الأخبار الإقتصادية ليوم الثلاثاء 24رجب 1428هـ - 7أغسطس 2007م

[فاعل خير]

ولكم الرأي
جامعاتنا... هل ترحل قضية القبول إلى الذكرى؟!



د. عبدالعزيز بن علي المقوشي
يحسب لوزارة التعليم العالي بحق هذه النقلة المميزة لأداء مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة، كما يقدر لمعالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور خالد بن محمد العنقري مجهوداته الفاعلة والصادقة في سبيل تطوير التعليم العالي السعودي وتنمية قدرات العاملين فيه استجابة لتوجهات حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله جميعا والقاضية دوما لتحقيق كل ما من شأنه تقديم الأفضل لمواطني هذا البلد العزيز على قيادته وأهله وساكنيه، كما يقدر الجميع للوزارة جهودها في تنفيذ برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي ودورها المميز في تنفيذ بعثات داخلية لأبناء وبنات هذا الوطن في الجامعات والكليات الخاصة لما في ذلك من تطوير وتنمية لتلك الجامعات أولا ولتوفير مقاعد دراسية لخريجي الثانوية العامة من أبنائنا وبناتنا.
ولأن التقارير المنشورة في وسائل الإعلام المحلي تشير إلى أن تقديرات خريجي هذا العام من المرحلة الثانوية قاربت الثلاثمائة ألف طالب وطالبة، وعندما نضيف لهؤلاء عدد غير قليل من الطلاب والطالبات الذين حرمتهم الظروف أو النسب من دخول الجامعة العام الماضي وآخرين ممن تخرجوا في العام الذي سبقه، يرتفع الرقم ليقارب (ربما) الأربعمائة ألف طالب وطالبة خاصة في ظل سياسات قبول جامعية صعبة في بعض الأحيان فمن نسب عالية لا يستطيع الطلاب تحقيقها عبر امتحانات أصبحت تشكل "رعبا" أكثر من كونها وسيلة لقياس التحصيل العلمي مرورا بتحديد الجامعات للطاقة الاستيعابية المحددة في تخصصات يحتاجها الوطن حتى "العظم"!! وانتهاء بامتحانات قياس أثقلت كاهل الطالب المسكين!!

ومع كل هذه الأرقام وكل ذلك الضغط النفسي الذي يتعرض له ذلك الطالب، تتوقع جهات أكاديمية أن لا يزيد عدد المقبولين في كبريات جامعات الوطن لهذا العام عن نصف الخريجين!! مما يعني أن جامعات الوطن كلها كبيرها وصغيرها حكوميها وأهليها لن يتمكن من قبول جميع الطلاب والطالبات المتقدمين لدراسة مرحلة البكالوريوس بعد أن تم تخرجهم بحمد الله، مما يزيد من رعب الطلاب الذين أصبح الواحد منهم يفكر بقبول الجامعة منذ بداية دراسته للمرحلة الثانوية وربما قبلها لما يسمع عن صعوبة ذلك وأنه يمثل بالفعل مسألة مليئة بالرعب والخوف من المجهول!!

وبما أن هذه الزاوية في صفحة اقتصادية فإنني لن أخوض ب(المنطقي وغير المنطقي) في أسلوب الدراسة أو الاختبارات أو اختبارات القياس أو آليات القبول فذلك شأن له أهله والمتخصصون فيه، لكنني أجدني مضطرا للحديث عن هذا الموضوع من جانبه الاقتصادي الوطني، ومن أجل أن تتكامل هذه الجهود الرائدة المبذولة من قبل وزارة التعليم العالي التي تمثل المظلة لجامعات وكليات الوطن وجميع الجهات ذات العلاقة بحيث يتحقق المطلوب، فإنني أعتقد جازما أن طرح مثل هذه القضية تظل حتمية وآنية في الوقت نفسه.

السؤال الذي يطرح نفسه بحجم المشكلة التي أصبحنا منذ سنين نعاني منها مثلما كانت ولا تزال تعاني منها دول مجاورة لم نستفد من دروسها أو تجاربها حتى لا نقع فيما وقعت به!! يتمثل في أن هذه الجامعات الضخمة التي قل أن يوجد مثل حجم ضخامتها عالميا والأموال الضخمة التي تصرف على تشغليها وتلك التي صرفت على إنشائها وتجهيزها بمبان تضاهي أكبر جامعات العالم وأجهزة ومعدات متقدمة وحديثة لم ترفع من طاقاتها الاستيعابية لأبناء الوطن بحجم ما تحظى به من الوطن مما سبق ذكره وربما برر ذلك البعض من صانعي القرار فيها بأمور عديدة يتمثل أبرزها في نسبة الطالب للأستاذ أو حجم الميزانيات المخصصة!!

وحتى لا نحرم الطالب من نتيجة شقائه ونحطم فرحته بنجاحه ونطمس معالم آماله وطموحاته فإنني أظن أن على جامعاتنا الحكومية بالذات أن ترفع من طاقاتها الاستيعابية إلى الضعف على الأقل لتتمكن من معاضدة جهود الدولة في استيعاب هذه الأعداد من خريجي الثانوية وخاصة في التخصصات التي يحتاجها سوق العمل، فمن غير المنطقي أبدا أن نستمر بالتعاقد مع آخرين من خارج وطننا في تخصصات موجودة بجامعاتنا إلا أن أبناءنا وبناتنا لم تتح لهم الفرصة للدراسة فيها بدواعي إقفال القبول عند حد معين على الرغم من وجود الرغبة لديهم وتميز نتائجهم في الثانوية العامة، ومع ذلك نغني بطموحات توطين الوظائف وسعودتها ويشكو أصحاب العمل بالقطاع الخاص من عدم وجود السعودي أو السعودية المتخصصة بمجالات أعمالهم التي يتعاقدون مع (الآخر) عليها!!

