عبدالرحمن بن علي الجريسي
عكست أرقام الميزانية العامة الجديدة للدولة لعام 2008م، تنامي قوة اقتصادنا الوطني وعلو مكانته كأكبر اقتصاد في المنطقة، وهو ما يجب أن يترجم لدى الاقتصاديين والمحللين، بل والمواطنين إلى شعور بالثقة والارتياح في ضخ المزيد من القوة والثبات والاستقرار للاقتصاد السعودي، وإشعار للجميع بالتفاؤل في المستقبل الاقتصادي والتنموي للمملكة من غير إفراط أو تهويل .
ولعل ما حرص عليه قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - على وضع تقديرات متحفظة للموارد المتوقعة للعام المقبل لا تتجاوز 450مليار ريال، رغم الارتفاع الكبير في أسعار البترول وتسجيل إيرادات فعلية للعام الحالي ( 2007م ) بلغت 621.5مليار ريال، يؤكد النهج الواقعي الذي يحرص عليه خادم الحرمين الشريفين والمتحوط لأي تقلبات سلبية يمكن أن تطرأ على أسعار النفط، بالرغم من أن القراءات القاطعة لمعدلات الأسعار السائدة، تتجاوز بكثير السعر الذي قدرت على أساسه الموارد المتوقعة في الميزانية الجديدة .
هذا النهج المتحوط، يحرص عليه خادم الحرمين الشريفين بالرغم من إنشاء صندوق احتياطي الدولة الذي تم بناؤه لتوضع فيه أجزاء تقطع من الوفرة المالية لتشكل ادخاراً وضماناً يحمي الأجيال في حال التذبذب أو التقلب في إيراداتنا البترولية التي ما تزال تمثل عصب موارد الدولة، حيث تم استقطاع 200مليار ريال على مدى العامين الأخيرين لهذا الاحتياطي، وهو ضخ سيتواصل على مدى الأعوام بحيث يصبح رصيداً ضخماً يؤمن المملكة واقتصادها من التقلبات السلبية العالمية .
ولعل هذا الاحتياطي يشكل إحدى أدوات السياسة المالية الرشيدة التي تحافظ على موارد الوطن وتحسن استثمارها وتدخر لحماية الأجيال، وهو ما يتوازن مع النهج نفسه الذي يتمسك به خادم الحرمين الشريفين للتخلص من عبء الدين العام على الاقتصاد الوطني، حيث تمكنت الدولة بفضل هذه السياسة من تقليص حجم الدين من معدلاته العالية إلى معدلات آمنة، فتناقص هذا العام إلى ما يمثل نسبة 19% من إجمالي الناتج المحلي ليصبح 267مليار ريال، بعد أن كان في عام 2006م، يبلغ 28% وفي عام 2005م 40% .
ومما يدعو كذلك للاستبشار والتفاؤل لمزيد من التحسين والتطوير في النهوض الاقتصادي الذي تعود آثاره على المجتمع ككل، أن الميزانية الجديدة رصدت 40% من إجمالي المصروفات والبالغة 140مليار ريال للإنفاق الاستثماري، وهو ما يزيد على ما رصدته ميزانية عام 2005م، لنفس الغرض بنسبة 15% (كان 25% من حجم المصروفات)، ولا شك أن هذه الإنفاق الاستثماري سيساهم في تحقيق الانتعاش الاقتصادي وفتح آفاق واسعة أمام حركة الإنتاج في المجتمع، وهو ما سيشعر المواطن بنتائجه الفعلية في صورة ازدهار اقتصادي وارتفاع في مستوى المعيشة .
كما رصدت الميزانية مبلغ 165مليار ريال للبرامج والمشاريع الجديدة والمراحل الإضافية لاستكمال أو تطوير أو التوسع في المشروعات التي سبق اعتمادها، وهو ما يصب في صورة منجزات تنموية يجني المجتمع والمواطنون كافة ثمارها، من خلال تدعيم بنية اقتصادنا الوطني، بل وستجني أيضا ثمارها الأجيال القادمة .
وأولت الميزانية اهتماماً متزايداً بتنمية الإنسان، تمثل في رصد 105مليارات ريال لصالح قطاع التعليم والتدريب باعتباره الاستثمار الأهم للمجتمع، فالإنسان هو القيمة الأغلى التي تحتاج من القيادة الرشيدة ومختلف الجهات والهيئات والقطاعات الفاعلة في المجتمع للتطوير والتأهيل، ليكون العنصر الأهم في معادلة النهوض الحضاري والازدهار الاقتصادي، فنحن نتطلع إلى اليوم الذي يكون الإنسان السعودي فيه، هو أهم عناصر الإنتاج والرخاء الاقتصادي، وهذا سيتحقق بالارتقاء بتطوير وتأهيل الإنسان نفسه، وهذه بلا شك معركتنا الأهم حاضراً ومستقبلاً .
إن قراءة متمهلة وواعية لبنود الميزانية وما خصصته من أموال لصالح تشجيع وتعزيز خطى البناء والتنمية في كل اتجاه وقطاع، لهو أمر يثلج صدور أبناء الوطن كافة، وتحمل رسالة طمأنينة لكل مواطن في غدٍ أكثر إشراقاً وتطوراً اقتصادياً وحضارياً لنا وللأجيال القادمة، كما تحمل دعوة أيضاً للجميع بأن يشمروا عن ساعد الجد، وأن يتقدم كل منا وبلا إبطاء أو تراخٍ لأداء واجبه تجاه وطنه وأسرته ونفسه، فمن مجموع الإنتاج والعطاء ينهض البناء ويعلو الوطن ويحتل موقعه اللائق بين الأمم .
@ رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض
12-18-2007
ميزانية . 2008.نهج اقتصادي رصين
المواضيع المتشابهه
العرض الشجري