فهي بوزان الحسن لغيره، وربما صحت الأجسام بالعِلل
|