عرض مشاركة واحدة
قديم 03-06-2008   رقم المشاركة : ( 2 )
واقعي جدا
موقوف


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 184
تـاريخ التسجيـل : 09-11-2005
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 689
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : واقعي جدا يستحق التميز


واقعي جدا غير متواجد حالياً

افتراضي رد : كيف أصبح مثقفا؟

اليزيدي نقل رائع لموضوع لا جواب له

من هو المثقف؟!منمن
عبدالعزيز السماري


بعبارة أرى انها أكثر دقة.. من هو المفكر؟، دفعني لطرح هذا السؤال ترديد مسمى «المثقفين» في كثير من الخطابات والأطروحات، ومحاولة حصره في مجموعات عن أخرى، أو حصره في أقلية لها سمات وصفات غير محددة تشكلها غالباً رغبة السلطة ووسائلها الإعلامية، وعلى طرف آخر يحاول البعض جاهدا فصل عالم الدين عن المفكر او المثقف، فهل هما حقيقة مختلفان؟..
أسئلة تبحث عن أجوبة.. من هو المثقف؟
وما هي المعايير الواجب توفرها فيه ليستحق الإنسان مصطلح مثقف او مفكر او عالم!!. أبدى «غرامشي» تصورا عريضا للمفكر او المثقف حين أشار الى عدم وجود غير مفكرين، فحسب رؤيته كل إنسان يقوم خارج نطاق مهنته بنوع من أنواع النشاط الفكري.. يكون مفكراً او فيلسوفا وذواقة يساهم في مفهوم معين للعالم..، وبهذا التعريف يتسع مفهوم الثقافة ليشمل جميع الذين يشتغلون بالثقافة إبداعاً وتوزيعاً وتنشيطاً، بوصفها عالماً من الرموز يشمل العلم والأدب والدين، ومنها تخرج طبقات تنطلق من نواة تتكون من المبدعين والمنتجين الى طبقات أخرى يدخل فيها الناشر والموزع ويحيط بهم آخرون يعملون على تطبيق الثقافة من خلال المهنة.. كذلك.. أبدع جاك لوكوف في كتابه الرائد «المثقفون في العصر الوسيط» حين ربط بكفاءة ظهور طبقة المثقفين في القرن الثاني عشر في أوروبا استجابة للمد الثقافي والحضري من العالم الإسلامي والذي صدّر للغرب المخطوطات العربية مع التوابل والحرير.. والمؤكد ان مفهوم المثقف في الغرب ارتقى بعد ميلاد قضية دريفوس الى معنى «أقوى» وأكثر تحديداً لدوره الريادي في المجتمع كصاحب رأي وقضية، وذلك عندما كتب المفكر الفرنسي أميل زولا مقالته الشهيرة: «إني أتهم».. والذي أدى بدوره الى ظهور بيان حمل توقع «المثقفين» في فرنسا على وثيقة تطالب بإعادة محاكمة المتهم «الفريد دريفوس» بقضية تجسس لصالح ألمانيا النازية، وذلك بعد ظهور أدلة تشهد ببراءته ومحاولة الحكومة اليمينية «طمس» الأدلة الجديدة على براءته. رسمت تلك القضية معايير جديدة للمثقف او المفكر ترتكز على شرطين: احدهما رغبته وإصراره على «كشف الحقيقة»، والشرط الآخر ان يكون شجاعاً، وان يكون مستعدا للذهاب بالنقد الى ابعد مدى، وان يحدد ويحلل ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ مجتمع أكثر إنسانية.
وعلى النقيض من موقف أميل زولا الشجاع كمثال على المفكر الحقيقي، يبرز فرناندو كاردوسو وهو مثقف برازيلي بارز وعالم اجتماع يساري، اختير مفكر العام بسبب كتاباته الجريئة عن الفقر وظهور الطبقات الاجتماعية نتيجة لتطرف الرأسمالية، كما عرف بتأييده الشديد لقضايا الليبرالية، ويحظى بشعبية لانتصاره لمآسي الفقر وتدني مستويات الضمان الاجتماعي،.. وخلال تلك الفترة وصلت ملحمة الديون في البرازيل الى طور متدهور بسبب ضغط الدائنين على الحكومة لإعادة الهيكلة وتنفيذ سياساتها المالية لضمان عائد مالي يسدد على الأقل فوائد الديون ويسمح بسياسة اقتصادية تقشفية يديرها الدائن الامريكي لتضمن حقوقهم المالية، وكان لا بد من منفذ لسياساتها المتشددة والموجهة ضد الإنسان الفقير، وحدث ان اختير «كاردوسو» وزيراً للمالية لوجود حالة من الرضى عنه في وسط الشارع البرازيلي، وشعرت دوائر الدائنين بالتخوف من تاريخه النضالي ضد الرأسمالية المتطرفة، ولكن سرعان ما اطمأنت عندما قال في اجتماع مع كبار المصرفيين والصناعيين:
«انسوا كلَّ ما كتبته»
وفعلاً نفذ ذلك المثقف المناضل «سابقاً» جميع سياسيات الدائن الأمريكي، وازدادت حالة الفقر شدة، وأصبح التعليم والضمان الصحي في أوضاع سيئة وللأغنياء فقط!!. وفي تاريخنا الثقافي الإسلامي، يبرز عصر علم الكلام بعد سنين الخلاف كأهم مرحلة «ربما» في تاريخ الفكر الإنساني تؤسس ما هية ومعاني جديدة لدور الفكر والإبداع: البحث عن الحقيقة والرأي الشجاع. كما أدى خروج علماء يقفون ضد العوائق في سبيل مجتمع أكثر تسامحاً وعدلاً الى خلق نواة فكرية مبدعة وظهور تطبيقات وأمثلة رائعة على مثالية ونزاهة المفكر المسلم في القرون الأولى. هناك من يعتقد ان ذلك العصر، كان الميلاد الحقيقي لظهور المثقف القوي صاحب الرأي الشجاع، وربما لندرة الحفريات الفكرية في تلك الحقبة التي تنازعتها موجات التكفير والنفي، ضاعت بعض من الحقيقة التاريخية حول تصنيفاتها وتأصيل مواقفها الفكرية بصورة دقيقة لتصبح مثالاً يحتذى به في حاضرنا المهزوم فكرياً، وربما أدى فشل ذلك الجهد العظيم في إصلاح اعوجاج النهج السياسي «الأحادي»، الى اختفائه وانحسار تأثيراته الاجتماعية. كان النهج الامبراطوري السياسي في القرن الرابع الهجري مسرحاً، لخروج طبقة من المثقفين «غير المفكرين»، المتفعين والباحثين عن مردود مادي من خلال نشاطاتهم الثقافية، ولبدء نسق ثقافي، كان اغلبهم على نمط أبي اسحاق الصابي، والذي كلفه عضد الدولة بكتابة تاريخ بني بويه، ويحكى ان مرّ عليه احد زواره فسأله عن ما يفعل فأجاب:
«أباطيل أنمقها وأكاذيب ألفقها»..
سيظل السؤال يطرح نفسه مرة أخرى ومراراً وتكراراً، كلما مرّت نماذج «الصابي» و«كاردوسو» في واقعنا المتكررة صوره من جديد: «من هو المثقف»؟..


من هو المثقف ؟
عبدالعزيز السماري
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس