رد: أخــبــار ومنوعات الأحد 19 ذي الحجة 1430هـ
تركي الدخيل
فقه الفساد
الغضبة الشعبية الأخيرة جراء ما حدث في جدة أعاد الحديث الحقيقي لعواقب الفساد. والهجمة الإعلامية على الفاسدين تحتم علينا البحث في ظروف تشكّل وتكون فقه الفساد. نجد شواهد تأسيس فقه الفساد في بعض الأمثال والأبيات الشعرية، وعلى رأسها المثل سيئ السمعة الذي يردد كثيراً على ألسنة العامة والخاصة وهو: "لك أو لغيرك أو للذئب"!
يعني المثل أن كل ما تجده أمامك من مال أو عتاد هو داخل في المال السائب الذي لا ربّ له ولا حارس، فيحق لك أن تحوزه قبل أن يأتي غيرك أو أن تهمله ليلتهمه الذئب.هذا المثل قائم على قياس المال بمن وجد شاةً هائمة على وجهها في الصحراء، فهي إما لك، أو لغيرك، أو للذئب، استبعد المثل خيار عثور صاحب الشاة عليها، واستعادته لها، بل حصرت الخيارات بمن وجدها، وبمن سيجدها فيما لو تركها، وآخر الرابحين في العثور على الشاة السائبة هو الذئب!
ما أكثر الذئاب التي تقتات على أموال وضعت أمانة بين أيديهم، تحت ذرائع فاسدة، جماعها أنه لو لم يسرق المال، فإنه سيأتي غيره ويسرقه. أصبحت الأموال في أيدي هؤلاء موضع سباق بينهم من يكون الأسرع سرقةً والأشد نهشاً. إنهم هم الذئاب التي تنال من أموال الناس واعتمادات لم يكونوا أمناء عليها. والكارثة أن الفساد لم تستثن منه-وفق التقارير- حتى بعض المؤسسات الإسلامية، سواء كانت حكومية أو أهلية. إنه فقه الفساد الذي يبيح للذات ما يحرمه على الآخر، ويسرق المال حفاظاً عليه من أنياب الذئب.
قال أبو عبد الله غفر الله له: بعض أولئك المسؤولين -الذين نتمنى أن تتجدد محاسبة المقصرين والمتورطين منهم- يضعون الكثير من الحجج والتبريرات لما يجنونه من أموال. وألذ الأموال التي يستطعمونها هي تلك التي يجنونها من خزينة المجتمعات، جرياً على البيت العربي:
وأحياناً على بكر أخينا ** إن لم نجد إلا أخانا!
والشعر والأدب والأمثال العربية ثرية بالمقولات التي تتيح المجال لمن في قلبه مرض أن يبرر فساده، بالأبيات الشعرية، والأمثال المرصوفة والمقولات المحبوكة. إنه فقه فساد متكامل تمت صياغته منذ العصر الأموي وعصور التدوين التي نمت في أجواء الاستبداد والصراع السياسي إلى اليوم. وما حادث جدة إلا علامة على فقه فساد متجذر يحتاج إلى رصد طويل ... طويل جداً.
|