الموضوع: كنتُ جمّالاً ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-05-2011   رقم المشاركة : ( 33 )
المقداد
كاتب مبدع

الصورة الرمزية المقداد

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 3563
تـاريخ التسجيـل : 12-02-2009
الـــــدولـــــــــــة : ضوء الظل
المشاركـــــــات : 1,283
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 89
قوة التـرشيــــح : المقداد تميز فوق العادة


المقداد غير متواجد حالياً

افتراضي كنتُ جمّــــــالاً ,, ح3 .

بسم الله وعلى بركة الله نعود إليكم أحبتي الكرام مجدداً يدفعنا الشوق والمحبة للقائكم وتكملة ما تبقى من سلسلتنا القصصية " كُنت جمالاً " .... ولا زلت أيها الأخوة أتقرب من والدي العزيز أمد الله في عمره طلباً في المزيد ونبش أعماق ذاكرته الموغلة في القِدم والغوص معه في أعماق تلك الحقبة الزمنية الماضية التي عاشها في بداية حياته برغم قساوتها إلا أنها تركت لديه ذكريات جميلة لم ينساها هوبل لن ننساها نحن كذلك أبناءُه ...
وفي الحلقة السابقة توقف بنا الحديثُ مع "المقداد الأكبر" حفظه الله تعالى من كل سوء عند ذلك البعير "شعيــل" والذي سبق له أن أشتراه بدراهم معدودة وقصة الحب والعشق المتبادلة التي جمعت بين الطرفين وقد سألته حينها عن ذاك الجمل الذي كان له بعد الله خير معين ونِعم رفيق وطلبت منه وكلي شوق ولهفه أن يغوص بي في بحر ذكرياته مع ذاك البعير الذي أحبه بشغف وبادله هو كذلك الحب بحب مثله، "هنا" وقد أستلم دفة الحديث والدي رعاه الله قائلاً: ياولدي أُما عن جمل أبيك "شعيل" فلا تسأل، وأما عن غير "شعيل" فأسأل؟ ثم أسأل؟؟ "ويعني بمقولته هذه والتي أطلقها بكل عفويه وأريحيه ليعبر لي عن مدى وقوة ارتباطه وفخره واعتزازه بذاك الجمل ، وأن ليس لهُ مثيل بين أقرانه من جِمال الجمالة حينذاك كما يعتقد، كما كان مَضرباً للمثل في تلك الأيام حسب وصفه، فقلت له زدني يا أبتي عن ذاك الجمل وما يحمله من صفات، أخذ يتنهد قليلا ثم اتكأ بجسمه المثقل بقسوة الأيام وتعب السنين على تلك الوسادة الملقاة خلفه وأخذ يمسح بعمامته عن خديه شيئاً من العبرات والتي أنسابت دونما شعور منه محاولاُ في الوقت نفسه أن يتوارى عني كي لا أراها!! وأردف قائلاً: شعيل ياولدي لم أرى له في "مزايين" أيامكم هذه مثل زينه ياولدي!! "وقد فهمت ما يعنيه تماماً"، شعيل يابني كان ذو هيبة وقامة فارعة، طفحان اللحى، سبيبه طويل، وفرسنه واسع، طويل عرنين واسع العينين، عريض خدين واسع النحر .. قلت له عفواً يا أبي: أنني أعرف ما تعنى به قولك فارع القامة عريض الخدين واسع النحر، وأني لأراك يا أبي قد أوصلته عنان السماء تمجيداً !!، ولكن ما تعني بوصفك له بـ "سبيبه طويل وفرسنه واسع "؟؟ عندها رمقني حفظه الله بنظرة حادة عصفت بكياني وجوارحي وتسمرتُ منها في مكاني!! وتمنيت لو أني لزمت الصمت ولم أقاطعه بسؤالي هذا والذي أظنه قد أزعجه أو لم أوفق في اختيار الوقت المناسب لطرحه عليه، حيثُ
