عرض مشاركة واحدة
قديم 03-14-2013   رقم المشاركة : ( 44 )
ابن ابي محمد
ذهبي


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 563
تـاريخ التسجيـل : 25-07-2006
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 1,185
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : ابن ابي محمد


ابن ابي محمد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: الطريق الى المدينه ..

الطريق الى المدينه (5)..
بسم الله الرحمن الرحيم
حالما تجاوزنا ما كان يعرف بجبل ابن بطي بشرقي الشهداء الا وتحول الوضع من حولنا الى أزدحام وصخب تعلو فيه أصوات البواري وحركة السيارات التي تختلط أحيانا بلجبة أو لجة تأتي الينا من هنا أو هناك , وتفوح من محيطه روائح ممتزجة وغريبة تهبط علينا من مختلف ألأتجاهات , وتظهر علينا خلاله وجوه بعضها غير مألوف وتعلوها سحن مختلفات , ونشهد فيه دكاكين وبسطات مكشوفة تبدو غاصة بمختلف البضائع والأحتياجات ...
هكذا أو قريبا من هذا بدا المشهد الذي أستقبلته حواس ابن ابي محمد وهو متربع على ظهر اللوري ومتمسك بكلتا يديه بأحدى مواسير الحنايا يشاهد من عل(ن) ما حوله بأنبهار وأعجاب , وتراه مشدوها وفي عجالة من أمره وهو يتلفت يمنة ويسرة في حالة من حالات الزلب والنهم المعرفي التي يحاول معها أستيعاب اكبر قدر ممكن من كل ما تقع عليه عيناه من المشاهد المتلاحقة بسبب حركة السيارات ..
أنها المدينة والمدنية التي لطالما داعبت خيال ابن ابي محمد وظل يحلم برؤيتها بعد أن سمع عنها الكثير والكثير وهاهو أخيرا وبعد شوق كبير وأنتظار طويل وشاق يدخل اليها لأول مرة في حياته دخول الفاتحين الأبطال المتوجين بأكاليل الغار ...
وهاهو لورينا يمخر في طريقه خلال الشارع العام الذي يخترق حي الشهداء متجها الى وسط البلد حيث برحة ابن عباس التي كثيرا ما تردد على مسامعي ذكرها وذكر مسجدها دون أن أكحل عيني برؤيتها ولو لمرة واحدة قبل الممات ..
يا ليلة أثنعش يا اللي فيك يقرون @@ عند ابن عباس في ذيك الرويقات ..
أنها لأحدى اللحظات الفارقة والبارزة في تجربتي بالحياة , فهذا لورينا يسير بين ايدينا ببطىء ولصوته من فرط حمولته رزيم وأنات ’ ولخشب البضائع (الكرد والهواري واغطيتها) من تحتنا زقزقة وأطيط وقطيط وزفرات ...
أنها بحق للحظة فارقة في مسيرة حياة ابن ابي محمد, وكيف لا وهي التجربة الأولى لصبي قادم من الريف حيث البيان وفصاحة اللسان وسرعة البديهة والتميز في التعبير عن ما في النفس من مكنونات بمختلف تعابير الوجه والأيماءات والنبرات , من الريف حيث البساطة وقلة التعقيدات وحيث الدعة والسكون والصفاء ونعيم الهدوء الذي لايقطعه في النادر سوى زمجرة من رعود أو هتيت من مطر كتيت ,, من الريف حيث تبرز في الأعالي قمم الشم المشمخرات وتنبسط برحابة سهول فسيحات , من الريف حيث الأودية السحيقة والمنحدرات , وحيث تنوع الزروع ودر الضروع والثمار والشاة والبعير والكون الفسيح وألأفق البعيد المديد والليل البهيم المرصعة سماؤه بالنجوم المتلآلئات..
أنها بيئة مغايرة تماما لبيئة المدن تلك البيئة التي ترعرع في أكنافها ابن ابي محمد ولم تقيد بها حريته أو تدجن حواسه فينطفىء وهج المشاعر الى درجة من الدرجات التي تنمرس فيها وتندرس بها الفطنه كما يحدث احيانا مع بعض من ينشأون في أجواء أزدحام وصخب وتشويش المدن التي تبلد المشاعر ويكثر في اوساطها الأمساس وما يفقد المرىء الكثير من الأحساس , بيئة الصفاء التي تتفوق فيها حواس اهلها على مثيلاتها عند سكان الحواضر وتتميز عليها بالرهافة والحساسية بحيث تستشعر أدنى الأشارات وتستلهم أدق العبارات والأيماءات ..
