الملف الصحفي للتربيةالخميس 12/5

[صقر قريش]

الوطن :الخميس 12 جمادى الأولى 1430 هـ العدد 3142
سؤال حير أطباءوتربويين..ولا جواب من «التربية»ضمن منهج الجغرافيا للصف السادس الابتدائي
الرياض, الدمام, أبها: ماجدة عبدالعزيز, سهام الدعجاني, تغريد العلكمي
«كيف يعرف الرجل أن هذه المرأة التي سوف يتزوجها ستكون كثيرة الإنجاب؟».
سؤال معتمد في منهج الجغرافيا التربوي الرسمي لطلاب الصف السادس الابتدائي, وطرحه تلميذ على والدته المسؤولة التربوية, فبدا عليها الحيرة ولم تستطع الإجابة. وطرحته «الوطن» على أطباء مختصين بالنساء والولادة فأكدوا استحالة معرفة الجواب.
سألنا عدداً من التربويين, فقال أحدهم «الجواب على هذا السؤال عند الله وحده», واستغرب آخر ورود مثل هذا السؤال في منهج الجغرافيا, وقالت أستاذة جامعية إنه يتعلق بخصوبة المرأة وهي مادة تُدرس لطلاب جامعيين... حتى العارفون بالفراسة أكدوا استحالة إعطاء جواب, فيما اعتبرت عضو في جمعية علماء السنة والحديث السؤال غير منطقي وخطأ.
وزارة التربية المعنية بالإجابة لم تجب على السؤال الذي عرضه القارئ المهندس سالم الشهري, وهو ولي أمر طالب, أمام «الوطن» التي نشرته في 23 ربيع الآخر المنصرم. مر أكثر من أسبوعين, لكن لا تبرير ولا توضيح, ولا وعد بحذف السؤال أو بالتحقيق في الأمر من قبل الوزارة.
"التربية والتعليم"
علمت «الوطن» أن إدارة التربية والتعليم في القصيم هي التي وضعت المنهج المثير للجدل، في إطار تقاسم وضع المناهج الذي تعتمده الوزارة فتكلف كل إدارة تعليمية بوضع كتاب مدرسي أو أكثر. وسعت للحصول على إجابة أو توضيح منها، أو من أحد المشاركين في تأليف المنهج والذين نشرت أسماؤهم حينها, ويزيد عددهم على ثلاثين بين معلم ومعلمة كثير منهم يحمل شهادة دكتوراه!
جميعهم رفض الإجابة، بعض منهم كان غاضباً إزاء إثارة «الوطن» لهذا السؤال. وحده مدير تعليم البنين في القصيم المشرف على لجنة التأليف فهد الأحمد (لم يرد اسمه ضمن القائمة الطويلة) أقر بوجود أخطاء في بعض المناهج :»سمعت عن وجود خطأ أيضا في الصف الخامس وتأكدت وسألت زملاء فأفادوني أن فريق المراجعة في الوزارة بالرياض هو من سجل هذا السؤال وليس لجنة التأليف بالقصيم». ووصف المنهج بأنه «تجريبي» وليس مادة معممة. لكن ذلك يتناقض مع حقيقة أن المنهج معمم في كل مدارس المملكة ومستمر منذ سنوات عدة، بل يتضمن أفكاراً عدة مثيرة للجدل غير السؤال المعني.
في الرياض أيضا لم نحصل على إجابة من المتحدث الرسمي للوزارة الدكتور عبدالعزيز الجار الله الذي قال إن الموضوع من اختصاص وكالة التطوير التربوي وإنه ما زال ينتظر ردهم.
عودة إلى القصيم حيث رفض المربي المخضرم في التعليم المشرف على لجنة التأليف فهد الأحمد الإقرار بخطأ السؤال, ولا يملك إجابة عليه, وقال: «لن أسلم أن سؤالاً مثل هذا يطرح بهذه الطريقة وفي هذه المرحلة بأنه خطأ, ثمة وجهة نظر معينة من فريق التأليف أو فريق المراجعة, وسنكون غير منصفين إذا قلنا خطأ ولابد من مناقشة من وضع السؤال لمعرفة رأيه في ذلك».
«الوطن» لجأت إلى خبراء في الطب والشرع والحديث النبوي والتربية والفراسة أيضاً, لعل ثمة إجابة على السؤال.
رأي الطب
طبياً، أكد مدير قسم النساء والولادة بمدينة الملك فهد الطبية الاستشاري الدكتور سمير سندي عدم صحة هذا السؤال من الناحية العلمية قائلا: «علميا لا يمكن أن يكون هناك دلائل خارجية على معرفة مدى قدرة المرأة على الإنجاب ... لا يمكن معرفة ذلك إلا من خلال الفحوصات التي تتضمن تحاليل خاصة, من بينها الصبغة الملونة للرحم والهرمونات وسلامة الأنابيب، والتاريخ المرضي للمرأة، إضافة إلى مرور سنة من الزواج. ومع كل هذا لا يوجد دلائل ثابتة، لأن الإنجاب علمه عند الله وحده».
إلى ذلك, ذكر رئيس واستشاري قسم الولادة في مستشفى المانع بالجبيل وزميل الكلية الملكية البريطانية الدكتور محمد أحمد بلة أنه «لا يمكن معرفة هل امرأة معينة ستكون أكثر إنجاباً لعدم وجود علم يختص بذلك. لكن توجد مؤشرات يستدل بها إلى وجود صعوبة في الحمل, مثل عدم انتظام الدورة الشهرية أو انقطاعها أو وجود بعض مظاهر الرجولة في المرأة».
