عرض مشاركة واحدة
قديم 09-30-2009   رقم المشاركة : ( 9 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي رد: الملف الصحفي للتربية الأربعاء 11-10-1430ه

الوطن :الأربعاء 11 شوال 1430 هـ العدد 3288
متى يفتح سؤال التربية العربية؟
عبدالله المطيري
الغالب على المكتبة التربوية العربية أنها مليئة بالكتب المدرسية التي يتم إعدادها من أجل استهلاك الطلاب للمقررات الدراسية أما المكتبة الإبداعية والتي تحتوي على تنظير وتقديم رؤى خاصة جديدة فهي محدودة جدا ونادرة أما الكتب الفلسفية في التربية فهي تكاد تكون غير موجودة . وهنا برأيي نصل إلى لب أزمة العملية التربوية العربية وهو أنها باختصار تربية بلا فلسفة . أي إنها تربية لا تقوم على نظريات وتوجهات فلسفية تأسيسية بقدر ما تنطلق من اجتهادات غير فلسفية أو تقليد ميكانيكي للتربية العالمية أو أنها تخضع لأهداف أيديولوجية توجهها لخدمة مصالحها الخاصة . الغالب على المشتغلين في الدراسات التربوية أن يستهلكهم العمل التقني والتفكير الإجرائي في مشكلات التربية دون الانتباه إلى مشكل الأساس الفلسفي للمبادئ التربوية كما أن عاصفة المناهج الوصفية المسحية الوحيدة اقتلعت حتى البيئات التي تلتفت للبحوث الفكرية والتاريخية والنظرية للتربية فأغلب الرسائل الجامعية التي تنتجها الأقسام الجامعية هي رسائل مبنيّة على منهج وصفي مسحي إحصائي يعتمد على إعداد الاستبانات التي ترصد وتحصي توجهات العاملين في الحقول الفلسفية ولذا نجد أن الأبعاد الفلسفية التي تقدمها بعض الأقسام لا تجد تطبيقا لها في الرسائل العلمية فقسم التربية بجامعة الملك سعود مثلا يقدم مواد مثل : الأصول الفلسفية للتربية، والأصول الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية ونظرية المعرفة إلا أن هذه المجالات لا تجد بحوثا تطبق فيها مناهجها وطرقها ولا حتى أن تؤسس لمنطق معرفي يقدم في إطار منهجي مختلف . هذه أزمة حقيقية وبرأيي أنه لن يكون هناك فكر تربوي واضح وعلمي ويمكن تطبيقه برؤية واضحة دون أن يكون له أساس فلسفي ولذا نلاحظ اليوم أن البرامج التي تحاول وزارة التربية والتعليم إدخالها في التعليم العام مثل برامج التفكير الناقد وتعلم مهارات التفكير والحوار وغيرها تتضارب مع بنية التعليم التقليدية المتمثلة في المقررات الدراسية وسياسة التعليم والتنظيم الإداري للمدارس مما يحد كثيرا من فعاليتها وأثرها . وعلى هذا الوضع فإن الأسئلة الكبرى التي يفترض أن تقلق التفكير التربوي وتدفعه للعمل الحقيقي لا تزال غائبة . باعتبار أن الاشتغال، حتى الجاد منه، بالإجراء في العملية التربوية واستهلاك كل الجهد في بحث السطح والظاهر لن يصل إلى لب المشكلة، أقول هذا الكلام وأنا أتكلم عن تربية شبه معطوبة وفقا للأرقام والإحصاءات الخاصة بالتعليم ووفقا أيضا للقراءات النقدية والملاحظات اليومية في الأزمة الأخلاقية والاجتماعية والسياسية التي تعاني منها الثقافة العربية . سؤال التربية العربية الذي أقصده هو السؤال الذي يفتح النقاش حول المفاهيم الأساسية والمنطلقات الأولى التي تنطلق منها عملية التربية العربية، أعني التصورات الأولى عن الإنسان والكون والعلاقات الإنسانية والحرية والعقل وغيرها من المبادئ الأولى . فعلى سبيل المثال لا يمكن لك أن تدخل برامج للتشجيع على التفكير الإبداعي والناقد وسط منظومة تربوية تقوم على التقليد والتسليم وتحارب الاختلاف وتعادي النقد . لن يستطيع هذا البرنامج اختراق الحجب السابقة، السؤال الفلسفي هو الذي يتجه إلى هذه الحجب ليكشفها للنظر والبحث والسؤال . السؤال الفلسفي في التربية يخرج العاملين في الشأن التربوي من الاهتمام بالتفاصيل الجانبية والغرق فيها، إلى الوصول منها إلى تصورات أولية، كبرى وأساسية . ويجعل من القول التربوي قولا مغيّرا ومُشكِلا ومقلقا للواقع العام . خصوصا إذا عرفنا اليوم أن هناك إقرارا عند الغالبية من المشتغلين بالتربية بأن هناك أزمة في الأنظمة التربوية العربية، أزمة حقيقية تهدد مستقبل الشعوب والأوطان وتنذر باغتراب كبير للفرد العربي عن الحراك العالمي من حوله . هذا الإقرار يبقى، في ظل غياب البحث الفلسفي، يراوح في ذات المكان وينشغل بالحلول الوقتية التي تثبت التجارب أنها تصطدم بحواجز أكبر تمنعها من الدخول إلى الفعل والتأثير والتغيير المطلوب . لهذه القاعدة العربية استثناءات بسيطة خصوصا في الدراسات التربوية التي تنجز في المغرب العربي، في تونس والجزائر والمغرب، الكليات التربوية هناك متصلة شديد الاتصال بالبحث الفلسفي ولن تستغرب حين تقرأ على مقدمة أحد الكتب التربوية في تونس أنه " طبع هذا الكتاب بالتعاون مع مخبر الفلسفة بجامعة تونس الأولى" . هذا الاتصال أنتج الكثير من الأعمال التي تستحق المتابعة ويمكن أن نلاحظ هنا أن هذه السمة تحديدا قد تكون أحد أعمق الأسباب لغياب الأساتذة من المغرب العربي عن العمل في الكليات التربوية المحلية . السؤال الفلسفي الذي يحمله الأستاذ من هناك لا يجد منفذا للعمل هنا مما يجعل الأستاذ يشعر بالغربة من جهة ويجعل الإدارة التربوية تشعر أنه غير مفيد من جهة أخرى . في كل علم من العلوم يمرّ بأزمة عميقة يهرع المتخصصون إلى البحث الفلسفي ليكشف عمق الخلل . في الفيزياء طال آينشتاين بالتقارب بين الفلسفة والعلم في مواجهة الأسئلة الكبرى التي بزغت في وجه العلماء . وفي الطب أثبت كانغيلام أن الدرس الفلسفي للطب يمكن أن يكشف التوجهات الأولى للبحث الطبي وينبه العلماء، كذلك في التربية العربية التي تنجز في البيت والمدرسة ومؤسسات المجتمع والفضاء العام، هذه التربية تمر بأزمة حقيقية، أزمة من النوع الذي يستلزم طرح السؤال الفلسفي العميق . ما هو الإنسان في تصور التربية العربية ؟ هل هو حرّ أم أن حريته تأتي في درجات لاحقة أمام اعتبارات أخرى؟ ما موقف التربية العربية الأخلاقي؟ وأي أخلاق تؤسس لها؟ هل هي تربية مستقبل أم ماضى؟ هل هي تربية خوف أم جرأة؟ هل هي تربية بداية أم نهاية؟ هل تعتقد هذه التربية أن الإنسان هو سرّ التغيير والفعل والإنجاز أم إنه مجرد متفرج على كل هذا . . . كثيرة هي الأسئلة التي يجب أن تطرح وقليلة جدا هي الأسئلة التي تطرح اليوم .
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس