اخبار التربية والتعليم ليوم الاحد 20/2

[صقر قريش]

الوطن:الأحد 20 صفر 1430هـ الموافق العدد (3061)
عبدالله المطيري
التعليم والقضاء كأسس للإصلاح
الإصلاح الحقيقي هو الإصلاح الجذري وجذور حياة المجتمع تكمن في بنيته الفكرية المتشكلة أساسا في التعليم وفي بنيته القانونية التي تأخذ أساسها من النظام القضائي. وعلى هاتين الركيزتين تقوم عملية الإصلاح بمفهومها الشامل التي تشمل الاقتصاد والاجتماع والسياسة وكافة مناحي الحياة من أجل تحقيق الهدف الأساسي وهو إيجاد إنسان حر وعاقل ونافع لنفسه وللآخرين ولوطنه.
وكل خبير ناقد للحالة المحلية يعلم أن النظام التعليمي لدينا غير مؤهل حتى الآن للقيام بمهمة تحقيق الإصلاح الشامل والجذري. بل إنه بشكل أو بآخر يمثل حتى الآن عقبة في وجه عملية الإصلاح باعتبار أنه يمثل كتلة قارّة ساكنة تستعصي حتى الآن على الحركة والتغير والتطور. فالنظام التعليمي المحلي بحالته المستمرة من فترة طويلة لا يزال يفشل في إنتاج فرد قادر على التعامل بشكل سليم منتج ومبدع وحر مع الحياة والآخرين. في الفترة الأخيرة بدأ يتشكل وعي محلي بضرورة التغيير والإصلاح للتعليم، هذا الوعي ترافق مع إرادة في القيادة السياسية العليا المتمثلة في الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومن يعلم مدى أساسية النظام التعليمي يعلم أن عملية إصلاحه هي عملية هائلة يحتاج تحقيقها لمجهود كبير من عدد كبير من الأطراف والفعاليات وهذا ما لم يتحقق بعد باعتبار أن البيئة التقليدية المتمثلة في الفكر والواقع لا تزال تمانع وبقوّة في وجه أي محاولة تغيير، ولعل أكبر خطر يواجه عملية إصلاح التعليم هو ذلك الذي يحوّلها إلى عملية إصلاح في الشكل والتقنية والوسيلة دون المساس بالأهداف والأسس والرؤية الأولى التي تمثل اجتهادا في عصره لم يعد ملزما لأحد فيجب أن يكون لكل عصر أهدافه ولكل وقت رجاله ونساؤه.
الأساس الآخر لعملية الإصلاح هو إصلاح القضاء بوصفه المتكأ الأساس الذي تعتمد عليه الحركة في المجتمع، سواء حركة التطوير والإصلاح أو حركة التقهقر والتخلف، وبالتالي فإن مشروعا إصلاحيا ما يحتاج بالضرورة إلى نظام قضائي فاعل وحيوي ونشط يستطيع أن ينظم حركة المجتمع ويفكّ اشتباكها واختناقاتها. شخصيا أعتقد أن النظام القضائي الحالي لا يتواكب مع رغبة الإصلاح والتطور في المجتمع بل إنه يمثل إعاقة صلبة في وجه هذا الإصلاح ونعلم جميعا مدى الاصطدامات التي نواجهها قضائيا مع أنظمة التحديث والتطوير التي يراد استحداثها في المجتمع، حتى على مستوى الأداء والفاعلية يبدو القضاء الحالي بطيئا جدا ومعيقا ونحن نعلم أن إحدى أبرز شكاوى المستثمر المحلي أو الأجنبي أن القضاء المحلي لا يستطيع التعامل ولا استيعاب القضايا بشكل طبيعي وميسّر. النظام القضائي في هذه اللحظة يحتاج إلى قيادات منفتحة على التطوير والتغيير، قيادات تشعر، شعورا حقيقيا، بما هو مطلوب تحقيقه لحاضر ومستقبل هذا البلد، قيادات تسمح للمياه أن تتحرك وتنقل معها الحياة في مرافق القضاء، نعلم اليوم أن لدينا أفرادا مهمين يمتلكون وعيا قانونيا وحقوقيا عاليا ويمتلكون رؤى وأفكارا للتطوير والإصلاح ولكن البيئة الحالية لا تستطيع استيعابهم والاستفادة منهم إن لم نقل إنها تمثل بيئة طرد وإبعاد لأفكار التغيير والتطوير.
في بلد مفعم بالشباب والآمال والطموحات ويمتلك من المقومات الشيء الكثير نحتاج باستمرار إلى روح تسير نحو التغيير والتطوير، روح تسير نحو الإصلاح، هذه الروح لا يمكن أن تنبثق من شخص واحد مهما كان بل هي روح يحملها الفاعلون في المجتمع ليحولوها إلى عمل ملموس ومتحقق بالفعل. ولذا فإن التغييرات الوزارية الكبيرة التي أعلن عنها يفترض أن تعزز هذه الروح وتوقد فيها شعلة الحياة. وإذا تذكرنا فقط حجم المهمات الملقاة على عواتقنا تجاه إنسان هذا الوطن فإننا نقدر حجم المسؤولية، ليس على أحدنا أو إحدانا سوى أن ينظر في أعين أطفال هذا الوطن، الأعين التي يجب أن نعثر فيها على أمل ورجاء وطلب في أن نكون على قدر المسؤولية ونسعى لإنجاز ما يجعل حياة الأجيال القادمة ممكنة ومؤسسة بشكل جيد. بلدنا رغم كل شيء بلد فتيّ وفي أول شبابه وكلنا حتى هذا الوقت نعد من الآباء المؤسسين، الآباء والأمهات الذين عليهم مسؤولية التأسيس ووضع القواعد السليمة لحياة الأجيال القادمة ومستقبل الأمة السعودية التي نسعى جميعا لتكون كريمة وحرة ما بقيت.ولذا فإن مهمة الإصلاح هي مهمتنا الأولى، والإصلاح في كل الجوانب هو المطلوب ولكنه في الأسس والقواعد يبقى الأهم والأكثر قيمة، ولذا تأتي أهمية إصلاح التعليم والقضاء ففي التعليم تتم صناعة المستقبل وفيه توضع أحجار أساس إنسان المستقبل القادم وفي القضاء تكمن الضمانة التي تجعل الطمأنينة على الحقوق مكفولة وتجعل العمل بالتالي والحركة تتم بثقة وانطلاق.اليوم لدينا تغييرات في قيادات هذين الجهازين الكبيرين وخلف هذا التغيير رغبة إصلاح وتطوير، لكن يجب أن نعلم أن القيادات لا تمتلك عصا سحرية تغيّر بها الواقع ولكن الإصلاح عملية متكاملة، ولذا فمن المهم هنا تعزيز تكامل الجهود لتحقيق الإصلاح فإذا كان المسؤول مناطاً به تنفيذ الخطط والمشاريع فإن الإعلام عليه دور المراقبة والمتابعة خطوة بخطوة ليعزز روح الإنجاز من جهة وينبه لحالة القصور والتعثّر من جهة أخرى. كما أن على العقول المفكرة ممارسة النقد باستمرار، النقد الحقيقي الذي يجعل هدفه مصلحة المواطن والوطن.ولذا فلا بد من التذكير بأن الشفافية هي الحالة التي يشتغل الإصلاح فيها وأن عدم وجودها كفيل بوأد كل مشاريع الإصلاح، كما أن حرية التفكير والتعبير هي التي تكفل للعقول أن تتحرك وتؤدي مهامها الطبيعية في التفكير والنقد. وباعتبار مشاريع الإصلاح شأنا عاما فإن هذه الحرية يجب أن تكون مكفولة للجميع أمام الجميع.