عرض مشاركة واحدة
قديم 07-08-2008   رقم المشاركة : ( 5 )
@ بن سلمان @
ثمالي نشيط

الصورة الرمزية @ بن سلمان @

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 156
تـاريخ التسجيـل : 01-10-2005
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 14,724
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 20
قوة التـرشيــــح : @ بن سلمان @ مبدع


@ بن سلمان @ غير متواجد حالياً

افتراضي رد: حالات الطلاق بسبب المسلسلات التركية المدبلجة

المسلسلات التركية..صورة من صور العولمة التي نخافها
بقلم وائل مهدي في يوم الأربعاء, 02 يوليو 2008


بماذا يجب أن أشعر عندما أسمع أن هناك طلاقات كثيرة حدثت في أرجاء مختلفة من الوطن العربي بسبب مالئ الدنيا وشاغل الناس "مهند" بطل مسلسل نور الذي يعرض حالياً على قنوات محطة "إم بي سي"؟

بماذا يجب أن أشعر وأنا أسمع أن الملايين في الوطن العربي يشاهدون مسلسل "نور" ومسلسل "سنوات الضياع" المدبلجة من التركية إلى العربية (وباللهجة السورية) يومياً وبدون إنقطاع ويتعلقون كل يوم بمسلسلات تحكي واقع مجتمع في دولة إنحرفت كثيراً عن هويتها التي بنت عليها مجدها وأصبحت مشتتة تماماً كما هو الشتات الذي يحس فيه أبطال المسلسلين المذكورين؟

بسبب طبيعتي المحافظة كنت أشعر ببعض القلق من عرض هذه المسلسلات التي تحمل قيماً غريبة عن القيم السائدة والتي تدعمها المجتمعات العربية عندنا مما قد يتسبب في ظهور بعض الأعراض الإجتماعية المصاحبة لدخول أي ثقافة جديدة علينا.

ولكن ما الجديد، ألم تعرض محطة "إم بي سي" العديد من المسلسلات المكسيكية في السابق وكانت تحمل أيضاً ثقافة مغايرة؟

في الحقيقة هناك جديد، وهو الصلة بين المجتمعين إذ أن هناك صلة كبيرة بين الأتراك والعرب تدعمها ظروف التاريخ والديانة الإسلامية جعلت هذه المسلسلات أقرب إلى قلوب العرب من غيرها وجعلت تأثيرها أقوى.

كل هذا جميل، ولكن أين هو تأثير العولمة هنا علينا؟ دعونا نتكلم بإيجاز شديد عن مفهوم العولمة. وسأستعير تعريفا مختزلاً للعولمة من الكاتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان من كتابه "اللكزس وشجرة الزيتون"
(( إن عهد العولمة هو عهد استبدلت فيه كلمة "معاهدات" بكلمة "صفقات". أي أنه في ظل العولمة لم يعد اللاعب الرئيس هو الحكومات بل انتقلت السيطرة إلى الشركات التي تفتح الحدود من أجل تسويق بضائعها وتنشر ثقافات تساعدها على ذلك. والعولمة في الحقيقة لا تهدف إلى عالم واحد بقدر ما تهدف إلى تكوين سوق واحد )) .

وهذا ما دفع قناة "إم بي سي" إلى عرض هذه المسلسلات في المقام الأول. فبعيداً عن الأيدولوجيا المصاحبة لهذه المسلسلات، لم تبحث القناة أساساً عن شئ غير الربح.

ومن الممكن أن تكون هناك أجندة سياسية أو إجتماعية من وراء هذا المسلسل هنا أو هناك، ولكن بغض النظر لقد إستفادت القناة من ثقافة "نور" و"سنوات الضياع" كثيراً. فمن نغمات ورنات للهواتف المحمولة إلى إعلانات تليفزيونية مكلفة ولقاءات وحفلات عشاء مع أبطال هذه المسلسلات الذين جاءت بهم القناة إلى دبي للإلتقاء بالجمهور العربي.

في زمن العولمة، إن ما يحدث في بلد قد يصبح مهماً في بلد أخر. وما يحدث في بلد قد تستفيد منه شركات في بلدان أخرى. وفي بعض الأحيان قد يحدث أن تستفيد البلد ذاتها من ما يحدث فيها عندما يصبح ما يحدث فيها مهما في بلد أخر.

وعلى سبيل المثال انخرط بعض الشباب السعودي في أخذ دروس في اللغة التركية لدى الحلاقين الأتراك الذي يملؤون صوالين الحلاقة في المملكة.

ومن أوجه الإستفادة الأخرى قيام رجل أعمال سوري بتسيير رحلات سياحية إلى القصر الذي تم تصوير مسلسل "نور" فيه. وأستهوى المسلسل قلوب العديد من المشاهدين العرب وخاصة السعوديين للسفر إلى تركيا.

