عرض مشاركة واحدة
قديم 09-08-2006   رقم المشاركة : ( 4 )
ابن ابي محمد
ذهبي


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 563
تـاريخ التسجيـل : 25-07-2006
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 1,185
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : ابن ابي محمد


ابن ابي محمد غير متواجد حالياً

افتراضي

لنبدأ بالروايات والآثار التي تبدو مؤيدة ومرجحة للتفسير اللغوي المباشر لنبوءة المسيح الدجال ، ومن ذلك الروايات التي أشارت إلى إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكره تميم الداري من أنه رأى المسيح الدجال مقيداً في إحدى الجزر ، وذلك في قصة طويلة مليئة بالعجائب والغرائب .

والواقع أن في هذه الروايات الكثير من العلل التي تقدح في صحة مضمونها وموثوقيته ، فهي تخالف الكثير مما أثبته العلم ويقبله العقل وليس في لغتها ولا في مضامينها ما ينتمي إلى لغة ومضامين الوحي ، بل تفوح منها رائحة الأسطورة ، وتناقض ما صرح به القـرآن الكريم من أن الغيب – حالة كونه غيباً - لا يعلمه إلا الله بينما القصة تؤكد أن تميم ومن معه اطلعوا على الغيب .

إضافة إلى أن القصة تخالف ما ورد في الأحاديث من أنه لن يبقى من الأحياء في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أحد بعد مضي قرن من الزمان ، وقد أشار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله إلى هذه الحجة في معرض حديثه عن مبررات تشككه حيال صحة القصة المنسوبة إلى تميم الداري ، ورأي الشيخ منشور في موقع خيرية الشيخ على الإنترنت .

ومن جانب آخر فإنه يفترض أن القصة رويت في المسجد بحسب ما ورد في الروايـات ، ولو صح ذلك لشاعت القصة بين المسلمين ولكثر ناقلوها عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، في حين أنه لا مصدر للقصة في كل الروايات سوى امرأة وحيدة هي فاطمة بنت قيس .

البعض قد يستشهد بأدلة أخرى تؤيد التفسير اللغوي المباشر ، مثل ظن بعض الصحابة أن الدجال هو ابن صياد اليهودي ، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد راقبه وتأمل حاله . وهذا يمكن أن يُفهم منه أن الرسول كان يعتقد أن الدجال سيكون رجلاً .

وتعليقنا على ذلك هو أنه لا يعلم الغيب – حالة كونه غيباً - لا نبي مرسل ولا ملك منـزل ، وسيتم تناول هذه المسألة بمزيد من التفصيل لاحقاً . ورغم ذلك فإننا نميز بين موقف الرسول من ابن صياد وموقف الصحابة منه . فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن - حسب اعتقادنا - أن يكون قد شك في ابن صياد . إذ كيف يمكن أن يشك في رجل مولود وموجود في المدينة وهو الذي أخبر أن المدينة محرمة على الدجال وأنه لا يطأ نقابها ( طرقاتها ) وأنه سيخرج من خراسان ومن فتحة بين الشام والعراق وسيكون خروجه من غضبة يغضبها ، كما أخبر أن المسلمين سيغزونه ويفتحونه ؟!.

نحن نفهم موقف الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه تشريع للموقف الذي ينبغي اتخاذه بشأن الدلالات اللغوية المباشرة التي تنبئ عنها الأحاديث ، حيث ينبغي إخضاعها للفحص والتأمل والتدقيق . وإن قلنا بغير ذلك فنحن ننسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عدم العلم بالدلالات الواضحة للكثير من الأحاديث التي ورد فيها ذكر الدجال .

أما بعض الصحابة الذين شكوا في ابن صياد فإن موقفهم يدل على أن الأحاديث الواردة بشأن الدجال كانت أحاديث آحاد متفرقة لديهم ، وإلا فإن التساؤل الذي طرحناه بشأن موقف الرسول صلى الله عليه وسلم يثور بصورة جزئية بشأن موقفهم . إذ كيف يمكن الشك في ابن صياد بينما الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن المدينة محرمة على الدجال وأنه لا يطأ نقابها ( طرقاتها ) وأنه سيخرج من خراسان ...... الخ ؟!.

نأتي الآن إلى الوصف التفصيلي الذي ورد في الأحاديث بشأن ملامح المسيح الدجال ، حيث وصف بأنه رجل بعين واحدة وشعر مجعد وجبهة ورجلين متباعدتين ولون أبيض وذهاب ومجيء وكلام ، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم شبههه بعبدالعزى بن قطن ، وهو رجل مات في الجاهلية . فهل يسوغ مع وجود هذا الوصف التفصيلي صرف المعنى إلى الغرب الحديث أو الحضارة الغربية ؟!.

المسألة هنا ترتبط بقضيتين :

الأولى هي : ما إذا كان منهج الرمز والمجاز وارداً بشأن قضايا الغيب الدنيوي أم لا ؟.

