الانتقال للخلف   منتديات بلاد ثمالة > الأدب والشعر > الديوان الأدبي

 
الديوان الأدبي للمواضيع الأدبية المتنوعة المختارة والمنقولة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 08-15-2007
الصورة الرمزية صدى الإحساس
 
صدى الإحساس
مشارك

  صدى الإحساس غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 792
تـاريخ التسجيـل : 29-01-2007
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 163
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 10
قوة التـرشيــــح : صدى الإحساس يستحق التميز
Post رماد ..عادت به سارة ..!

رماد ..عادت به سارة ..! رماد ..عادت به سارة ..! رماد ..عادت به سارة ..! رماد ..عادت به سارة ..! رماد ..عادت به سارة ..!

د . محمد الحضيف 16/9/1424 10/11/2003 القصه قد تكون قديمه ومعروفه لدى البعض لكن لقوتها وبديع سردها نقلتها بين أيديكم....قد تكون طويله شيئاً ما لكن ستكون كأجزاء.............إليكم القصه


دلفت إلى المكتب ، فهاجمتها رائحة السجائر ، التي امتزجت بكل شيء .. من الجدران ، إلى المقاعد البلاستيكية ، وحتى الورقة التي ناولها إيّـاها الجندي ،الذي يجلس بملل ،خلف مكتب معدني عتيـــــق . بكاء الأطفال الذين معها .. ومشـــــــاكساتهم ، لم يترك لها مجالاً لتملأ البيانات ، في الورقة التي طلب منها الجندي تعبئتها . انشغلت بتطييب خاطر أحدهم ، الذي كان قد تعثر في عتبة الباب . المكتب مصنوع من ألواح جاهزة ، من مواد مسبقة الصنع .. أقيم ارتجالاً ، في إحدى المساحات الفارغة ، القريبة من البوابة الرئيسية . مؤقت .. كما يقال .. واضح من طريقة بنائه العشوائية .. شأن كثير من قراراتنا ، وأمور حياتنا : مرتجلة ، مؤقتة .. وعشوائية
. لم تكن العتبة .. سوى طوبتين اسمنتيتين ، وضعتا بدون نظام ، فانزلقت بينهما القدم الصغيرة ، فتقرح ظاهرها، وهو ما جعل الحذاء يـــــزيد حـــدة الألم ، عند أي حركة ، فيتألم الطفل .. ويلجأ للبكاء . حين أكملت تعبئة البيانات المطلوبة ، توجهت إلى الجندي نفسه، الذي علق بصره علـــــيها ، لحظة خرجت .. من وراء ستارة زرقاء بهت لونها، مثبتة في إحدى زوايــا المكـتب ، لتفصل مكان انتظار النساء عن بقية المكتب . كان الجندي يتأملها وهي مقبلة، ويغرز نظرتين حادتين في جسدها ، الذي التفت عليه العباءة ، فلا يظهر منها إلاّ أطراف أناملها ..
التي ترى أن عيني الجندي تستقر عليها ، بعد أن تتفحصا جسمها ، فلا تجد شيئاً " أبيض " ، وسط ذاك السواد ، تقع عليه .. إلاّ هي . تناول الجندي الورقة منها ، بطريقة بدت ، كما لو أنه يحاول أن تلامس يده ، أطراف أناملها . وقفت تنتظر ، وهو يراجع الورقة بسرعة ، ليتأكد أن الخانات كلها مملوءة .. رفع عينية باتجاهها وبنفس النظرتين الحادتين ، المملؤتين رغبة .. اللتين لم تفارقاه .. خاطبها : - اجلسي .. سنرفع الأوراق للضابط .. استدارت عائدة ، وأخذت تحـاول بدأب ، نزع يد الطفل ، الذي يتبعها و يتشبث بعـــــباءتها ، فيبرز من جسمها ما تحاول أن تستره . كانت وهي تجاهد لتخليص عباءتها من يــد الطفل ، يسيطر عليها إحساس أن نظرات الجندي تتبعها ، لتقع حيث يشد الطفل العباءة .. فتزداد توتراً ، وتعجل خطواتها لتتوارى خلف الستارة . مضت أربعون دقيقة .. بطيئة .. قاتلة ، تأملت خلالها جدران المكتب ، المغـــــــــطاة بمــادة ( فلّينية ) لينة ،ذات لون أبيض مطفي .. حفر علــــــــــــــيها بعــــــــض الــــــــــــزوار الســــابــقين ( ذكرياتهم )
.. منظر أعقاب السجائر الهائلة ، المتكدسة على هيئة أكوام ، تحت مكاتب الجنود.. كان لافتاً . هناك بقع أوساخ على الأرض .. في كل ناحية ، وأثار تعرق داكنة ، خلّفها تعاقب الأيدي على الجدران ، و أسطح تلك المكاتب . مستوى النظافة في المكان جعلها تحاذر أن تضع يدها في أي مكان . لم تلهها مشاكسات الأطفال ،وأصواتهم المرتفعة ، عن التقاط جانب من حوارات الجنود التافهة ، التي لا تخلو من كلمات خادشة للحياء .. خصوصاً لامرأة مثلها . هذا السلوك .. ليس مقصوراً عليهم .. معظم مجالس الرجال الخاصة ، تدور فــــيها أحــــــــــاديث ( جنسية ) .. حقيقة مجتمعية تعرفها .. أطرف تعليق سمعته حــــــــــــــــول هــذه ( الظاهرة ) .. كان من إحدى الصديقات : ( نحن شعب ليس لديه قضية .. مجتمعنا حلت جميع مشاكله ) ..!
تعلم من زوجها الراحل ، الذي كان موظفاً مدنياً في قطاع عسكري ، أن المستوى التعليمي لهؤلاء الجنود متدن جداً ، وأن بعضهم ينحدر من مستويات اجــــتماعية ، يغلب عليها العوز والجهل . . وضعف مستوى الذوق العام ، في الخطاب والمعــاملة . زوجها كثيراً ما اشتكى لها من فظاظة التعامل .. وسوء الخلق ، لدى الغالبية من هــــؤلاء الأفــــراد ، ونظرتهم الفوقية لعموم الناس .. بسبب إحســـاسهم المــــــــزيف بامــــــــــتـــــلاك " ســلطة "، تخولهم مساءلة غيرهم من الناس .. من غير العسكريين ، وتولد لديهم روح عداء ، تدفـعهم أحياناً ، إلى التعدي على الآخرين .
تذكر أن زوجها يرد السلوك العدواني لبعض هؤلاء الجنود ، والإحساس المزيف بالسلطة عند أكثرهم ، إلى ( الحس الأمني ) العالي ، الذي تضخه المؤسسة الأمنية فيهم ، فيتضخم الهاجس الأمني لديهم . هذا الوضع يؤدي ، كما فهمت منه ، إلى أن يتخيل الواحد منهم ، أنه ( وزير الداخلية ) ، وأن بقية أفراد الناس ، ليسوا إلا عناصـــر مشــبوهة .. يجب إيقافهم ، ومساءلتهم ، وإظهار سطوة السلطة عليهم ..

وأحياناً إذلالهم .. لتتحقق ( هيبة ) الدولة ..! الوساخة والإهمال ، التي عليها المكتب ،والمواقف التي تتعرض لها ، من البوابة .. حيث ينزلها وأطفالها سائق ( الليموزين ) .. وإلى أن تصل إلى هنا ، إضافةً إلى نظرات بعض الجــنود إليها.. كل ذلك ، زادها اقتناعاً بالـــرأي القـــديم لزوجها ، وموقفه تجاه هؤلاء، وهو ما حسبته يوماً ، تبرماً منه .. من واقع لم يقدر على التكيف معه .

ترسخ لديها هذا الاقتناع ، بعد تكرار ترددها على المكان .. ومرورها بنفس الإجراءات الروتينية المملة .. وتعرضها لنفس الأسئلة .. أحياناً من نفس الأشخاص ، والموقف المريب لأحد الضباط ، الذي طلب منها في إحدى المرّات ، أن تأتي لوحدها .. من دون الأطفال ، إذا رغبت أن تقابله . أو ذلك الذي أخذ رقم الهاتف ، وتكررت اتصالاته عليها . كاد أن يتحول هذا الشعور تجاههم .. عندها ، إلى ما يشبه الاعتقاد ، لولا بعض المواقف الإنسانية ، التي تبدر من بعض الجنود .. على ندرتها، أو ذلك التصرف الشهم ، لأحد الضباط ، الذي نزل من سيارته ، وطلب من سائقه الخاص أن يوصلها إلى بيــــــتها ، واســـتقل هــــو ســــــيارة أجرة .

كانت سارحة ، تتذكر آخر لقاء لها مع زوجها الراحل ، الذي قتلته رافعة سقـــــطت عليه ، في أحد المواقع الإنشائية ، أثناء قيامه بالإشراف على التنفيذ . في اللحظة التي انتزعت فيها آهة وجع من صدرها ، ورفعت يدها لتمسح دمعات تدحرجت على خديها .. أسى على فراق الغالي ، جاءها صوت الجندي عالياً : - يا حرمة .. يا حرمة، الضابط يقول : أيش المطلوب .. ؟ سئلت هذا السؤال ، بعدد المرات الكثيرة التي جاءتها إلى هنا . صار يساورها الشك حول طبيعة الأسئلة ، والغرض من تكرارها . لماذا تسأل أسئلة أجابت عليها أكثر من مرّة .. ولماذا تشرح أمراً ، وضحته قولاً وكتابةً ، في كل مرّة أتت بها إلى هذا المكان ؟ . تملأ ورقة مثقلة بالتفاصيل، وتنتظر أربعين دقيقة .. لتسأل بعدها : ماذا تريدين .. ؟ ! أربعون دقيقة اقتطعتها من إنسانيتها وكرامتها ، وهي تقذف مثل كرة ، مـــن زمــن لزمن .. " تعالي بكره .. تعالي الأسبوع الجاي " ، ومن عـــــــــــين ( جائعة ) لأخــــــــــــرى .. "


الموضوع ما هو عندي .. عند الضابط .. عند الرقيب " . أربعون دقيقة .. نهبت من وسن تحتاجه أعين صغيرة ، أعياها السهاد .. يتماً ، وذلاً .. وليل طويل ، يملؤه شبح الأب الغائب ، وأنين امرأة جريحة : زوج طواه الردى ، وولد غيبته السجون ..! أحياناً تعزو ذلك الذي تتعرض له ، إلى سوء التنظيم .. أو ما كان يسميه زوجها الراحل ، الفــــوضى والتخلف .. بلعت غصة مملوءة بالمرارة ، وهي تخنق ابتسامة شاحبة ، حين تذكرت كلمات زوجها ، يوم عبرّ بإحباط ، عن واقع يشاهده يومياً ، في القطاع الذي يعمل فيه : " لدينا في إدارتنا هذه .. وفي إدارات مشابهة ، لا يستحي التخلف .. بل يســـــــــــير " مرفوع الرأس " .. حيث التعامل والممارسة هنا ، رذيلة .. يهون عندها التخلف " .

كان صدى صوت الجندي .. يردد السؤال : ( أيش المطلوب .. أيش المطلوب ) ، يرن في أذنيها .. ويزرع غيظاً . لم تشأ أن ترد على سؤال الجندي ، وهي في مكانها حيث ستضطر لرفع صوتها ، خاصةً وأنها لاحظت ، في مرّات سابقة ، أن هناك تعمداً لتكرار السؤال ، والدخول في تفاصيل مفتعلة .. وأن تتكرر منها بالتالي .. الإجابة والردود ، فتدخل فيما يشبه الحوار . يستمتعون بسماع صوتها .. لقد سمعت أحدهم في إحـــدى المرّات ، يقول لصاحبه : - أووف .. يا عليها صوت ..


! نهضت وتوجهت نحو الجندي ، حيث كان جالساً ، ينادي من وراء مكتبه . قالت بصوت خفيض : - أنا طلبت زيارة .. - زيارة أيش .. ؟ كان يحدق بها ، وهي ترمق عينيه الغائرتين ، من وراء غطاء وجهها ، وتتأمل شفتين يابستين ، ترك التدخين الشره ، أثاره عليهما .. فتراكمت فوقهما طبقة سوداء ، وبرزت فيهما تشققات دامية ، لا يفتأ بين وقت وآخر ، يمسحها بظاهر كفه . تنفرج شفتاه عن أسنان عاث السوس فيها ، وما نجا منها من التسوس ، تتلبد فوقه طبقة جيرية صفراء .. وبقايا طعام . شعرت بالاشمئزاز ، حين تذكرت أنه في إحدى زياراتها الأولى ، أدخل أحدهــم وجهه ، من نافذة سيارة الأجرة ، التي جاؤوا بها ، عندما كانت تستفسر منه ، عن بعض الإجراءات . وقتها لم تتبيّنه جيداً ، رغم أنها في لحظة من اللحظات ، كانت تشاهد الرذاذ المتطاير من فمه ، يقع على ملابسها .


لج في ذهنها خاطر : أي فم يشتهي أن يقترب من هذه الأفواه ؟ ! إذا لم يردع هؤلاء دين وحياء .. ألا يردعهم ، التبصر في أشكالهم المقززة ؟ ! استـــفزها أسلوبه في السؤال : ( زيــــــــارة أيش ..؟ ) . من يمــــــكن أن يكون خلـــف هـــــذه الأسوار ، يضطر امرأة لتسفح حياءها .. في أماكن كهذه ، ويدفـــــــــــعها لتـــــــتردد بيـــن ( كائنات ) تتـشهاها .. لا ترى فيها إلا ( وعــاء ) للرغبة ، يمكن .. مع بعض الابتزاز والمساومة حيازته ..؟ - زيارة ولدي .. كتبت هذا في الورقة .. التي طلبتم مني تعبئتها ..! - ولدك مسجون ..؟ - نعم ..! - أيش قضيته ..! صمتت .. لم تجبه . تعرف أن الفضول سلوك اجتماعي رائج ، لــــــكن .. لا يـــكـــون فــــجاً ، بليداً بهذا الشكل . لم ينتظر إجابتها .. أشار إليها أن تعــود إلى مــكانها .


بعد ربع ساعة فوجئت به يقف قريباً من الستارة . كان في وضع يستطيع فيه أن يراها . ارتبكت حينما رأته ، وأسرعت بتغطية وجهها ، وحاولت أن تجمع العباءة حول جسمها . كان يبدو أنه هناك .. منذ بعض الوقت ، واقف في مكانه يراقبها . فهو .. ما أن لاحظ ارتباكها ، بعـــــد أن رأته ، حتى بادر قائلاً : - الضابط يقول ما فيه زيارة اليوم .. شعرت بالاحتقار ، وبالغيظ يأكل قلبها : - كيف .. ؟ هذه ثالث مرّة أجيء ، وتقولون لي ما فيه زيارة ..! - هذا كلام الضابط .. تقدرين تكلمينه .. إذا تريدين .. - أكلمه .. لماذا ؟ هذا الذي تصنعونه بي حرام .. آتي أجرجر هؤلاء الأطفال ، من صباح رب العالمين .. من ( ليموزين ) إلى ( ليموزين ) .. وفي الأخير ..

قاطعها : - والله ما أحد قال لك تجيئين ، بدون ما تتصلين .. وتعرفين مواعيد الزيارات . خنقها البكاء .. فسكتت . دفعت الأطفال أمامها ، وتوجهت إلى المكتب ، الذي أشاروا لها أنه للضابط المناوب . حين دخلت ، أخذ يطيل النظر إليها ، ويصعد بصره فيها . كلهم سواء ، لا فرق بين جنديهم وضابطهم .. حدثت نفسها . أنا أمامهم .. لست أكثر من جسد يشتهى . لست أماً ملّوعة ،ابنها مكبل بقيوده ، خلف القضبان . - أريد زيارة ابني .. - ما قالوا لك ، ما فيه زيارة اليوم ؟ .. أنا أحب أساعدك ، لكن

.. ما أقدر .. - لكن المرّة الماضية .. والتي قبلها ،ومرّات أخرى كثيرة .. ردّيتوني ، وقلتم ما فيه زيارة .. - صحيح .. المرّة الماضية ما كان ولدك موجوداً.. كان في المحكمة .. - والتي قبلها ..؟ - أيضاً .. ما كان موجوداً .. كان في المحكمة .. - في المحكمة مرتين .. وما خلص موضوعه .. ؟ - لا .. المرّة الأولى لم يأتوا خصومه .. وأجل الشيخ النظر في القضية .. والمرّة الثانية ما جلس الشيخ ..! - ما جلس الشيخ .. ؟ !من هو الشيخ .. أين مكتبه ، أين يجلس ..؟ - الشيخ حمد المقفي .. مكتب رقم ( 19 ) ، في المحكمة المستعجلة ..! المحكمة المستعجلة .. والولد يدخل شهره السابع في السجن ..؟! كيـــــــف لو لــــم تـــــكن ( مستعجلة ) ؟ !..

تساءلت بصوت غير مسموع ، وشعرت بوجع يتراكم .. ويجثم على صدرها ..! - ......................................... - أبو الولد .. زوجك موجود ..؟ - متوفى .. - اذهبي .. واتركي تلفونك ، وأنا أتصل فيك .. غامت الدنيا في عينيها .. وشعرت باختناق . أطبقت كفها على يد أصغر الأطفال ، وسحبته متجهة نحو الباب ، دون أن تقول شيئاً .. - ما تبغين تتركين تلفونك ..؟ لم ترد عليه .. كانت مختنقة .. محبطة ،حزينة . قبل أن تضع قدمها خارج المكتب ، لمحت لوحة معلقة على الحائط المقابل .

. قد إزدانت بآية كريمة : " الذين آمنوا ، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم . أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " . لا تدري ما علاقة الآية بالسجن ..! ربما لشعور السجان أنه يحقق أمناً ، باحتجازه مراهقاً خلف القضبان لعدة أشهر ، لأن ( فضيلة ) القاضي يؤجل موضوعه .. شهراً بعد آخر ..! " أجل الشيخ الجلسة .. لم يجلس الشيخ " . عبارات كانت تنغرس في وجدانها ، كالحسك في عين عزلاء .. ليس إلا الدمع ، ماء ينسكب .. ويستل النور والحياة . لم تقف في تفكيرها طويلاً .. عند الهدف من كتابة هذه الآية ، وتعليقها في لوحة ، في مكتب سجان . تذكرت أنها كانت قد رأت شيئاً ( مشابهاً ) .. عبارة مكتوبة على مكتب أحد الجنود.. خَطّها هو ، أو ربما أحد زملائه .. تقول : ( العدل أساس الملك .. صدق الله العظيم ) .. !



حين اجتازت البوابة الرئيسية .. إلى الشارع ، كانت الشمس تقترب من وسط السماء . شديدة التوهج .. شديدة الحرارة . حزم من أشعتها تقع على زجاج السيارات العابرة بســرعة ، فتحدث وميضاً ، يشل قدرتها على الإبصار للحظات .. فيزيدها توتراً . مرّ وقت ، ولم تأت أي سيارة أجرة ، من سيارات ( الليموزين ) .. التي عادةً ما تمتليء بها الشوارع .

موقع السجن ناء .. حتى عن أطراف المدينة ، ومن النادر أن ترتاده سيارات الأجرة . صهرتها الشمس ، وانكمش الأطفال من الحر، فلاذ بعضهم بها . وهج الشمس أجبرهم أن يمدوا سواعدهم الصغيرة النحيلة ، بمحاذاة أعينهم ، وأن يغمضوا إلى أقصى حد يستطيعوه، ليتقوا الضوء الشديد . أصحاب السيارات المارة ، توقف بعضهم ، وعرضوا عليها المساعدة .

لم تشأ أن تستجيب لأي عرض ، رغم وطأة حرارة الشمس . لا تستطيع أن تميز مَن مِن هؤلاء الرجال ، يريد أن يساعدها حقاً . تتذكر بكثير من الأسى حديث أمها عن قريتهم ، وحال الرجال والنساء ، يعملون جنباً إلى جنب .. في الحقول والمراعي . كانت ليلة رعب حقيقية ، يوم عادت هي وإياها .. وزوجة جارهم ، من المسجد المجاور لمنزلهم ، بعد صلاة التراويح . في الشارع المعتم قليلاً ، حاصرهن أحد الأشخاص ، وحاول التعرض لهن . عندما أفاقت الأم من صـــدمة الـمـــــوقف .. فيما بعد ، ظلت تردد : " لا .. ما هذي بديرتنا .. ما هذي بديرتنا " .. !

ثم انطلقت تحكي قصصاً كالأحلام ، عن مجتمع كان .. تعطر بالبراءة ..! الانتظار ممض ، تحت أشعة شمس ، تضج من حرّها الحجارة الصماء . لم تكن حرارة الشمس هو ما تشكو ، بقدر ما يفت كبدها الغبن والظلم ، الذي تحس ناره تتسعر في أحشائها .. وهي تتسول حقاً لها ، وتتعرض من أجله .. للابتزاز .

كان التساؤل يتضخم في ذهنها ، ويتمدد مثل ورم سرطاني : " إذا كان قدر امرأة في مجتمعها ، أن تجد نفسها بلا ( رجل ) .. لماذا يلجئونها إلى أوضاع مهينة كهذه ؟ هل قدرها إذا فقدت الرجل ، أن تفقد الاحساس بالأمان .. وأن تفقد الكرامة ، والتعامل الكريم ، الــــــــــــذي يحـــــــــمل عنـــــها بعض آلام ( الفـــــقد ) .. وما يخلفه من شعور بالعجز .. ؟ ! " . قررت أن تسير على قدميها . المسير .. حتى ولو طال ، يظل أرحم لامرأة .. من الانتظار تحت شمس حارة ، على قارعة طريق .. أمام سجن ..! سارت غير بعيد ، فبدأ الأطفال يتعثرون تعباً.. وعطشاً ، وهي .. قد امتلأت قنوطاً .. " لا معنى للوقوف والانتظار " .. كانت تصرخ فيهم

. توقفت إلى جانب الطريق سيارة ، ونزلت منها امرأة .. وقصدتها : - نوصلكم .. يا أختي ..؟ اطمأنت لوجود المرأة ، لكنها لم ترد بسرعة على عرضها. الشمس .. والأطفال العطـــــشى ، الـــذين هدّهم الإعياء ، لم يدع لها مجالاً للرفض .. فردّت بتردد : - جزاك الله خيراً .. لكن بيتنا بعيد ..! - لا يهم .. - أخشى أن ... - لا .. لا يوجد أي مشكلة .. جلست في المقعد الخلفي ، وتراص الأطفال حولها . كانت حريصة ألا يقوموا بأي عبث في السيارة . فهي مرّة .. تسحب يد هذا من زر قفل الباب ، وتارةً تمنع يدالآخر من أن تمتد لزر زجاج النافذة . بين سحب يــد هذا .. ومــنع ذاك ، كانــت كذلك ، تسعى للسيطرة على أصواتهم وحركاتهم : ( اجلس .. لا ترفعي صوتك .. عيب .. أزعل عليك ... ) . سلسلة من الأوامر والتوجيهات ، تتخللها ( قرصة ) أو ( ضربة ) ..! الصمت الذي التزم به سائق السيارة ، والمرأة التي معه ، جعل مسموعاً .. ما يصدر منها ، من توجيهات وأوامر لأولادها .. وكذلك احتجاجاتهم على العقوبات ، التي توقعها بهم ، بسبب حركتهم الزائدة . شعرت بالحرج بسبب ذلك، لكنها لم تكن قادرة ، أن تترك الأطفال وشأنهم ، يزعجون الرجل ، وربما يتلفون شيئاً في سيارته . كأنما بلغ بها التعب أشده .. أو أحست بالاحباط ، فانخرطت في بكاء .. يسمع له نشيج . كانت قد نهضت هذا الصباح، وأيقظت الأطفال في ساعة مبكرة

