عرض مشاركة واحدة
قديم 01-22-2013   رقم المشاركة : ( 46 )
ابن ابي محمد
ذهبي


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 563
تـاريخ التسجيـل : 25-07-2006
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 1,185
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : ابن ابي محمد


ابن ابي محمد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: الكابوس الذي حل يوما ما بابن ابي محمد ..

تيقن ابن ابي محمد أن الصراخ الذي تفجر فجرا من القرية الواقعة على الضفة الأخرى من الوادي انما كان صراخ المحمدي الأول الذي نكب ذلك الصباح وطالت نكبته حتى تحول صراخه الحاد الى موجات من المنعاة والنياحة ان خبت أحيانا علت أخرى حتى انبح صوته وتقطعت نياط قلبه ...
لذلك أخذ خوفي وقلقي يتصاعدان واخذت دقات قلبي تتسارع تحسبا لمكروه اصبح الفاصل الزمني بيني وبينه آخذ في التضاؤل والأنحسار, ويا ليت ما كان ينتضرني قاصرا على الأذى الجسدي وحده ولكنه سيتعدى ذلك الى ماهو اكبر وهو ألأذى المعنوي وكشف عورة كنت أخجل حتى من المجيء على ذكرها ..
فيا له من يوم نحس اكفهر من الفجر , ويا له من يوم لا كسائر الأيام تنكر لي فيه الأهلون والأقربون الذين لطالما وجدتهم واقفين الى جواري يتسابقون لدرىء كل عادية عني , لكني وجدتهم في ذلك اليوم وقد بدوا متخلين طواعية عني متعمدين دفعي لمواجهة موقف عصيب منفردا وحدي ...
كانت دارنا مبنية من الحجر ومكونة من بيت طويل يفتح بابه على خارجة مكشوفة الوسط في جهة منها سقيفة والجهة الأخرى غرفة غير مسقوفة ربما كان والدي رحمه الله يخطط على المدى البعيد على تخصيصها لي عند زواجي , يليها مجتمعة حوش للغنم بجدار حجري رفيع ثلثه تقريبا طيف مسقوف تستظل فيه البهائم من الشمس وتستذري فيه من الهزل والمطر وبقيته مكشوفة تنتهي في طرف منها بباب جامع لكل من يلج الى الدار ..
هذه الدار المضمومة والملمومة على بعضها التي لم يكن خارجها سوى مبارك الأبل ومدفن النار ومرابض ومرابط الكلاب ومكان السمانه (الدمنه كرمتم) كانت بالنسبة لي عالم خاص مليء بالأنس والمباهج يغنيني ما فيه وما حوله عن ما عداه من بقية العوالم , وتربطني به وبمن فيه من أنس ودواب علاقات حميمة بما في ذلك سماؤه التي كنت أرقبها ليلا وأكلآ نجومها وامعن النظر صوبها متأملا فيها وهي تضيء تارة وتخفت أخرى في جمال وسلام وهدوء ووئآم وكأنها مجموعات جمعتها جلسات أنس وسمر مع بعضها, فيسري ويسري بي الخيال معها كل مسرى حتى اتمنى لو كنت معها أو واحدا منها...
حيواناتنا التي كان أغلبها يحمل أسماء تميزها عن غيرها كالشاة فلانة والجمل فلان والغنز فلانة والكلاب بخيت وغنام وسداح وسرحان كلها كانت تربطني بأغلبها علاقات يغلب عليها الحب والوفاء ويندر فيها القسوة والجفاء ..
ولكنها جميعا كانت في كفة وطلي أدرع جميل كان وحده في كفة اخرى ويرجح بها جميعا , فهذا الخروف سميته بالأسم الذي رغبته لعلاقتي الحميمة به منذ صغره , وعندما كبر كنت اخفي له الطعام خلسة عن أهلي (كسرة خبز او قبضة حب او لوية علف) فأذا شاهدني ترك الرعية وجرى ورائي واذا لحق بي ركبت عليه , وهكذا ..
في ذلك الصباح المشئوم المتشبع بمشاعر الخوف والأسى لم يبق لي أحد من الخلق يمكن أن يواسيني ويخفف عني بعض احزاني وما أنا فيه من الكرب ألا طليي ذاك الذي ذهبت أبحث عنه في حوشنا وانادي عليه من بين غنمنا بأسمه , ولكن ندائي لم يرجع له صدى صباح ذلك اليوم ولم يجبني طليي كعادته فخشيت من فوري أن يكون قد حل به مكروه , فانكفأت عائدا الى أهلي وسألتهم عنه ليأتيني الجواب بصدمة ما كنت لأتوقعها وكانت في وقعها أدهى وامر علي من صدمة الطهار التي كنت أحمل لها قبلا هما تنوء بحمله الجبال .