وهنا سنجد أن من الثابت بموجب نصوص القرآن تشبيه رجل بالشمس ( والد يوسف عليه السلام ) وتشبيه امرأة بالقمر ( والدة يوسف عليه السلام ) وتشبيه إخوة بالنجوم ( إخوة يوسف عليه السلام ) والرمز لوظيفة السقاية بعصر الخمر والرمز لحادثة الصلب بأكل الطير للخبز المحمول فوق الرأس وتشبيه السنوات المطيرة بالبقرات السمان والسنبلات الخضر وتشبيه السنوات المجدبة بالبقرات العجاف والسنبلات اليابسات ، فلماذا لا يصح تشبيه الحضارة الغربية برجل ؟!

ومن الثابت بموجب نصوص القرآن الكريم تشبيه الجنين في بطن أمه بالنطفة والعلقة والمضغة وتشبيه صورة الجبال بما في ذلك جذورها بالأوتاد ، فلماذا لا يصح تشبيه الحضارة الغربية برجل ؟!

ومن الثابت بموجب أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تشبيه مجموعات من البشر يظهرون من المشرق في آخر الزمان ويقضى عليهم ثم يظهرون ويقضى عليهم ثم يظهرون ويقضى عليهم بقرن الشيطان الذي يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع ، فلماذا لا يصح تشبيه الحضارة الغربية برجل ؟.

بل إن من المقبول في ثقافتنا وفي الثقافة الغربية إطلاق مسمى " الرجل " المريض على الدولة العثمانية في آخر أطوارها ، فلماذا لا يصح تشبيه الحضارة الغربية برجل ؟!

قد يتم الاحتجاج بأنه إذا كان مقبولاً القول بوجود الأمثلة والتشبيهات فيما يتعلق بشكل الحياة ، باعتبار أنه اختلف كثيراً عما كان عليه الأمر في عصر الرسالة ، فإنه ليس من المقبول القول بوجود تلك الأمثلة والتشبيهات على مستوى الشخصيات ، لعدم وجود ما يقتضي ذلك ، فطبيعة البشر لم ولن تختلف مثلما حدث بالنسبة لشكل الحياة .

وردنا على ذلك هو أننا نسلم بأن طبيعة البشر لم ولن تختلف ، إلا أن الذي اختلف هو ظهور الشخصيات الاعتبارية ( الدول ، الشركات ، المؤسسات ، المنظمات ) التي لا يوجد صورة تقريبية أكثر تعبيراً عنها من الأشخاص الطبيعيين . ولو تأملنا شخصية المسيح الدجال لوجدنا أنها شخصية غير طبيعية بأي مقياس من المقاييس ، فقدراتها وأفعالها لا تتجاوز فقط القدرات والأفعال الطبيعية للبشر ، بل تتجاوز حتى القدرات والأفعال المعجزة لبعضهم !!.

إن نبوءة المسيح الدجال تتعلق بفتنة لم ولن يوجد مثلها منذ خلق آدم إلى قيام الساعة ، ولو لم تكن شخصية المسيح الدجال على درجة كبيرة من الغموض والخفـاء والشبه غير المباشر بينها وبين ما ورد في الأحاديث لكان من السهل اكتشاف حقيقة تلك الشخصية وتجـاوز حالة الفتنة بأقل قدر من الصعوبة ، بل ولانقلب الأمر من فتنة كبرى إلى حافز إيماني عميق تكشف الأحاديث ملامحه وتفاصيله منذ البداية بصورة مدهشة .

وهكذا فإن الاستدلالات العقلية ( مستوى الوعـي والمدارك لأهل العصر الماضي ، عدم إجهاض موضوع الفتنة أو الاختبار والامتحان ) والنقلية ( عدم كشف الغيب ، التصوير المجازي في نبوءة قرن الشيطان وفي الكثير من صور الغيب الدنيوي ) تجعلنا ندرك بأن هذا التشديد لا يتناقض مع القول بوجود المضمون التقريبـي ، بل يعني أن الصورة الحقيقية لا بد أن تشتمل على معنى أو ملمح يجسد ويعكس ما تم التشديد عليه .

وطالما كان الأمر كذلك فإنه مهما تم وصف المسيح الدجال بأنه رجل فإن مشروعية منهج الرمز والتشبيه تجعل ذلك الوصف قابلاً للتأويل ، مثلما أمكن تأويل الشمس والقمر والكواكب والبقرات والسنبلات وقرن الشيطان بأنهم والدان وإخوة وسنوات ومجموعات من البشر .

ولنتذكر هنا أن الوصف التفصيلي لملامح المسيح الدجال مصدره رؤيا منامية رآها الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثلما كان مصدر خبر الشمس والقمر والكواكب والبقرات والسنبلات رؤى منامية رآها يوسف عليه السلام وملك مصر .

القضية الثانية التي يثيرها فهم نبوءة المسيح الدجال هي قضية الأدلة التي تقتضي الانتقال من المعنى اللغوي المباشر إلى المعنى المجازي . ذلك أنه لا يجوز أصلاً الانتقال إلى المعنى المجازي ما لم توجد أدلة تقتضي امتناع تحقق المعنى اللغوي المباشر .

والواقع أنه ما كان ليدور بخلدنا صرف نبوءة المسيح الدجال عن معناها اللغوي المباشر إلى المعنى المجازي لو لم توجد أدلة شرعية وعقلية تمنع المعنى اللغوي المباشر .

لاحقاً بمشيئة الله سيكون لنا جولة مع الدلائل التي تقتضي الانتقال من المعنى اللغوي المباشر إلى المعنى المجازي ،،،،،
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس