الجمعة, 6 نوفمبر 2009
د. عبدالعزيز الحربي
من حِكم الشعر ما جاء على لسان الشاعر حين قال : * وما آفة الأخبار إلا رواتها * والرواة منهم الصادقون ومنهم دون ذلك ، فمن تبيّن ولم يعجل فقد تحرى رشدا .. ودونكم مسائل أربعا نسبت إلى الإمام ابن حزم الظاهري ، وهو منها براء ، يردّدها بعض الخاصة ومن دونهم من أهل العلم .
وإحدى المسائل : القول بأنه لم يطلب العلم إلا بعد السادسة والعشرين من عمره في قصة يذكر فيها أنه دخل المسجد فجلس فأمر بالصلاة ركعتين .. إلخ ، وهي قصة مشهورة يحكيها من يحكيها للحث على طلب العلم وأنه لا بداية له.. وبأدنى تأمل وبحث يدرك طالب العلم أنها منتحلة ، وليس لها خطام ولا زمام ، ومن قرأ سيرة هذا الإمام عرف أنه نشأ في بيت علم وعمل ، وأنه حفظ القرآن وعلم مقدمات علوم الشريعة والعربية في سن مبكرة ، وأنه طلب الحديث والفقه وهو دون البلوغ ، وأن من أشياخه في ذلك من مات وابن حزم لم يتجاوز السادسة عشرة ، وممن سمعته يحكيها الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله ، عام 1407هـ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، في محاضرة ألقاها علينا يوم ذاك.
الثانية : القول بأن مذهبه في الطواف بالصفا والمروة أربعة عشر شوطا ، وهي أكثر المسائل الأربع شيوعا عنه ، وما بالعهد من قِدَم ، فقد سُمِع الشيخ العبيكان – عفا الله عنه – يوم الأربعاء الماضي في سؤال على الهاتف: يقولها، ورددها ثلاثا.. ومصنفات ابن حزم كالمحلّى وحجة الوداع، تنادي بصوت عال على نقض هذه الدعوى وبراءته منها، بل إن ابن حزم يحتج بالعقل والنقل على من يقول بهذا القول.
الثالثة: قال لي غير واحد، منهم أستاذ كان يدرس لنا العقيدة: إن ابن حزم يحرّم أن يقول المرء لوالديه: (أف) ويبيح أن يأخذ العصا ويضربهما حتى يبردا، فقلت له: أين هذا ؟ قال: في كتبه، ثم أدبر يسعى. غفر الله له .
الرابعة: ما يردده بعضهم تقليدا لابن عبد الهادي أنَّ ابن حزم جهميّ جلْد، وهذه أظلم وأطغى، ولا يقول هذا إلا جاهل بمذهب جهم أو حال ابن حزم أو بهما معا ، أو كان قاسطا، أو لا يدري ما يخرج من رأسه، ولو ألقى معاذيره.. وليس الغرض – هنا – الدفاع عن ابن حزم ، وحسب ، بل الغرض الأكبر هو التذكير بقول الله : (فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ ) سامح الله الجميع .