. أوصلت البنت الكبرى ، التي تدرس في المرحلة المتوسطة ،إلى مدرستها ، وأعطتها مفتاح المنزل .. تخشى أن تتأخر عن موعد خروجها من المدرسة ، فتضطر البنت للــــبقاء في الشارع . في كل مرّات قدومها إلى هذا المكان ، لم تحضرها إلا مرّة واحدة .

يومها .. انتهبتها الأعين الجائعة . لقد صادف في تلك المرّة أنها لم تلبس جوارب ، وحينما نزلت من السيارة ، انكشفت ساقها . لاحظت أن عشرات الأعين لجنود ومراجعين ، كانت متسمرة على باب السيارة ، تنتظر لحظة نزولها ، وانكشاف ساقهــــــــــــــا .. مثـــــل ( كاميرات ) ترصد حدثاً .. وتتأهب لوقوعه . اتسعت الأحداق ،عند نزول البنت ، وارتفاع ثوبها .. لتستوعب المشهد . ثم حين استوت الفتاة على قدميها ، وأصلحت من وضعها ، وسارت لتلتحق بأمها وإخوانها .. استدارت العيون ، وتحركت الرؤوس .. لـ ( اصطياد ) مزيد من التفاصيل ..! تلاحظ هذا السلوك كثيراً .. حيثما تذهب . فما أن تهم امرأة بالنزول من سيارة ، حتى تتجه نحوها الأنظار .. وتتسمر عيون بعض الرجال على باب السيارة . يجري هذا مــعها هي .. ومع الأخريات .

لم يحدث في أي مشوار سارته بالسيارة ، أن نجت من نظرات فضولي يتلصص عليها ، أو على نساء غيرها .. في السيارات التي بجانبها . في ثرثرة مع إحدى الزميلات .. كان التساؤل ملحاً : " لماذا بعض الرجال في مجتمعنا مهووسون .. جائعون جنسياً ؟ لماذا الافترض أن ( كل ) امرأة ، تمشي في الشارع ، أو تقف على جانب الطريق ، أو حتى تتحدث على الهاتف .. لحاجة لها، هي هدف جنسي .. بالضرورة .. " ؟ ! بكاؤها أثار انتباه الرجل والمرأة ، فتهامسا قليلاً . التفتت المرأة بعدها .. وقالت : - فيه شيء .. يا أختي ..؟ [grade="deb887 Ff6347 008000 4b0082"] يتــــــــــــــــــــــــــبع[/grade]
توقيع » صدى الإحساس
لأننـا نُتقِنُ الصّمتَ ….. حمّلونــا وزرَ النوايـا !!
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
للسعوديين فقط بشرى سارة albrens99 الــمـنـتـدى الـعـام 16 07-31-2007 04:23 PM
الخمسة سارة واحد بن سافر منتدى الاستراحـة 4 09-06-2005 01:54 PM
سارة ابو يزيد الــمـنـتـدى الـعـام 10 08-29-2005 12:14 PM
اسئلة في غاية الغباء ولكن اجاباتها في غاية الذكاء.. عثمان الثمالي الــمـنـتـدى الـعـام 6 08-23-2005 01:50 AM


الساعة الآن 04:57 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by