عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 08-05-2007
 
المستعين بالله ابوعبدالله
كاتب مبدع

  المستعين بالله ابوعبدالله غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 197
تـاريخ التسجيـل : 24-11-2005
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 820
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : المستعين بالله ابوعبدالله
افتراضي من الذكريات / الحلقة الثانيه.

من الذكريات / الحلقة الثانيه. من الذكريات / الحلقة الثانيه. من الذكريات / الحلقة الثانيه. من الذكريات / الحلقة الثانيه. من الذكريات / الحلقة الثانيه.


بسم الله الرحمن الرحيم ألحمد والشكرلله , والصلاة والسلام على رسول الله , وآله وصحبه ومن والاه , وبعد :
في النصف الثاني من سبعينيات القرن الهجري الماضي كنت بسن من يستوعب ألأخبار , وكنت كأقراني شديد ألأصغاء الى أحاديث كبار السن في مجالسهم بمجتمع قبلي كان منغلقا على ذاته مما يعطي أهمية للحديث والمتحدثين ,, وكان مجتمعي يومها غنيا بآداب راقية للحديث والمتحدثين وآداب عريقة للأستماع والمستمعين .
أحاديث أهل ذلك الزمان وما سبقه من أزمان لم تكن مهلهلة بلا روح كدردشة أهل زمانكم , وأنما كانت أحاديث لها قواعدها المتينه وضوابطهاالرفيعه, حيث تجد فيها العذوبة والجزالة وقوة البيان والأيجاز , وتجد في قائليها تحليا باللياقة والفطنة والكياسة مع اقتدار كبيرعلى أستخدام ألأيماءات والأشارات والنبرات (لغة الجسد) أثناء أسترسالهم في الكلام كتنوع نبرات الصوت وأيماءات الرأس واليدين وتعابير الوجه والعينين وتوزيع النظرات على المستمعين .
وكان المستمعون يحسنون ألأنصات أجلالا لمحدثيهم فلا يقاطعونهم أثناء تحدثهم أو يتجاذبون الأحاديث الجانبية في مجلسهم أثناء تكلمهم ,, وكانوا (اي السامعين) يتمتعون بملكات وقدرات مكتسبة تميزهم عن أهل عصركم كالصفاء الذهني وسرعة البديهة وقوة الحافظة وتذوق البيان وقدرات نقد الكلام شعرا كان أم نثرا .
بذلك المجتمع الذي تزيد فيه نسبة ألأمية على 99% , وبتلك البيئة التي يغلب على أهلها البساطة والفطرة , طرق مسامعي كرات ومرات بضع كلمات وعبارات فيها قراءة للمستقبل وتوقعات من أجداد أبائنا تحققت في كبرنا , فقد كان يروي لنا المسنون ما كان يقوله لهم أسلافهم (أباؤهم واجدادهم) من أنهم على أعتاب زمن عجيب سيبكي منه الذيب ويتكلم فيه الحديد ويقترب به البعيد .
وهم عندما يرون حينها مثل تلك التوقعات عن أسلافهم فذلك يعني أن ما ذكروه يومها قد مضى عليه أعتبارا من يومكم هذا ما يزيد على مائة وعشرين عاما . بعبارة أخرى , لقد كانت توقعات أسلافهم المستقبلية مبكرة جدا وسابقة للأختراعات التي قادت فيما بعد لمثل تلك التوقعات.
ثم عشنا من بعدهم عقودا ودار بنا الزمان دورته حتى أصبحنا في سن من كانوا ذات يوم يتحدثون الينا وننصت اليهم في مجالسهم , وأذا بالذئاب التي كان عواؤها يلجلج ليلا بكل مكان لكثرتها , أذا بها تقف اليوم على حافة ألأنقراض بعد أن تفانت أمام الأسلحة النارية وانواع السموم وندرة الفرائس , ولم يبك الذئب وحده بديار قومي , بل بكى معه نمور الجبال وفهود الوهاد حتى لم نعد نسمع بها فضلا عن أن نراها , وبكت الضباع والثعالب والعقبان والنسور والحدأة والعلية والصقور والحجل والقهادي وكثير من أصناف الطيور ,وكذلك النحلة والفراشات الجميلة وغيرها من ألأحياء البرية الكثيره .