لكن هذا المرهف القادم من الريف قد شغف منذ الوهلة الأولى أيما شغف وأسرت مشاعره كأكثر ما يمكن أن تؤسر بمشهد صبية في مثل سنه وهم على ظهور السياكل , لقد شغفتني السياكل حبا أكثر من شغف سهيل بالثريا وهمت بها هياما أكثر من هيام مجنون ليلى بليلى , وعندما أشرت أليها بأصبعي أعجابا بها وبفائدة ركوبها وأنا على ظهر اللوري رد علي كل من كان حولي وهم ممسكين بأطراف شعرات من لحاهم وعلامات الأستغراب والعتب تعلو وجوههم وظاهرة من نبرات أصواتهم ,, ردوا علي قائلين ,, يا عيباه ويا شق جيباه على رجل قبيلي ابن قبيلي مثلك يا ابن ابي محمد ويتمنى ركوب السياكل ؟؟, لذلك أرتكست مناي وارتدت الي مشاعري حتى انغرست رؤوس سهامها في اعماق الفؤاد فسرت أذا أصابتني سهام , تكسرت النصال على النصال ..
وبردهم ذاك الغير قابل للنقاش انكبت حبي لها في جويفاء صدري وخيبوا كل أمل لي في الأمساك ذات يوم بقرونها والحلم بالتنزه عليها , أنهما الحب والخيبة الحبيسين والمكبوتين , وتلك المتضادات من أخطر انواع المشاعر المهيأ للأنفجار والتشظي في كل الأتجاهات حالما تسنح لها سانحة للأنعتاق والأنفلات , وصدق من قال أن من الحب ما قتل ...
فقد شغفت بحب السياكل من النظرة الأولى وهمت بها الهيام الذي سيقودني فيما بعد للتعرف على مخافر الشرط ودفاتر التحقيق وينتهي بي الى غرف العمليات والسرير الأبيض بالمستشفيات , والأهم من هذا وذاك ما سيكلفني (في نظري يومها) من الخسارة في مصداقيتي التي بنيتها بالصدق وأمانة الكلمة بمرور الوقت مع من حولي من الناس والتي ستتأثر خلال زمن يوشك على الأقتراب ...
والى هنا نتوقف بكم تجنبا للأطالة , نتوقف بكم عند اللحظة التي هام فيها قلب ابن ابي محمد بالسياكل من النظرة الأولى وهو لا زال متربعا على أغطية هواري البرشومي قبل أن يتوقف به اللوري وقبل أن تلامس قداماه تراب برحة ابن عباس , هذا هو حاله قبل أن يصل اليها , فكيف به أذا وضع كفه على قرنيها ؟ ..
نتوقف بكم في الزمان وفي المكان اللذبن أبتلع فيهما مرهف الأحاسيس الطعم وعلقت به السنارة , وقريبا سيحصد أول مكاسبه من العشق وهبوطه للمدينة التي لطالما فتن بها وبأخبارها وتمنى رؤيتها ولو لمرة واحدة في حياته بمرحلة من العمر لم يكن يعلم بها بأن ابن آدم مهما تحققت له من الأمنيات فلن تتوقف شهيته ويكف عن المطالبة بالمزيد , ولو أعطي واديان من ذهب لما تردد عن سؤاله الثالث ولا يملأ جوفه الا التراب ...
وفي ما يقبل من مقالات سنطلعكم أن شاء الله على البقية المتبقية من يوميات ابن ابي محمد في المدينة التي دونها في أحدى مذكراته ونشرت لأول مرة بقسم التاريخ والتراث في منتدى قومه ثماله ..
تابعوا معنا ذلك لكي تلموا بمقتطفات وقبسات من تاريخكم المجيد آثناء العصور الوسطى, وشكرا ...



ملاحظه : كاتبكم أجتمعت فيه منذ أمد بعيد عيوب الريف والمدينه معا, وكل الحكي الذي قرأتموه بعاليه قضت عليه المدرسة على يد المدرسين وأذلالهم لنا ثم قضي على ما تبقى بسبب عوامل مختلفه في مراحل لاحقه , وشكرا ..
آخر مواضيعي

التعديل الأخير تم بواسطة ابن ابي محمد ; 03-14-2013 الساعة 07:48 AM
  رد مع اقتباس