لقد ذبح ليلة البارحه وأعتذروا لي مقسمين بأنهم لم يرضوا بذلك وحزنوا لذبحه ولكنه قدر سببه أنهم طلبوا من جارنا فلان بأن يقوم من بين الضيوف وينقي من بين الغنم ذبيحة جيدة ويعشيها المعازيم فوقع أختياره على طليي دون علمهم ولم يفطنوا له الا بعد ذكاته وتعليقه بالمعلاق وفوات الأوان ..
فخارت قواي حتى لم تعد تحملني قدماي وبدأت أنتحب ببكاء خافت وأنين عميق يتحشرج به صدري شعرت معه بالمقت والكره لكل من حولي خصوصا جارنا ذابح الخروف ليلة البارحة والذي كنت أحمل عليه ضغينة من قبل بسبب سؤال وجهه لي ذات يوم امام الناس قال لي فيه , يا ابن ابي محمد أسألك , أنت عندما تستيقض من نومك صباحا ’ هل تغسل وجهك أولا ثم تذهب لتتبول بعد ذلك , أم تتبول وتغسل وجهك ؟, فأجبته بالأخيرة فضحك مني واضحك الناس علي فحملتها له في صدري ولم أغفر له تلك الزله ..
بفاجعتي الأخيرة وفقد أغلا شيء عندي وقتله قتلة مأساويه , بفاجعتي تلك وذبح طليي الذي ما أحببت يومها شيئا مثله قط , أصبحت الحياة عندي مساوية وتوأم للممات واصبح لا طعم لها ولا قيمة ولم تعد في نظري تعني لي الكثير حتى لو وضعوا حد السكين على حلقي لا على مكان أخر ..
ويبدو أن آثار صداقة ذلك الطلي وحادثة ذبحه بقيت معي الى اليوم , فلا زلت أعطف على الحيوانات واحبها ويحزنني أيذاؤها , وأسخط على البلدية التي تسمح بذبحها أمام بعضها بأسلوب وحشي خال من الرحمة والشفقه , وأكره الصيد والصيادين الذين يقتلون الكائنات الحية من غير حاجة ماسة او غائلة جوع موجيه..
لم يطل بنا الأنتظار حتى سمعت صوت المعراض والردح عند بيت جارنا المجاور لصفاة الطهار التي سيجري عليها طهار بقية المحمديين الأطهار ,,, لذلك خرج ابن ابي محمد من الدار وارتقى دمنة امام باب الحوش ترتفع قرابة اربعة أمتار لعله يستطلع منها ما يجري قريبا من دارنا , فرأيت أحد المحمديين محمولا وهو يصرخ في صرة وجدته رحمها الله التي دللته كثيرا تبكي وتجري من خلفهم وكأنها تحاول دون جدوى أنتزاعه من بين أيديهم ..
شاهدني من بين جموع المحتفلين جارنا قاتل طليي ليلة البارحة ومضحك الناس علي قبل عدة أسابيع فما كان منه الا أن ترك المعراض والطهار والمطهرين واستدار بكل بدنه في اتجاهي واخذ يكيل لي في التهديد والوعيد ويقول جاك يومك يا أبا غلفه وويتوعدني بقطع كذا وكذا , الخ , فلم أشأ أن أرد عليه حينها لشعوري بالعجز التام والأنهزام وقلة الحيلة...
تبعني بعض اهلي خارج الدار ثم جاء يمشي الهوينى بأتجاهنا صديق والدي الشيخ بركي بن مشيلح الثمالي رحمهما الله وأخذني بيدي من بين أهلي ثم بدأ يترفق بي ويشجعني ويوصيني بالتجلد والصبر مثله عندما طهروه صغيرا وصبرحتى ظفركبيرا , وهكذا الى ان أجلسني على الصفاة وأنا موجوم مذهول مستسلم شبه فاقد للوعي لا أنطق ببنت شفه , ثم أدخل يداي من تحت ركبتيي من الخارج وسحبهما من الداخل الى أعلا وغطوا على عيوني , ودون أن أشعر بشيء سرعان ما اوقفوني وعدت عائدا لبيتنا والدم يبلل ثوبي من ألأمام دون أن تسيل لي دمعة ودون أن أشعر بأي ألم ربما بسبب الوجوم الذي حل بي في اثر الصدمات التي تلاحقت علي تباعا صباح ذلك اليوم قبل أن تبدأ مراسم طهاري ...
وبعد تضميدي من قبل والدتي رحمها الله بمسحوق الشث أخذ أهلي ملتهم ومقهاتهم بعد أن حاولوا اصطحابي معهم فرفضت , فتركوني خلفهم وتوجهوا بمقهاتهم الى أحد بيوت الطهراء حيث سيفطر الكل مطهر ومحتفلون ثم ينتهي الحفل وينقلب الجميع عائدين الى بيوتهم وشؤون حياتهم اليوميه , وسلامتكم....
آخر مواضيعي

التعديل الأخير تم بواسطة ابن ابي محمد ; 01-22-2013 الساعة 01:54 AM
  رد مع اقتباس