في عدد غير قليل من تخصصات "الساعة" و"الحاجة الوطنية" يقفل القبول بجامعاتنا على نسب لا تقل عن 98% وربما أكثر!! بينما يفتح الباب على مصراعيه للطلاب والطالبات (مجبرين) لتخصصات نظرية بحتة غص بها الوطن لتتم إضافتهم بعد الأربع سنوات لطابور البطالة الذي يقض مضجع حكومة هذا الوطن!! أو تقذف بهم الظروف للدراسة على حسابهم بجامعات مجاورة (المجاورون لم يكتفوا بالمنافسة التجارية بل انتقلوا للأكاديمية أيضا والطبية بالطريق!!).

وجامعاتنا بمثل هذه التجهيزات مطالبة وبشدة لزيادة ساعات الدوام التعليمي فيها من أجل مضاعفة طاقاتها الاستيعابية مع أهمية التركيز على التخصصات التي يحتاجها الوطن كما ذكرت سابقا والتي يجب على جامعاتنا تشجيع أبنائنا وبناتنا للانخراط فيها، بدلا من صرفهم عنها بهذه النسب العالية والمقاعد المحدودة.

أتصور أن على جامعاتنا خدمة الوطن (من خلال استراتيجية وطنية واعية ومدركة لكافة أبعاد هذا الموضوع واقترح على المسؤولين بجامعاتنا التالي:

أولا: مضاعفة أعداد المقبولين في التخصصات التي يحتاجها الوطن.

ثانيا: العمل على مد ساعات العمل الأكاديمي لتفتح الجامعات قاعاتها وأماكن التعلم فيها لأكثر من عشر ساعات يوميا على الأقل.

ثالثا: تسهيل إجراءات القبول ومنح أكبر عدد من المتقدمين للتخصصات "المحتاجة وطنيا" الفرصة للانخراط فيها ما داموا قد حققوا النسب المطلوبة أصلا وليس بناء على أعداد المتقدمين والمقاعد الشاغرة.

رابعا: زيادة أعداد الطلاب بقاعات الدراسة تفاعلا مع الأعداد المتقدمة من الطلاب والطالبات.

خامسا: نظرا لتحديد مبالغ إجمالي المكافأة المالية للطلاب (ذكورا وإناثا) والتي يتم صرفها من قبل وزارة المالية فقد ترى الجامعات إمكانية منح الطالب أو الطالبة فرصة القبول بالجامعة مع عدم منحه المكافأة المالية الخاصة بالدراسة الجامعية في حال اكتمال العدد المحدد في تخصص معين عند نسبة معينة وبهذا يتمكن الطالب من دراسة التخصص الذي يرغبه مع عدم تحمل الجامعة لأي أعباء مالية وبهذا نمنح الطرفين الفرصة لتحقيق ما يرغبانه أو يمكنهما فعله، وأجزم أن الطالب أو الطالبة سيقبل بهذا بديلا عن دراسته بالخارج أو بحثه عن جامعات (الجيران) التي لا تقترب من جامعاتنا جودة وتميزا.

سادسا: عدم تغليب النظرة الأكاديمية فقط عند النظر إلى موضوع القبول والتسجيل وتشغيل الجامعات بل لا بد من إضافة المنطلق الاقتصادي الوطني والتنموي الشامل فالجامعات حتى وإن كانت تعمل على نشر المعرفة وبث العلم إلا أنها لا تعيش في برج عاجي بعيدا عن الواقع وهموم الوطن ذلك أن الطالب يسعى أخيرا للحصول على وظيفة يقتات منها وعلى الجامعة مساعدته في ذلك.

أخيرا.. يجب علينا جميعا تقدير المجهودات الكبيرة جدا لوزارة التعليم العالي ولجامعاتنا وللبريد السعودي وهذا التميز والتسهيلات في إجراءات القبول دون زحام أو فوضى ولكن بأسلوب حضاري رائع يتناسب بحق مع مكانة هذا الوطن وفي نفس الوقت أعلم أن جامعاتنا تستطيع تقديم الأكثر والأكثر في هذه العملية لكنها في الوقت نفسه تحتاج بالفعل لمساندة الجهات الحكومية الأخرى ذات العلاقة لتطوير أدائها ودعم قدراتها من خلال التفاعل معها وعلى رأس تلك القطاعات وزارة المالية من حيث زيادة دعم الجامعات وهو أمر يجب على المخططين والاستراتيجيين المعنيين بقضايا الوطن دراسته وتقديم الرؤى الفاعلة حوله.. كما قد ترى وزارة التعليم العالي إمكانية شمول كليات المجتمع التابعة للجامعات ضمن برنامج الابتعاث الداخلي ليستفيد الطلاب والطالبات منه في جامعات حكومية متميزة ومعتمدة البرامج ولنخفف العبء المالي على الطلاب وأولياء أمورهم وكل نهاية عام دراسي وبداية آخر والجميع بخير بعيدا عن قلق البحث عن جامعة لابنه أو ابنته وبعيدا عن إكراه الطلاب للتخصص في مجالات لا يحتاجها الوطن، بل أصبحت تشكل له هاجسا سلبيا كونها أحد مسببات البطالة.... ودمتم.