كل هذا بسبب مسلسل واحد!! لقد إستطاع مسلسل واحد أن يفعل ما لا تستطيع أن تفعله الحكومات من تقريب بين الشعوب ونشر للثقافات وإنعاش للإقتصاد وللسياحة. ولكن مرحباً بكم في عالم تحكمه العولمة.

ولكن لماذا يحدث كل هذا؟ لأن العرب ليس لديهم مسلسلات توفر لهم الدفء والرومانسية والمعاناة الإنسانية والعاطفية التي قدمها هذين المسلسلين. وفي عصر العولمة لم يعد المنتج الوطني مهماً بقدر ما يهم "المنتج" فقط. وإذا لم تكن لديك منتجات وطنية قادرة على مجارة الأجنبية فإن الحدود مفتوحة والكل رابح ماعدا أصحاب الفكر الوطني. ولكن مرحباً بكم في عالم تحكمه العولمة.

وجاءت هذه المسلسلات لتقدم للناس صورة عن الحياة الرومانسية والشاعرية والعاطفية التي تفتقدها العديد من بيوتنا، ولهذا إنهارت كل البيوت الهشة في وجه هذه الثقافة القادمة مع المسلسلات التركية.

وبصراحة إن العولمة إختبار ومقياس حقيقي لكل قيمنا ومعتقداتنا وروابطنا الأسرية والإجتماعية. ولكن إن لم تكن لديك ثقافة قوية فلا أنصحك بتعريض نفسك لهذا الإختبار الصعب. ومجدداً مرحباً بك في عالم تحكمه العولمة.

وعلى الصعيد الأسري، بدا الإفلاس واضحاً في بعض الأسر في سورية والأردن والسعودية ودول أخرى لا نعملها والتي حدثتنا الصحف فيها بوقوع حالات طلاق بسبب "مهند" أو "نور" وقصة الحب التي عاشاها في المسلسل. وأصبح لم يعد بالإمكان حجب الأخفاق الأسري في مثل هذه الحالات أمام المد الثقافي القادم من الخارج.

إن ما يقلقني حقاً هو ليس القيم والثقافة التركية العلمانية التي تحملها هذه المسلسلات. فالمسلسلات هي حالة من الشتات الأبدي الذي تتعرض له الشخصيات الرئيسة. فالكل في المسلسلات معه إمرأة والكل يبحث عن إمرأة غيره والنساء لديهن رجال ولكنهن كلهن يحاولن الحصول على رجال غيرهن. وهذا هو حال المجتمع التركي بل الدولة كلها والتي لديها هوية إسلامية ولكنها لا تريدها وتريد الحصول على غيرها.

ولكن ما يقلقني حقاً هو الإتجاه الذي تسير فيه العولمة في عالمنا العربي. إن العولمة معناها أن الأفكار والسلع والخدمات كلها تسير في كل الإتجاهات ولكن بالنسبة لنا فإن الحركة دائماً في إتجاه واحد وهو إلينا فقط.

إننا عاجزين أن نصدر شيئاً أو مفهوماً أو مسلسلاً أو عملاً أو إنجازاً واحداً إلى الخارج بصورة مؤثرة في ظل هذه العولمة. والحقيقة إننا عاجزين عن ذلك بسبب أن العالم كله لا يحتاجنا في شئ سوى في المواد الخام والثروات النفطية والدولارات التي نجنيها من وراء بيع النفط.

وفي الحقيقة نحن انتهى بنا الإبداع من زمن طويل ولكن الأسوار والقيود القديمة كان تحمينا وتحمي كل ما هو ركيك وهش حتى جاء هذا الزمن الذي لم تعد فيه هناك جدران عازلة مثل "جدار برلين" أو "ستارة حديدية" على قول رئيس وزراء بريطانيا السابق تشرشل.

تتكشف المجتمعات عندما تدخل في العولمة بدون ثقافة فالعولمة هي مجموعة من الثقافات تتعرف ببعضها وتتكامل ولا تفرض بعضها على بعض وإذا لم يكن لديك ثقافة سيعطيك أحدهم ثقافته.

وإذا لم يكن لدينا ثقافة مضادة فإن الضغط سيزيد في الإتجاه الواحد حتى يصيح الكل في يوم ما وبصوت عالي "أين هو المجتمع العربي على الخارطة العربية ذاتها." وسنبقى وعاء للشعوب الأخرى تلقي فيه ما أرادت واليوم تركيا وغداً لا أعلم من.

وإذا كان هناك حسنة واحدة للموضوع فإننا على الأقل بدأنا نفهم ما يحدث حولنا في بلدان أخرى ونهتم بتعلم ثقافات غيرنا
أرجو أن نستطيع أن نعلم غيرنا ثقافتنا إن إستطعنا أيقاظها بعد سباتها العميق.
آخر مواضيعي