مضيفا أنه في حال كانت الدورة الشهرية للمرأة منتظمة, ولديها مظاهر الأنوثة فليس بالضرورة أن تكون كثيرة الإنجاب, فلا توجد أي قاعدة لذلك».
تربوياً تقول الدكتورة أيمان الخطيب, الأستاذة بجامعة الملك سعود «أكاد أجزم أن المعلم لم يشرح لطلابه وهم أطفال. فكيف يدرسهم درساً يتضمن هذه المعلومات، لأنه من الجانب التربوي لابد من الشرح والتوضيح للأطفال ولا يمكن أن يسألهم عن شيء إلا ويكون قادراً على شرحه لهم». وتقول بخطأ طرح مثل هذا السؤال على طفل وحتى على طلاب المرحلة الثانوية «لأن الجواب على سؤال كهذا, علمه عند الله وحده». ويعتقد عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الصحية للبنين بأبها عائض بن ناصر عسيري أن ورود السؤال المذكور خطأ في المنهج, ويقول:»قد لا يعي الكثير من أبنائنا في الصف الخامس أو السادس الابتدائي معنى السؤال... وإذا دل على خطأ معين فهو يدل على عدم اكتراث القائمين على مراجعة طبعات هذه المناهج وأن هذه اللجان شكلية لا يليق بها الإشراف التربوي على مثل هذه المناهج». وشدد على ضرورة قيام وزارة التربية بإعادة النظر في مثل هذه المناهج.
مديرة الإعلام التربوي بتعليم البنات بعسير منى الكودري فوجئت بطفلها في الصف السادس الابتدائي حين وجه لها هذا السؤال، واحتارت في الإجابة، والمفاجأة الكبرى حين اكتشفت أن الذي بين يديه هو كتاب جغرافيا. وتساءلت عن علاقة السؤال بطالب الصف السادس، وبمادة الجغرافيا تحديداً. وقالت «عدت للوحدة التي ورد فيها هذا التطبيق لعلي أجد مبررا فلم أجد مبررا أو إجابة... ونجد أنفسنا أمام سؤال أهم وهو ما منطقية وضع هذا السؤال الذي لا يمكن الإجابة عليه من الكبار فما بالك بطالب الصف السادس، والجميع يرجو أن يجدوا رداً منطقيا من أصحاب الشأن بهذا الخصوص».
رأي متفهم للسؤال
وترى المشرفة على كرسي المرأة عضو هيئة التدريس بقسم المناهج وطرق التدريس بجامعة الملك سعود الدكتورة نورة بنت عبدالله بن عدوان أن الأمر لا يستحق البحث والطرح, وقالت «أعتقد أن وجود سؤال غير قابل للقياس أمر لا يستدعي أن يفرد تحقيق لمعرفة ماذا يترتب على وجوده، والأحرى أن ُتوجه الملاحظة إلى الإشراف التربوي لتصحيح الصياغة اللغوية للسؤال، وذلك تحقيقاً للمفاهيم التي جاءت في سياق موضوع الدرس الذي يشير إلى توجيه الرسول عليه الصلاة والسلام بالتناسل وأهميته للمجتمع المسلم».
للطلاب الجامعيين
أستاذة علم الاجتماع في وزارة التربية والتعليم زهرة الخضام تعتقد أن هذا السؤال يرتبط بخصوبة المرأة التي تدرس في مادة «علم اجتماع السكان» في المراحل الجامعية والتي هي بعيدة كل البعد عن المرحلة الابتدائية مشيرة إلى أنها لا تستطيع معرفة المرأة الأكثر إنجابا.
وتساءلت «كيف يوجه سؤال يختص بالطلبة الجامعيين إلى طالب في الابتدائي لم يصل سن البلوغ بعد؟.
العارفون بالفراسة
وبعيداً عن الطب والتربية, يبيّن خبير تحليل الشخصية والتنمية الذاتية عبدالله العويرضي أنه لا يوجد مؤشر في علم الفراسة إلى أنه يمكن معرفة المرأة التي ستنجب كثيراً أو تلك التي لن تنجب, خصوصاً قبل الزواج. إذ لا توجد علامات خارجية على هيئتها، ولكن قد يعرف من خلال تاريخ أسرتها بالنظر إلى والدتها وخالتها وعماتها وشقيقتها... وعلم هذا أيضا عند الله».
السنة والحديث
لكن ماذا يقول علماء السنة والحديث؟. عضوة الجمعية العلمية السعودية للسنة النبوية فوزية منيع الخليوي اعتبرت أن السؤال المطروح في منهج الجغرافيا «غير منطقي وغير صحيح».
وأكدت ألاّ قرينة له من الحديث، لأن الأحاديث الصحيحة هي التي ترغب في الزواج وليس كثرة الإنجاب كما قال رسول الله «يا معشر الشباب من استطاع منكم الْبَاءَةَ فليتزوّج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليهِ بالصوم، فإنه له وِجَاء» رواه الجماعة.
و تقول إن الأحاديث التي تحث على كثرة الإنجاب باطلة ضعيفة لا يكاد يصح منها شيء، فحديث «تَنَاكَحُوا تَكْثُروا فَإنِّي أُبَاهِي بكُمُ الأُمَمَ يومَ القيامة» ضعفه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للإمام الغزالي.