أما في بقية أرجاء المعمورة فقد ظهر الفساد في البر والبحر وبكت لعويل الذئاب كثير من الكائنات البحرية والبرية حتى أضطر المشفقون عليها الى أنشاء محميات مخصصة لها لمحاولة أنتشالها من أنقراض بات وشيك الحدوث ,, بل أن ألأنسان نفسه قد شرع في تهديد ذاته بمخترعاته العبثية كأصناف السموم والمبيدات والتلاعب في الجينات وألأسلحة الفتاكه نووية وكيماوية وجرثومية التي أستخدمها في بعض حروبه , ثم أمعن في أيذائه لبني جنسه واستخدام مؤخرا اليورانيوم المنضب والمخصب ضد أخيه في ألأنسانية بالعراق ولبنان بكميات ستبقى في المياه والتربة مئات السنين أن لم يكن أبد الدهر , وستتلف بسببه الجينات الوراثية لكثير من الكائنات الحية بما فيها الأنسان ليولد بالمستقبل أجيالا تلو أجيال من المواليد المشوهين والمعاقين والمعرضين للأمراض السرطانية والمناعية.
وبكت لبكاء الجميع البيئة كلها بفضائها ومائها وترابها مما لحق بها من تلوث وصل الى عنان الفضاء وأحدث الندوب في غلاف الأوزون , ووصلت آثاره الى القطبين التي بدأ ذوبان ثلوجها بعد تجمدة دام لملاين السنين مما سيتسبب في حالة أستمراره الى أرتفاع منسوب مياه البحار حتى تختفي كثير من الجزر والسواحل بل دول بأكملها مثل بنقلادش وغيرها .
ودار بنا الزمان من بعدهم لنرى وقد أقترب البعيد وتكلم الحديد بفضل التطور الهائل والسريع في ألأختراعات ووسائل الأتصالات والمواصلات التي لست بحاجة في هذا المقام الى تذكيركم بأسمائها وانواعها ودورها في حياة ألأفراد والجماعات ومختلف سبل الحياة , تلك الوسائل التي تحول معها الكون كله الى قرية كونية صغيرة ما أن يحدث حدث بركن من زواياها الا ويتردد صداه في الركن الآخر .
وأذا كان ما ذكرته لكم بهذا المقال يرويه لكم واحد منكم يعيش في أواخر عقده الخامس من العمر , وأذا كان الشيء بالشيء يذكر, فماذا يقول من هم من جيلي في الطرف الآخر من ألأرض , ومن بيئة وثقافة مغايرة كليا لبيئتكم وثقافتكم؟.
لتتعرفوا على أجابة لهذا التساؤل تعالوا معي لتطلعوا على ما سطره كاتب غربي كبير (أمريكي) هو ريتشارد هاينبرغ في مقدمة كتابه غروب الطاقة الذي ألفه بعد أحتلال العراق حيث يقول:
(عندما كنت صبيا صغيرا في الريف قبل ما يزيد على خمسين عاما كان الناس يعملون في الزراعة ليكفوا أنفسهم أذ لم يكن لهم الخيرة من أمرهم ,, وكانوا مكتفين ذاتيا يقومون بما كانت أجيال من قبلهم تقوم به) .
ثم يسترسل الكاتب في سياق حديثه عن مصادر الطاقة(فحم,بترول,غاز) التي هي وقود التغير السريع والنهضة المادية الحديثه الى أن يقول:
( قصة مصدر الطاقة بدأت منذ مئات ملايين السنين , لكنها ستنتهي قريبا في مدة حياة أولئك الذين هم أطفال اليوم بحرق آخر برميل من أرثنا ألأحفوري(فحم,بترول,غاز) الذي لن يعد لنا بعد ذلك أبدا). ثم يواصل حديثه الى أن يقول :
(منذ قرن كان أجدادنا ألأقربون يركبون عربات تجرها الجياد , أما اليوم فلدينا صور ملتقطة من المريخ , وانزلنا البشر على القمر , وفرشنا مساحات شاسعة من سطح البراري ببحار من ألأسفلت نقود عليها ونركن فيها ملاينا من السيارات , وبنينا ناطحات للسحاب وحولنا مجاري أنهار عظام) .
ثم يشير الى الفرق الشاسع بين ماض قريب وحاضر عجيب ومآل مريب فيقول :
(أن جل هذا الصرح بني في حياة جيل واحد من البشر وحسب ,, وما زلت أستطيع التحدث الى أناس يتذكرون أول سيارة وصلت الى بلدتهم , وها نحن نشهد بأم أعيننا اليوم ألأزدهار الوجيز للتحول الصناعي بكل أبهته . فيا له من مشهد !).ثم يقول : ( ويا للهول , لقد تسلقنا عاليا جدا على غصن بيئي هزيل يوشك أن ينقصف بعصرنا الذي نعيشه عصر الخوارق والأعاجيب ) , أنتهى كلامه .
سبحانك اللهم وبحمدك ,أشهد أن لا أله ألا أنت , أستغفرك اللهم وأتوب أليك .
رد مع اقتباس