أخذ يقبض بشده على لحيته التي اشتعلت شيباً وأخذ يتنفس الصعداء هو يردد مقولته الشهيرة والتي أعتاد أن يقولها دائماً وذلك في حالة عدم رضاه عن أمر ما: "وا شيبك يـانـي شيباه " أوتظن أنك لا زلت صغيراً لم تكبر بعد ياولدي .. وعمرك قد شارف على الخمسين!!؟؟ كيف لا تعلم ما يُـقصد "بسبيب وفرسن الجمل" ووالدك الذي أمامك كان يُشار إليه بالبنان بين الجمالة، دليل ومرجع لكل من أراد أن يبتاع جمـلاً!! إن سبيب الجمل ياولدي هو الشعر الكثيف الذي يغطي ذيله وفرسنه يعني خُفه .. أفهمت .. أم أزيد ؟؟ قلت بلا.. الآن.. الآن قد فهمت معناها وآسف على مقاطعتك ياوالدي، ثم واصل حديثُه قائلاً: ثق تماما يابني بأن "شعيل" أبيك كان يتحلى بجميع تلك الصفات الجميلة التي ذكرتها لك، كما أريدك أن تعلم أن التي أحفت وأدمت قدما والدك وفراسن جمله شعيل ما هي إلا جبال المنحوت العسيرة وبطاحي الزيمه والبهيته " مقطعة أكباد الجمال " وذلك أثناء ذهابنا وإيابنا من الطائف إلى مكة المكرمة سعياً وراء طلب الرزق الحلال من رب العباد وتوفير لقمة العيش الكريم لتنعموا أنتم بحياة كريمة هانئة....
وهنا يا سادة قصة ذكرها في مجمل حديثه لازالت عالقة بذهني وهي ماكنت قد وعدتكم بها سابقاًَ , فيقول : مر أحد مواسم الحج بوافر من الخيرات متعدي نفعه على التاجر والجمّال وكل ضارب في الأرض وساعي لرزقه , المهم في الأمر أن (( ابن درباس )) كان مشتهراً جداً في حنكته في التجارة وجلب البضائع ومن ثم تسويقها في مواسم الحج وغيرها , وقد كان عامه ذاك من المواسم التي لن ينساها لكثرة ما أصاب فيها من من (( جنيه ذهب أبو خيال ,وريال فرنسي فضة كبير مخلوط بنحاس " وريال مجيدي "فضة هو الاخر وآخر سعودي )) عملات متعدده كانت تتداول في ذلك الزمن الغابر ! .
وحال ما قضي ذلك الموسم بإزدهار تجاري وقناعة بما قسمه الله لهم حان وقت رحيل قافلة " ابن درباس " من مكة والي الطائف , قام بحمل متاعه وزهابه على ظهور جماله الخمسة , فبقي من المتاع أثقله وأشده على ظهور النوق !؟؟
فتقدم الينا ونحن جماعة من الجمالة ينشدنا المساعدة في حمل قناطير السكر , وهيهات أن أي جمل يحمل قنطارين أثنين فقط فما بالكم بثلاثة بقية متاع ابن درباس !!
نظر الجمالة بعضهم بعضاً ولسان حالهم يقول مالها الا شعيل ! ما لها الا شعيل ! مالها الا شعيل .
لم نليث غير قليل وقال ابن درباس سأدفع مقابل هذا المتاع عشرون ريال أي مايقابله جنيهين ذهب !.
تنصل الجمالة واحداً تلو آخر وأقبلت أنا على شعيل بعد أن وضعت راحة يدي على عنقه الفارع ماسحاً تارة ومربتاً بها اخرى ثم مسائلاً اياه , أما زلت ذلك الجمل المتفتق قوة ؟؟ امازلت شعيل مضرب الأمثال ,وأنا أنظره بعين عطف رحومة , وكأني لمست إستجابته من خلال نظرته اليّ .
أتفقت مع التاجر ورحلت مع قافلته في ظهر ذلك اليوم وبعد رحلة تخللها تعب ومشقة كان اليوم الثالث آذان لنا بالوصول الي سويقة بالطائف , وبعد أن "خرطنا " أثقال الجمال وأحمالها , وبعد أن دارت الأحاديث والفكاهة بيني وبين هذا التاجر أصبحت علاقتي به أقوى من ذي قبل ...
فأقسم أمام جمع غفير من الجمالة والتجار أني أهديت هذا الجمّال وجمله شعيل هذه الساعة !!!!!!!!!!!!
فكانت مفاجأة لي أجبرتني لاحقاً أن أتعهد هذا التاجر من بستان العنب وحوطة البرشومي الشيء الكثير !!
أنقلبت الي أهلي حين المغرب مسرور بما أصبت في رحلتي تلك وبما أمتلكته من ساعة لا يقتنيها في ذلك الوقت الا الأكابر من الحضر ....

الي هنا أتوقف عن الكلام متأملاً منكم الصبر للحلقة المقبلة والأخيرة عندما أذن شعيل " بالرحيل ولسان حال المقداد الأكبر يردد الابيات الخالدة :
يقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــول:
جملي برك قلتله ** قــوم ياطـويل البـاع
قلي العيَا حط بي ** وأحس بين الضلوع أوجاع




المقداد
آخر مواضيعي

التعديل الأخير تم بواسطة المقداد ; 01-05-2011 الساعة 09:39 PM
  رد مع اقتباس