الأكثرية ليست دائما صوابا
الثلاثاء, 3 نوفمبر 2009
د. أحمد صالح الزهراني
«هل كل الناس على خطأ ونحن فقط على الصواب» كثيرا ما تتردد هذه العبارة على ألسنة وأقلام المتحاورين حول أمور ومسائل نُطالب بأن نكون فيها مثل بقية الناس، وخاصة الدول الإسلامية، فكل الناس المرأة تقود السيارة عندهم وكل الناس لديهم دور سينما وجميع الدول لا يُمنع فيها الاختلاط إلى آخر ما يُقال، ودون الدخول في تفصيل الأحكام الشرعية المقررة عند أهل العلم بالشريعة فإنّ الذي يهمّني هنا أنّ الاستجابة لأمر ما فقط لأنّ كل الناس تفعله إلاّ نحن هو في الحقيقة ضعف وتبعية،فالعاقل أيا كان موقعه لا يبني اختياراته ولا يتخذ قراراته تأثرا بما عليه الناس،بل يحكم ذلك أمران،أولهما: القيمة والفائدة والنفع الذي يعود علينا ممّا نريد الإقدام عليه،والثاني أن لا يكون فيه مخالفة للشرع، فإذا تعارض أيّ أمر مع أحد هذين الضابطين فليس من العقل الاستجابة له تحت ضغط: «نحن فقط من شعوب الأرض الذين ليس لدينا...» وضع مكان النقاط ما شئت.
والدولة التي تحترم نفسها والقيم الّتي تقوم عليها فضلا عن كونها مسلمة هي التي تقدّر هذه الحقيقة الشرعية الّتي عبرت عنها النصوص، كقوله تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) وقوله: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله).
ومن نعمة الله علينا أنّ دولتنا السنية أيّدها الله وحماها وأدامها منذ تأسيسها وإلى الآن لا تأبه بما يفعله الآخرون،وإنّما تنظر للأمور بالمقياسين اللذين ذكرتهما،فكل ما فيه نفع لنا ولا يتعارض مع شريعة محكمة فالأخذ به متحتم، وهذا الذي نراه يسري ويجري،وكلّ ما فيه مخالفة للشرع، أو لم يكن كذلك لكنّه لا يناسبنا أو يتعارض مع المصلحة ولا نفع فيه إلاّ مزيدا من فتح أبواب شر مغلقة ونحو ذلك فالعمل على كفّه وسدّه هو المتحتّم وهو الذي نأمل أن تظل الأنظمة كلّها تسير وفقه.
وعلى أولئك الذين يصرون على اتهام هذا المجتمع المسلم - الّذي يعتز بما ينفرد به من قيم - بالشذوذ أن يعوا جيدا حقيقة أنّ الانفراد ليس دائما دليل تخلف،بل كثيرا ما يكون دليل تقدم،وهذه مفخرة لهذه الدولة التي -على سبيل المثال- لا يوجد على ظهرها قبر واحد يُعبد ولا مزار ولا خرافات،ومما يُفتخر به أن يترك كثير من الناجحين في مهنهم بلدانهم وبلاد أوروبية يعيشون فيها رغد العيش ويأتون للمملكة لسبب واحد: البيئة الصالحة لتربية أبنائهم،الّتي من أهمّ ركائزها منع الاختلاط والفصل بين الجنسين، وهذا الانفراد ليس شذوذا وإنّما هو تميّز يستحق كل التقدير والإشادة،بل هو من مزاياها وتفرّداتها الّتي هي في حقيقتها نعمة تستحق الشكران لا الكفران.